الحمد لله فاطر السماء وباسط الأرض خالق الخلق من تراب، ويحشرهم ليوم الحساب، فإما إلى الجنة أو إلى النار، والصلاة والسلام على خير رسله وأفضل خلقه وبعد:
هي رسالة لمن تريد النجاة رسالة كتبتها أنامل التائبات، ملأنها آلام وحسرات، وحملنها نصيحة الصادقات، أمددنها من دموع العيون، وسقينها بدماء القلوب، أرسلنها عبر بريد المحبة والشفقة والخوف، إلى تلك المسكينة التي غروها، ومكروا بها وخدعوها، فهي تريد أن تسير على خطاهن المؤلمة، و تتخبط في دروبهن المظلمة، وتتجرع مرارة فشل ذريع ذقن كأسه، وتعيش نشوة ذل عشن بأسه.
رسالة إلى تلك الفتاة التي رأت أن الحجاب، تخلف ورجعية، والعفة والحياء تقييد للحرية، والحشمة والنقاء، قتل للشخصية، والالتزام بالأخلاق والفضائل، كبت للعواطف والمشاعر, والقرار في البيت إلغاء لوجودها، و تعطيل لجهودها، وقتل لطموحها، والبعد عن الاختلاط طعن في كرامتها وطرح للثقة فيها.
إنها رسالة صاغتها تائبة، صاغتها من قلبها إلى تلك المسكينة التي على ناظريها غشاوة، تمنع وصول نور الحق إليها، وبهاء الصدق إلى مقلتيها، وصمم حجب صوت السماء عن أذنيها.
إنها رسالة من فتاة كانت تتربع على عرش الشهرة المزعومة، وتتبختر في تلك الأمجاد الموهومة، بلغت من شهرتها أن تصدرت صورتها أغلفة المجلات الشهيرة، والدوريات المعروفة، كانت تعيش حياة التحلل في بلاد الحرية المنقوصة، وتحيا حياة العبث والمجون والبهيمية المنكوسة، تتخبط في ظلام أطبق بسواده الكالح عليها، وتتقلب في ضلال حجب طريق الهدى بين يديها، ثم تركت ذلك كله، تركت ذلك العالم الموبوء، وتلك المجتمعات الساقطة، لتحيا الحياة الحقيقية، حياة الطهر والنقاء، بعيدا عن رجس تلك الأضواء.
إنها فابيان عارضة الأزياء الفرنسية، التي تركت عالم الشهرة والإغراء والضوضاء، تركت القصور والدور، والدر والحرير، والمركب الوثير، لتعمل في التمريض في جبال الأفغان. بعد أن رأت النور، وذاقت حلاوة الهداية، وتغلغلت السعادة في أعماقها.
قالت: "كان الطريق أمامي سهلا، أو هكذا بدا لي، فسرعان ما عرفت طعم الشهرة، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها، ولكن الثمن كان غاليا ، فكان يجب علي أولا أن أتجرد من إنسانيتي، وكان شرط النجاح والتألق أن أفقد حساسيتي وشعوري ، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه، وأفقد ذكائي، ولا أحاول فهم شيء غير حركات جسدي، وإيقاعات الموسيقى، كما كان علي أن أحرم من جميع المأكولات اللذيذة، وأعيش على الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر، لا أكره، لا أحب، لا أرفض أي شيء.
إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول، فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس، فكنت جمادا يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر"
وبعد إسلامها، وانتقالها من الظلام إلى النور، ومن حياة الضلال والشقاء، إلى الهداية والسعادة والهناء، تقول: "انقشع عن عيني في تلك اللحظة غشاء الشهرة والمجد والحياة الزائفة التي كنت أعيشها، تركت بيروت وذهبت إلى أفغانستان، وعند الحدود الأفغانية عشت الحياة الحقيقية، وتعلمت كيف أكون إنسانة.
وزاد اقتناعي بالإسلام دينا ودستورا للحياة من معايشتي له، وحياتي مع الأسر الأفغانية والباكستانية، وأسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية، وبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العالم، أصبحت حياتي تسير تبعا لمبادئ الإسلام وروحانياته"، وتختم قائله: "لولا فضل الله علي ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ". انتهت قصتها بتصرف واختصار.
أختاه إنه نداء من عاش نتن تلك المجتمعات، وذاق فيها و منها الويلات، وأصابته نار التحلل، وأحرقه لهيب التبذل، فليس من شاهد، كمن سمع.
إنها رسالة لتلك التي تنشد الحرية، الحرية المتحللة، تلك الحرية التي لا يضبطها الشرع المستقيم، ولا يقرها عرف سليم، لا تحكمها أخلاق فاضلة، ولا آداب سامية، حرية تنزع عن المسلمة رداء الكرامة والعفاف والطهر والنقاء، لتنغمس في مستنقعات الدنس والخطيئة والرذيلة.
إن تلك المخدوعة تذكرني ببهيمة مسكينة يغريها الجزار بنضارة المرعى، لتقع بعد ذلك تحت حد سكينه المشحوذ.
إنها تنظر إلى تلك المجتمعات التي حرمت نور الهداية، وقبسات الهدى، وطريق السعادة، نظرة إكبار وإجلال وأنهم بلغوا مبلغا عظيما في التقدم والرقي، تلك المجتمعات التي هوت إلى مستنقعات سحيقة قذرة عفنة، كفر وعهر، لواط وشذوذ، خنا وزنا، انتكاسات للفطرة والقيم والأخلاق، وليس بعد الكفر ذنب. ولا أقول سوى قاتل الله الإعلام المضلل، الذي يظهر القبيح بأجمل وأبهى صورة.
فلا تبالي بما يلقون من شبه وعندك العقل إن تدعيه يستجب
سليه من أنا ما أهلي لمن نسبي للغرب أم أنا للإسلام والعرب
لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب
ذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "أن الأستاذ بهجة البيطار حدثه أنه في إحدى محاضراته التي ألقاها في أمريكا وتكلم فيها عن حقوق المرأة في الإسلام، ومالها وما عليها، وبعد فراغه من محاضرته قامت سيدة أمريكية من الأديبات المشهورات وقالت: "إذا كانت المرأة عندكم على ما تقول، فخذوني أعيش عندكم ستة أشهر ثم اقتلوني"، فتعجب البيطار من كلامها، فشرحت له حالها وحال البنات عندهم فقالت: "إن المرأة الأمريكية تبدو أمام العالم حرة وهي مقيدة، وترى في الظاهر معززة وهي مهانة، إنهم يعظمونها في التوافه ويحقرونها في جسيمات الأمور، يمسكونها بيدها عند النزول من السيارة، ويقدمونها قبلهم عند الدخول للزيارة، وربما قاموا لها في الحافلة لتقعد، أو أفسحوا لها في الطرق لتمر، ولكنهم في مقابل ذلك يسيئون إليها إساءات لا تحتمل، يكفي واحدة من سيئاتهم أنها إذا بلغت سن الرشد، قبض أبوها يدها وقال لها إذا لم تسارع في إبداء الطلب من تلقاء نفسها: اذهبي فاكسبي وكلي، فلا شيء لك عندي بعد اليوم، فتذهب المسكينة، تخوض غمار الحياة وحدها، لا يبالون أعاشت بكدها أم بجسدها، ولا يسألون هل أكلت خبزها بيدها أو بثديها، وليس هذا في أمريكا وحدها، بل هو شأن القوم في ديار الغرب كلها". انتهى كلامه.
أختاه: كم أتمنى أن تقف كل مخدوعة على هذا الكلام، وهذه العبارات التي تقطر ألماً ممن عاش ذلك البؤس، وتجرع تلك المهانة.
يا أختنا هم ساقطون إلى الحضيض إلى التراب
يا أختنا هم سافلون بغيهم مثل الكلاب
يا أختنا هذا عواء الحاقدين من الذئاب
يا أختنا صبرا تذوب ببحره كل الصعاب
يا أختنا أنت العفيفة والمصونة بالحجاب
يا أختنا فيك العزيمة والنزاهة والثواب
تقول الصحفية الأمريكية (هيلسيان ستاسنبري ) بعد أن أمضت عدة أسابيع في أحد العواصم العربية: "إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتم تقييد المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا، امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا" انتهى كلامها ولا أجد تعليقا عليه أبلغ من هذه الإحصائيات :
في بحث أجراه أحد الباحثين في جامعة غربية كانت نتيجته أن 40% أربعين في المائة من الفتيات في تلك المجتمعات تفقد بكارتها قبل سن العشرين، وأن 70% سبعين في المائة منهن تعاشر شبان معاشرة الأزواج قبل الزواج.
إنها الزواج الحر أو ما يسمونه ( free love ) وهو ارتباط الرجل بالمرأة بلا قيود ولا التزامات، بل هي الانحلال والانسلاخ عن أدنى معاني الإنسانية، إلى أعلى درجات البهيمية، فيتعاشران الساعات والأيام، بل الشهور والسنين، ثم الفراق، ليعيد كل منهما الكرة مع طرف آخر، نشر في فرنسا مؤخرا أن سبعة أو ثمانية فقط من كل ألف شخص هو معدل الرجال والنساء الذين يتزوجون اليوم، أما الباقين، فالزواج الحر، والانحلال المرّ هو ديدنهم.
لذلك انتشرت الأمراض التناسلية الخطيرة من هربس وسيلان وإيدز، ففي فرنسا وقبل ظهور مرض الإيدز سجلت الإحصائيات الرسمية، والتي الحقيقة أضعافها ثلاثين ألف نسمة يموتون بمرض الزهري وحده.
أما في أمريكا يعالج في المستشفيات الرسمية مائتي ألف مريض بالزهري، وستمائة ألف بالسيلان، وهذا في المستشفيات الرسمية ناهيك عن غيرها، وقد أنشئت لعلاج هذه الأمراض في أمريكا فقط ستمائة مستشفى متخصص.
ثم جاء الإيدز وما أدراك ما الإيدز الذي ضحاياه أضعاف أضعاف ما ذكرت من الأرقام والنسب، إنه العقوبة الإلهية، والنتيجة الحتمية، للتحرر والانحلالية، الذي حصد أرواح الشاذين، و دمر حياة المنتكسين، وما ربك بظلام للعبيد، أثبتت الأبحاث أن سبب الإصابة بهذا المرض هو الانحلال الجنسي عامة، والشذوذ بصفة خاصة، وصدق الصادق المصدوق «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا»
لقد وصل التحلل في تلك المستنقعات إلى حد لا يصدقه عقل، أختاه لقد تم افتتاح بنوك ومصارف جديدة، مصارف لا تصرف المال والعملات، بل تصرف ماء الرجال، إنهم يجمعون السوائل المنوية من رجال مجهولي الهوية، ليتم بيعه للراغبين، من الشاذين والشاذات، الذين يرغبون في أبناء دون اتصال جنسي أو معاشرة شرعية.
أختاه هل تصورت يوما أسرة مكونة من زوج وزوجة كلاهما نساء، هل سمعت بزواج الرجل بالرجل، بل والله لقد تم عقد زواج امرأة على كلب، وسط مباركة الأهل والأقارب والأصدقاء، في تلك المجتمعات المطموسة المنكوسة.
ذكرت مجلة التايم في هولندا قصة امرأتين اتصلتا على تلك البنوك المنوية ليساعدهما في الحصول على طفل، وبالفعل حملت إحدى المرأتين بتلك الطريقة الشيطانية ووضعت طفلاً، لكنهما لاحظا أن الطفل كانا يعاني من أمر، ألا وهو فقد الأب وحاجته الماسة لرجل يشكل له القدوة، وقد ازدادت معاناته بعد الفشل الذريع لسد تلك الثغرة في حياته وشخصيته.
ومن أعجب ما قرأت في تلك المجتمعات الشاذة، أن إحدى الأسر قرر الزوجان فيها تبادل المراكز، وفعلا قاما بعملية العبث في الجنس، فأصبح الأب امرأة، والأم رجلا، وكانت المعاناة التي أولى ضحاياها، الأبناء الذين صدموا بذلك الوضع الشاذ الغريب.
أختاه هذه بعض أحوال تلك المجتمعات التي في نظر البعض أنها متحضرة، غيض من فيض، وقطرة من بحر، إنهم يتخبطون في الظلمات، ويسيرون في دروب الهلكات، وأصبح العقلاء منهم قبل غيرهم يشمئزون من نتنها، ويتضجرون من انحلالها.
تقول جيرمان غيريا، إحدى زعيمات الحركة النسائية، التي كانت تعرف بآرائها المتحررة بل المتحللة في شبابها، إلى حد وصل بها أنها كانت تدعو إلى إنهاء الزواج التقليدي، تقول بعد أن عرفت خطأ منهجها وفساد دعوتها: "ربما تكمن المشكلة في أننا لم نشرك معنا أمهاتنا، وخلفناهن ورائنا باعتبارهن من الطراز العتيق، ولكننا الآن، بعد أن أصبح غالبيتنا أمهات ولنا بنات مراهقات، نتناول المشكلة حاليا بوجهة نظر مغايرة، وربما أصبح الآن بالإمكان أن نقدر مواقف أمهاتنا بطريقة أفضل، إذا أنه لا يمكن في الواقع المساواة بين المرأة والرجل"، وتضيف قائلة: "تعتقد المرأة الغربية خطأ أن المرأة المحتشمة تعاني من عدم المساواة، وأن اللاتي يستخدمن مساحيق التجميل والحاسرات منهن، أكثر تحررا وتقدمية، فأمثال تلك الآراء الخاطئة ينبغي تصحيحها".
أختاه هذا الكلام ليس كلام امرأة عادية، أو فتاة صغيرة أو امرأة جاهلة، إنه كلام امرأة كانت زعيمة حركة نسائية، رأساً في الدعوة إلى التحرر، بل التحلل وهي الآن بعد أن ذاقت مرارة تلك الدعوة، وعاشت فشلها، وتجرعت آلامها، نطقت بتلك العبارات، لكل المخدوعات، بتلك النعرات، والدعوات المضللات، فهل من معتبرة، قبل أن تكون من العبرات.
يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يبغونها للهو واللعب
يا حرة قد أرادوا جعلها أمة غريبة العقل لكن اسمها عربي
هل يستوي من رسول الله قائده دوما و آخر هاديه أبو لهب
و أين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب
اللهم احفظ نساء المسلمين، بصرهن بدينهن، واجعلهن حافظات مكرمات مصونات، طاهرات عفيفات، يا رب البريات، وأدخلهن فسيح الجنات ونجهن من الدركات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.