من أسرار التعبير القرآني
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة: 28.
عَبَّرت الآية الكريمة بحرف العطف "ثم" لوجود مدة زمنية, ففي قوله تعالى: "ثُم يُمِيْتَكم" لتخلل مدة العمر بين نفخ الروح والإماتة.
وفي قوله تعالى: "ثُم يُحِيَكم" لتخلل مدة البرزخ, في قوله تعالى: " ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" لتخلل مدة الحشر والحساب, لأن حرف العطف "ثم" يفيد التراخي, بينما عبَّرت الآية بحرف العطف "الفاء" في قوله: "فأحياكم" لأنها تفيد التعقيب, فالموت الأول في الآية هو العدم, الذي يسبق الحياة, والحياة الأولى هي الخلق, والمراد بالموت الثاني في الآية هو الموت المعهود, وهو خروج الروح من الجسد, والمراد بالحياة الثانية هي الحياة للبعث, فجاء حرفا العطف "الفاء وثمَّ" متناسبين مع المقام.
تفسيرها :
معاني وشرح الكلمات:
{كيف تكفرون بالله}: الاستفهام هنا للتعجب مع التقريع والتوبيخ. لعدم وجود مقتض للكفر.
{وكنتم أمواتاً فأحياكم}: هذا برهان على بطلان كفرهم, إذ كيف يكفر العبد ربه وهو الذى خلقه بعد أن لم يك شيئا.
{ثم يميتكم ثم يحييكم}: إن إماتة الحى واحياء الميت كلاهما دال على وجود الرب تعالى وقدرته.
{ثم إليه ترجعون}: يريد بعد الحياة الثانية وهو البعث الآخر.
{خلق لكم ما في الأرض جميعاً}: أى أوجد ما أوجده من خيرات الأرض كل ذلك لأجلكم كي تنتفعوا به فى حياتكم.
{ثم استوى الى السماء}: علا وارتفع قهرا لها فكونها سبع سماوات.
{فسواهن}: أتمّ خلقهن سبع سماوات تامات.
{وهو بكل شىء عليم}: إخبار بإحاطة علمه تعالى بكل شىء, وتدليل على قدرته وعلمه ووجوب عبادته.
عن العباس بن عبدالمطب رضي الله عنه قال : كنا عندر النبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( هل تدرون كم بين السماء والأرض قلنا الله ورسوله أعلم قال : بينهما مسيرة خمسمائة سنه وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام وكثف كل سماء خمسمائة عام وفوق السماء السابعه بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله سبحانه وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شئ) رواه الخمسه وحسنه الترميذي وعن ابن عباس قال الكرسي موضع القدمين والعرش لايقدر أحد قدره رواه الفريابي وابن المنذر والحاكم وصححه.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)مسلم
ثم استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته من غير تأويل ولاتحريف ولاتمثيل ولاتشبيه.
أقوال
1-قولـه تعالى: ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ ) في كيف قولان.
أحدهما: أنه استفهام في معنى التعجب، وهذا التعجب للمؤمنين، أي: اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون، وقد ثبتت حجة اللـه عليهم، قالـه ابن قتيبة والزجاج.
والثاني: أنه استفهام خارج مخرج التقرير والتوبيخ. تقديره: ويحكم كيف تكفرون باللـه؟ٰ قال العجاج:
أطربا وأنت قنسري* والدهر بالانسان دواري
أراد: أتطرب وأنت شيخ كبير؟ٰ قالـه ابن الانباري.
2-قولـه تعالى: ( وَكُنتُمْ أَمْوَٰتًا )
قال الفراء: أي: وقد كنتم أمواتا. ومثلـه ( أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ) النساء: 90 أي: قد حصرت. ومثلـه: {إن كان قميصه قد من دبر فكذبت} يوسف: 26 أي: فقد كذبت، ولولا إضمار «قد» لم يجز مثلـه في الكلام.
وفي الحياتين، والموتتين اقوال. أصحها: أن الموتة الأولى، كونهم نطفا وعلقا ومضغا، فأحياهم في الأرحام ثم يميتهم بعد خروجهم الى الدنيا، ثم يحييهم للبعث يوم القيامة، وهذا قول ابن عباس وقتادة و مقاتل والفراء وثعلب، والزجاج، وابن قتيبة، وابن الانباري.
وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس (وكنتم أمواتا فأحياكم)أمواتا في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئا حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ثم يحييكم حين يبعثكم قال : وهي مثل قوله تعالى : (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)الطبري (1/419)
(تفسير بن كثير )
3-وقال مجاهد في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً...)قال : خلق الله الارض قبل السماء فلما خلق الارض ثار منها دخان فذلك حين يقول (ثم استوى الى السماء وهي دخان ) (فسواهن سبع سنوات )قال بعضهن فوق بعض وسبع أراضين يعني بعضها تحت بعض (الطبري 1/436) وهذه الآية دالة على أن الأرض خلقت قبل السماء .(بن كثير)
4- دحيت الارض بعد خلق السموات وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه فأجاب بأن الارض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا وقد حررنا ذلك في سورة النازعات وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله تعالى : { أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها } ففسر الدحي بإخراج ما كان مودعا فيه بالقوة إلى الفعل لما أكملت صورة المخلوقات الأرضيه ثم السماوية دحى بعد ذلك الارض فأخرجت ما كان مودعا فيها من المياه فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة والله سبحانه وتعالى أعلم
التفسير
كيف تنكرون -أيُّها المشركون- وحدانية الله تعالى, وتشركون به غيره في العبادة مع البرهان القاطع عليها في أنفسكم؟ فلقد كنتم أمواتًا فأوجدكم ونفخ فيكم الحياة, ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم التي حددها لكم, ثم يعيدكم أحياء يوم البعث, ثم إليه ترجعون للحساب والجزاء.اللهُ وحده الذي خَلَق لأجلكم كل ما في الأرض من النِّعم التي تنتفعون بها, ثم قصد إلى خلق السموات, فسوَّاهنَّ سبع سموات, وهو بكل شيء عليم. فعِلْمُه -سبحانه- محيط بجميع ما خلق(التفسير الميسر)
ما يستفاد منها:
الفوائد:
1- إنكار الكفر بالله تعالى.
2- إقامة البرهان على وجود الله وقدرته ورحمته.
3- حلّية كل ما فى الأرض من مطاعم ومشارب وملابس ومراكب الا ما حرمه الدليل الخاصر من الكتاب أو السنة لقوله: {خلق لكم ما في الأرض جميعا}.
4- بيان بداية الخلق( الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ..) ففي الاية دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السموات سبعا وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك .(بن كثير
5- أن الله ذو فضل علينا حيث أنه (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً..)
6- بيان أيظا فضل من أفضاله وهو أنه أوجدنا من العدم (وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فأحياكم).
7- أثبات البعث والحساب بقوه تعالى (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
8- أثبات علم الله المحيط بجميع ما خلق قال تعالى (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
9- ما اعظم ربنا وما اعظم تقديره قال تعالى (وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَٰتَهَا)
10-مابين الحياة والموت أفضال لاتعد ولاتحصى من ربنا (ثم أحياكم)بداية من حملنا ووضعنا ورعاية ابائنا وامهاتنا لنا برحمة منه وحمايتنا ورعيتنا أطفلا ثم شبابا وفضله بتعليمنا وتوضيفنا وهدايتنا ناهيك عن افضاله من بين الطفولة والشباب وما بين الشباب والكهوله واكبر نعمة ان جعلنا من ابوين مسلمين إن تعدو نعمة الله لا تحصوها
11- ابعد هذا يعصى ويعبد غيره فلابد من الاعتراف والاقرار بوجوده وأنه صاحب الفضل الأول والأخير