لقد قص الله علينا في كتابه الكريم قصة موسى عليه السلام في آيات كثيرة، ومواضع شتى من كتابه، تارة مع طاغية الكفر فرعون! وتارة مع قومه وما لاقاه من إعراض ومجاهدة! وتارة مع السامري! لقد عانى سيدنا موسى من قومه ما عانى، ولقي من قومه ما لقي، وكل ذلك يذكره الله لنا في كتابه لنتعظ ونتدبر ونتفكر { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الأعراف :من الآية 176 ].
ومن تلك الأحداث التي قصها الله علينا في كتابه لما فيها من العبر والعظات، قصته عليه السلام حين توجه تلقاء مدين..
وفي ظل ما نسمعه ونقرأه في وسائل الإعلام وما يدور حول المرأة من حديث، وكلٌ يدندن حول حق المرأة، وظلم المرأة، وبعضهم نصَّب نفسه محامياً عنها ومدافعاُ عن قضاياها.
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
في ظل هذه الزوبعة الإعلامية، استوقفتني هذه الآيات من كتاب الله،
قد يظن البعض أنها حادثة عابرة حصلت لموسى عليه السلام أثناء خروجه وفراره من بطش فرعون، لكن الأمر ليس كذلك.
أستبيحك عذراً أخي القارئ لأقف معك وقفة يسيرة حول هذه الآيات، يقول تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص:23-24].
فها هو موسى عليه السلام خرج مطارداً من قومه خائفاً يترقب وما إن وصل مدين وقد بلغ به الجهد مبلغاً حتى شدَّه ذلك المشهد الذي أثار انتباهه وأنساه اجتماع الملأ لقتله، وأذهب عنه التعب والنصب،
فعند ماء مدين.. الرجال مجتمعون، كلُ همهم أن يسقوا أنعامهم وبهائمهم.
وهناك في الأسفل امرأتان تذودان أنعامهم عن السقي.
شتان بين حال أولئك القوم الذين لم يرعوا ضعف المرأتين وحاجتهما مع عفتهما وحياءهما، وبين موسى عليه السلام الذي أضناه طول الطريق ووعثاء السفر، ولكنه حين رأى ذلك الموقف دفعه خلقه النبيل ورجولته وعفته للسؤال عن حال هاتين المرأتين وقضاء حاجتهما.
إن المرأة بطبعها ضعيفة، بحاجة إلى من يقضي حاجتها، حتى لا تضطر إلى مزاحمة الرجال، وفي مثل هذه الحالة إذا لم تجد المرأة من يقضي حاجتها ويفرج كربتها، قد يضطرها الحال إلى المزاحمة، وشيئاً فشيئاً قد يتبلد الإحساس، وينقص الحياء وتقل الحشمة!!
إننا بحاجة ماسة إلى توفير المكان المناسب الذي يناسب المرأة لتحصل فيه على ما تريد حتى تعيش عيشة مصونة وتنعم بحياة كريمة, بعيدا عن التبذل والسفور.
وما أجمل ما نراه الآن من وجود مؤسسات حكومية و خيرية، خاصةٌ بالمرأة تتعلم فيها، وتعمل فيها وتنتج فيها، برعاية من أهل الغيرة والنخوة الذين يهمهم حفظ المجتمع، بعيداً عن أصوات الرعاع الذين لا يبالون، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون.
وإن مؤسسات إعلامية و اقتصادية و خيرية جعلت على عاتقها أن تجعل للمرأة من بيتها مكاناً للدراسة، والدعوة، والتكسب امتثالاً لقول الله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب:33]، لهي شامة في جبين التاريخ، وفخر لهذه الأمة تستحق الشكر والثناء والدعم.
وفي المقابل.. ألا ما أحقر (الرعاع) الذين كل همهم، لمز أهل الخير وحماة المجتمع، واتهامهم بإقصاء المرأة، وتعطيل دورها، ثم لا تجد لهم بعد ذلك أي دور فعال، لا للمرأة ولا للمجتمع، فهم لا يريدون إلا أن تسقي المرأة معهم ومن دلوهم، وحينها... تضيع الحرمات..! ويفقد الحياء..! وتقتل العفة!.