بسم الله الرحمن الرحيم
كشف الأسرار
عن القول التليد فيما لحق مسألة
الحجاب
من تحريف وتبديل وتصحيف
تأليف الشيخ تركي عمر بلحمر
بحث تفصيلي وتأصيلي لأهم قواعد مسألة
ونشأة فريضة الحجاب مدعماً بكلام أهل العلم المتقدمين وفيه دراسة لبدعة
القائلين اليوم أن ستر وجه المرأة المسلمة عن الرجال سنة ومستحب
وأهم ما يحتويه الكتاب :
v التسلسل التاريخي لنزول آيات فريضة الحجاب:
فسورة الأحزاب نزلت في السنة الخامسة بفريضة الحجاب وذلك بمنع الرجال من
الدخول على النساء داخل البيوت والأمر بمخاطبتهن من وراء حجاب إلا للأصناف
المذكورين بعدها في الآية، فإذا خرجن من بيوتهن فيكون طريقة حجابهن من الرجال
كما قال تعالى: { يا أيها النَّبِيُّ قُل لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء
المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} ]الأحزاب:59[، وهي بإجماع أهل العلم أنها
الأمر للمرأة المسلمة بستر وجهها، ثم نزلت بعدها سورة النور في السنة السادسة
للهجرة وفيها الرخص للنساء بقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[
]النور:31[. وهي بإجماع أهل العلم أنها جاءت رخصة من الله لأن تبدي المرأة ما
تدعوا الحاجة إليه من زينتها ومثلوا عند تفسيرها بحال الشهادة والخِطبة وعلاجها
وإنقاذها أو كحال التبايع ونحو ذلك من توثيق العقود لمعرفة شخصها للرجوع لها أو
عليها وكما في النواحي الأمنية، وذكروا أنه (إذا عرفها من خلف نقابها لم يحتج
لكشفه أو عرفها ببعض وجهها لم يجاوزه)، كما جاء في نفس السورة أيضاً الرخصة {وَالقواعد
مِنَ النِّسَاءِ...} ]النور:60 0000]
v أن المذاهب الأربعة وأهل الظاهر لم يختلفوا في وجوب ستر المرأة لوجهها عن
الرجال:
وإنما كان اختلافهم من قبيل اختلاف التنوع وهو في العلة من أمر الشارع
للنساء بستر وجوههن، فمن قائل لأن الوجه عورة ومن قائل بل للفتنة والشهوة ولكن
ظهر اعتراض بعضهم على علة البعض الآخر أن (الوجه والكفين ليسا بعورة) أكثر من
ظهور علتهم في المسألة فحسبه المتأخرون اليوم أنه خلاف بينهم في أصل الفريضة،
وسبب اعتراضهم هو أن المرأة تكشفه في صلاتها ولو قيل أنه عورة لقيل وكيف لم
تبطل صلاتها بكشفه؟ وكذلك استدلوا أن الشريعة أباحت كشفه عند الحاجة والضرورة
كالشهادة والخطبة ونحوها، ولهذا فلم يناسب عندهم أن يقال فيما أباحته الشريعة
أنه عورة، واختلافهم في علل المسائل والأحكام كثير فمثلاً في فريضة الزكاة فمن
قائل أنها لتزكية النفوس والأموال ومن قائل أنها للنماء والبركة وقد يرى أحدهم
أن علته انسب وأظهر من علة الأخر وقد يعترض بعضهم على علة الفريق الأخر لدرجة
أن يحسبه من يرى نقاشهم أنهم مختلفون في أصل الفريضة .
ومثله قولهم (إذا أمنت الفتنة أو الشهوة) لا يقصدون به عموم الناس إنما هو
لناظر مخصوص ممن جاز نظره للمرأة عند الضرورة فاشترط بعضهم شرطاً زائداً وهو
أمن الفتنة والشهوة منه أو عليه كمن كان معروفاً بالفسق وقلة الورع أو يَعلم من
نفسه أنه يَشتهي ويتأثر فيُمنع من النظر ولو لحاجة وذهب بعضهم لعدم اشتراطه
وقالوا لا يسلم أحد من أن ينظر للمرأة ويأمن عدم تحرك شهوته .
v أن اختلاف أقوال الصحابة في تفسير آية الرخصة من قوله
تعالى: ] ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ ]النور:31[. كان من اختلاف التنوع
لا اختلاف التضاد:
وهو في التمثيل لبيان بعض الزينة التي تحتاج وتضطر المرأة لإظهارها
في بعض الأحوال. يقول الإمام الزركشي (ت:794هـ): (يكثر في معنى الآية أقوالهم
واختلافهم، ويحكيه المصنفون للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ، ويظن من لا فهم
عنده أن في ذلك اختلافاً فيحكيه أقوالا وليس كذلك، بل يكون كل واحد منهم ذكر
معنى ظهر من الآية، وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل، أو لكونه أليق
بحال السائل، وقد يكون أحدهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده
وثمرته، والكل يؤول إلى معنى واحد غالباً، والمراد الجميع، فليتفطن لذلك، ولا
يُفهم ثَمَّ اختلاف العبارات اختلاف المرادات)(1).
v خصوصية أمهات المؤمنين وأنه لم يرد عن أحد من المتقدمين أن ستر الوجه كان
فرضاً عليهن وسنة على من سواهن:
فقد كان للمتقدمين عند إطلاقهم لمعنى الخصوصية لحجاب أمهات المؤمنين معنىً
مختلفاً ومغايراً عن الذي أراده وفهمه اليوم فريق من دعاة السفور، وذلك لأن
المتقدمين قصدوا به أمرين اثنين:
الأول: وهو مختلف فيه بين أهل العلم:
حيث ذهب بعضهم، إلى أن أمهات المؤمنين قد شُدد وغُلِظ عليهن في مسألة الحجاب
وذلك تعظيماً لحق رسول الله e ولحقهن ومكانتهن وقدرهن على من سواهن من النساء،
فكن مختصات بعدم جواز ظهور أشخاصهن ولو كن مستترات، وهكذا حمل بعضهم أحاديث
حجبهن من الأعمى والمكاتب الذي عنده ما يؤديه – إن صحت كما قالوا – على مثل هذه
الخصوصية، ومن ذلك عدم جواز كشفهن لوجوههن ولو عند الحاجة كما هي الرخصة لغيرهن
من النساء كما في حال الشهادة ونحوها .
الثاني: خصوصية متفق عليها عند المتقدمين:
وهو إطلاق لفظة الخصوصية في حجاب أمهات المؤمنين ويقصدون بها اختصاصهن
بالحجاب من أبنائهن، دون بقية أمهات العالمين اللاتي ليس عليهن الاحتجاب من
أبنائهن. وهذه متفق عليها لأنها بنص القرآن {وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب:6]،
وكان من الطبيعي القول بجواز كشفهن لوجوههن، ولكن أوجب الله عليهن الحجاب كبقية
النساء ولهذا فإنك لو قلت عبارة: (أن أمهات المؤمنين مخصوصات بالحجاب) أو نحو
قولك: (تغطية الوجه مما اختصت به أمهات المؤمنين) لكان قولك حقاً وصواباً، لأنك
تعنى أنهن لسن كبقية الأمهات اللاتي لا يلزمهن الاحتجاب من أبنائهن فكان من قوة
فريضة الأمر بستر المرأة المسلمة لوجهها وعظيم شرفه وقدره أن دُعي له من هن في
حكم الأمهات ومن هن زوجات أفضل رسل الله عليهم الصلاة والسلام اللاتي الفتنة
منهن وإليهن أبعد ممن سواهن، وهذا أعظم محفز لغيرهن من النساء أن يشددن الهمة
على الامتثال لفريضة الحجاب ونبذ التغريب والمغريات الدنيوية والتبرج(2)
والسفور(3)، وما بدأ الله بهن إلا ليمهد وينبه ويُسلي من بعدهن من المؤمنات
بعظيم شأنه ويهون على من دونهن أوامره ونواهيه التي جاءت في ذلك .
v أشهر أخطاء وشبهات القائلين ببدعة السفور :
ويكفيك أن تعلم أن كل ما قالوه وفهموه وفسروه على أنها أدلة من الكتاب والسنة
على سفور وجه المرأة المسلمة لم يكن لهم في ذلك القول والفهم والتفسير سلف. ولم
تُثَرْ هذه البلبلة والشبه إلا حديثا، فليس في المتقدمين احد يقول بسفور وجه
المرأة المسلمة بين الرجال، بل العكس كما هي النقول المستفيضة عنهم، وخلاف هذا
إنما هو فِهم خاطئ لمقصدهم ومرادهم، ثم ما لحق ذلك من تفاسير حديثة مخالفة
لمراد الله تعالى ومراد رسوله eلم ترد عن أهل العلم .
تمت مراجعة مسودة الكتاب من قبل الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، مرفق
صورة الخطاب في بداية الكتاب .
موجود لدى كبرى المكتبات .
alhijab@hotmail.com----------------------------------
(1)- البرهان في علوم القران (2/16). وراجع كذلك "الإتقان" للسيوطي، و"مقدمة
التفسير" لشيخ الإسلام ابن تيمية .
(2)- قال في لسان العرب: (برج) وتبرجت المرأة تبرجا:... وقيل: إذا أظهرت وجهها
وقيل إذا أظهرت المرأة محاسن جيدها ووجهها قيل: تبرجت). وقال في المحيط في
اللغة: (برج): وإذا أبدت المرأة وجهها قيل: تبرجت. والبرج: المتبرجات). وقال في
المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده: (وتبرجت المرأة: أظهرت وجهها)، وقال في تهذيب
اللغة: (وإذا أبدت المرأة محاسن جيدها ووجهها، قيل: تبرجت).
(3)- قال في لسان العرب: (سفر) وإذا ألقت المرأة نقابها قيل سفرت فهي سافر..
وسفرت المرأة وجهها إذا كُشِف النقاب عن وجهها تُسفر سُفوراً). وقال في المعجم
الوسيط بتحقيق مجمع اللغة العربية: (سفر): والمرأة كشفت عن وجهها. وقال عند (السافر):
ويقال امرأة سافر للكاشفة عن وجهها). وقال في المحيط في اللغة: (والسفور: سفور
المرأة نقابها عن وجهها فهي سافر). وقال في تاج العروس: (يقال: سفرت المرأة إذا
كشفت عن وجهها النقاب وفي المحكم: جلته، وفي التهذيب: ألقته، تسفر سفوراً فهي
سافر).