إن الاهتمام بالحجاب والمحافظة عليه هو الخطوة الأولى في طريق الالتزام والاستقامة بالنسبة للمرأة، ولستُ أعني بالحجاب حجاب العادة والتقليد الذي تلبسه المرأة فتزداد به فتنة في أعين ذئاب البشر، وإنما المراد به الحجاب الشرعي الكامل الذي يُكسب المرأة احتراماً وتقديراً، كما قال رب العزة والجلال في كتابه الكريم عن نساء المؤمنين في آية الحجاب: {
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59]، فإذا رأى الناس المرأة المتحجبة الحجاب الشرعي الكامل، عرفوا أنها من النساء العفيفات، فلم يجرؤوا على إيذائها، بل ويخافون من التعرض لها.
وفي الآونة الأخيرة ظهرت محاولات مستمرة من قِبل بعض الأدعياء؛ لإقناع المرأة بنزع الحجاب عن وجهها كخطوة أولى، حتى يصل الأمر بهم لنزع الحجاب بأكمله في نهاية المطاف، بل حتى يصل الأمر إلى العري والاختلاط، والله عاصم دينه، وحافظ دينه، وناصره، وإن رام المفسدون إفساده وبذلوا أقصى ما يملكون. وبحمد الله تبارك وتعالى كثير من البلاد الإسلامية عندهم وعي وعلم بما يمكر به أعداء الله تبارك وتعالى لهذا الدين، وهناك قصة وقعت لمرأة قدمت إلى بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية كانت تخرج في بلادها بدون حجاب كما هي العادة في بعض البلدان، لكن بحسب طبيعة البلاد السعودية صارت ترتدي الحجاب.
سأترككم مع صاحبة القصة تحكي قصتها فتقول: "وتعودت في بلادي-أخرجُ بلا حجاب.. أرتدي الأزياء المتعارف عليها... وأحرص على آخر خطوط الموضة.
شاء الله عز وجل أن أحضر إلى المملكة بعقد عمل مع إحدى الجهات، وفي بداية عملي كان لابدّ من الالتزام بعادات البلد وتقاليدها، فلبست العباءة والغطاء، وظللت على هذه الحال حتى جاء موعد سفري لبلدي.
وفي المطار خلعت العباءة والحجاب، وفوجئت بإحدى طالباتي مسافرة معي لبلدي لقضاء العطلة.
سعدت جدّاً برؤية طالبتي، وما إن سلّمت عليّ حتى فاجأتني بقولها: "لم أتوقع يا معلمتي إنك لا ترتدين الحجاب، عكس ما كنت أراك فيه أثناء الدراسة".
سألتها: لماذا تقولين هذا؟ إنني حريصة على أداء واجباتي الدينية كالصلاة والصيام وعدم فعل أي منكر".
فأجابت: "إن ما أنتِ عليه الآن هو عين المنكر".
شعرت في تلك اللحظة بالحرج من طالبتي التي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، وهي التي تنصحني وتوجهني إلى طريق الصواب.
حقيقة شعرت بضآلة وضعي، وتمنيت أن الأرض ابتلعتني من شدة خجلي من الله سبحانه وتعالى. ومن ذلك اليوم قررت ارتداء الحجاب طاعةً لله سبحانه وتعالى وامتثالاً لأمره، وحفظاً لكرامتي ونفسي من عيون الأجانب" (انظر:
http://akhawat.islam...howtopic=58022).
هذه قصتها مع طالبتها كما ترويها هي، فلله در هذه الفتاة الصادعة بالحق، الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر، وفي هذه القصة فوائد جمة نذكر ما تيسر منها، فنقول:
الفائدة الأولى: ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل فرد بقدر استطاعته لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «
من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم، كتاب الإيمان، برقم [49])، وهذه الطالبة المباركة حين رأت المنكر أمام عينها أدت ما عليها من الإنكار على معلمتها في قضية كشف وجهها.
الفائدة الثانية: الأسلوب الحسن في تغيير المنكر:
إن الأسلوب الحسن والكلمة الطيبة لها أثرها العجيب في النفس. وعلى الداعية أن تكون ذا فطنة بحيث تقوم بنصح من تقوم بنصحها على انفراد، فالكلمة الطيبة تقرب النفوس، وتزيل الجفوة، وتهيئ النفوس لاستقبال الحق وقبوله، ولله در القائل:
تغمدني بنصحك في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
الفائدة الثالثة: ضرورة العمل بهذا الدين من كل جوانبه:
يقول الله تبارك وتعالى آمراً بالأخذ بهذا الدين من كل جوانبه: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة:208]، فالمعلمة قالت بأنها حريصة على أداء واجباتها الدينية كالصلاة والصيام وعدم فعل أي منكر، ومع ذلك كانت كاشفت عن وجهها، فأجابتها الطالبة بأن كشف الوجه عين المنكر
.
وقد استفاضت الأدلة على وجوب الحجاب وهي كثيرة منها:
1- قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «
إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم» (رواه أحمد في المسند برقم [23602]، وقال محققوه: "إسناده صحيح"، والحاكم في المستدرك، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، برقم [2696]، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم [97])، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة إذا نظر من مخطوبته بشرط أن يكون نظره للخطبة، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة كأن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع به نحو ذلك، وقد قال الله تبارك وتعالى: {
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30].
2- ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن: "يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «
لتلبسها أختها من جلبابها» (رواه البخاري، كتاب أبواب الصلاة في الثياب، باب وجوب الصلاة في الثياب وقول الله تعالى، برقم [344]، ومسلم، العيدين باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى، برقم [890]، من حديث أم عطية رضي الله عنها)، فكان المعتاد عند نساء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أن المرأة لا تخرج إلا بجلبابها، وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج، كما في ظاهر الحديث، ولذلك ذكرن هذا المانع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما أمرهن بالخروج إلى مصلى العيد فأعطاهن النبي صلى الله عليه وسلم حلاً لهذا الإشكال بأن تلبسها أختها من جلبابها، ولم يرخص لهن بالخروج بغير جلباب مع أن خروجهن لصلاة العيد أمر مشروع، فكيف يرخص لهن في ترك الجلباب لخروج غير مأمور به ولا محتاج إليه؟! كالخروج للتجول في الأسواق والاختلاط بالرجال والتفرج الذي لا فائدة منه، فبينت هذه الطالبة أن كشف الوجه منكر، والأدلة في هذا متكاثرة أكتفي بهذين الحديثين.
الفائدة الرابعة: أهمية الحجاب للمرأة المسلمة:
إن الله تبارك وتعالى ما شرع حكماً من الأحكام إلا وفيه من الخير والمصلحة ما يستفيد منه الفرد والجماعة؛ فالشريعة وضعت لتحقيق مصالح العباد في الدارين، ويدخل في هذا الأصل العظيم إيجاب الحجاب الشرعي على النساء، فإن فيه منافع وفوائد متكاثرة منها: الفوز بطاعة الله تبارك وتعالى؛ لأنه هو الآمر به، ومنها: حماية المرأة وصيانتها عن أعين اللئام واعتدائهم كما أشار إلى ذلك ربنا تبارك وتعالى في قوله: {
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59]، قال أبو حيان رحمه الله في تفسيره: "ذلك أدنى أن يعرفن لتسترهن بالعفة، فلا يتعرض لهن ولا يلقين من يكرههن، لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها، بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها" (تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي [7/240-241])، أي طمعًا غير مشروع.
ومنها: حفظ العرض ودفع لأسباب الريبة والفساد والفتنة، ومنها: أن الحجاب سبب في طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بتقوى الله رب العالمين، لقول الله تعالى: {
وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53].
ومنها: أن الحجاب دليل على العفة والطُهر، فالعفاف تاج المرأة، وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وما أحسن ما قيل:
إن الحجاب مزيَّةٌ وحصانةٌ *** تزدانُ فيه المؤمناتُ من النساء
وأراه درعَ وقايةٍ لنسائنا *** من أسهْمِ الفُسَّاق أربابِ البغاء
صوني جمالَك بالحجاب فإنه *** نوعٌ من التقوى ورمزٌ للحياء
وعليك بالتقوى فإن لباسَها *** سترٌ وإن دثارَها خير غِطاء
أيتها الكريمة:
أنت جوهرة مصونة، أنت وردة حسناء، إن التزمت بالحجاب، وإلا أصبحت عرضة للذئاب، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ نساءنا ونساء المسلمين، وأن يزينهن بالحياء والحشمة، والحمد لله رب العالمين.