السؤال: متى أحل زواج المتعة في الإسلام ومتى حرم ولماذا حرم؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أبيح نكاح المتعة في أول الإسلام، ثم نسِخ ذلك، ونهَى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، والراجح الذي عليه أكثر العلماء أن تحريم نكاح المتعة كان عام الفتح.
قال ابن القيم في (زاد المعاد): لم تحرم المتعة يوم خيبر، وإنما كان تحريمها عام الفتح، هذا هو الصواب، وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم خيبر، واحتجوا بما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية». وفي الصحيحين أيضا: «أن عليا رضي الله عنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء، فقال: مهلا يا ابن عباس؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية». وفي لفظ للبخاري عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية». ولما رأى هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباحها عام الفتح، ثم حرمها قالوا: حرمت، ثم أبيحت، ثم حرمت. قال الشافعي: لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح، ثم حرم إلا المتعة، قالوا: نسخت مرتين.
وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: لم تحرم إلا عام الفتح، وقبل ذلك كانت مباحة. قالوا: وإنما جمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحمر الأهلية؛ لأن ابن عباس كان يبيحهما، فروى له علي تحريمهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ردا عليه، وكان تحريم الحمر يوم خيبر بلا شك، وقد ذكر يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر، وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن، كما جاء ذلك في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وحرم متعة النساء» وفي لفظ: «حرم متعة النساء، وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر»، هكذا رواه سفيان بن عيينة مفصلا مميزا، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيدهما به، ثم جاء بعضهم فاقتصر على أحد المحرمين وهو تحريم الحمر، وقيده بالظرف، فمن ها هنا نشأ الوهم. وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة، لا فعلا ولا تحريما، بخلاف غزاة الفتح؛ فإن قصة المتعة كانت فيها فعلا وتحريما مشهورة، وهذه الطريقة أصح الطريقتين. اهـ.
وذكر ابن عبد البر في (التمهيد) رواية سفيان بن عيينة وتفسيره للحديث ثم قال: على هذا أكثر الناس. اهـ.
وقد بسط ابن حجر في (الفتح) الكلام في هذه المسألة، وذكر ما فيها من أقوال غير ما تقدم، ثم قال: إذا تقرر ذلك، فلا يصح من الروايات شيء بغير علة إلا غزوة الفتح، وأما غزوة خيبر وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم. اهـ.
وأما سبب إباحته في أول الأمر فبينه ابن حجر بقوله: سبب تحليله ما تقدم في حديث ابن مسعود حيث قال: "كنا نغزو وليس لنا شيء ـ ثم قال ـ فرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب" فأشار إلى سبب ذلك وهو الحاجة مع قلة الشيء. وكذا في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه ابن عبد البر بلفظ: "إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى عنها". فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبي، فناسب النهي عن المتعة لارتفاع سبب الإباحة، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعة بعد الضيق. اهـ.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 2587.
وأما سبب النسخ والتحريم؛ فلِما يترتب على هذا النوع من النكاح من مفاسد سبق بيان بعضها في الفتوى رقم: 485.
وقال الدهلوي في (حجة الله البالغة): كان صلى الله عليه وسلم قد رخص في المتعة أياما، ثم نهى عنها، أما الترخيص أولا فلمكان حاجة تدعو إليه، كما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما -فيمن يقدم بلدة ليس بها أهله، وأشار ابن عباس- رضي الله عنهما- أنها لم تكن يومئذ استئجارا على مجرد البضع، بل كان ذلك مغمورا في ضمن حاجات من باب تدبير المنزل، كيف والاستئجار على مجرد البضع انسلاخ عن الطبيعة الإنسانية، ووقاحة يمجها الباطن السليم. وأما النهي عنها فلارتفاع تلك الحاجة في غالب الأوقات، وأيضا ففي جريان الرسم به اختلاط الأنساب؛ لأنها عند انقضاء تلك المدة تخرج من حيزه، ويكون الأمر بيدها، فلا يدري ماذا تصنع، وضبط العدة في النكاح الصحيح الذي بناؤه على التأبيد في غاية العسر، فما ظنك بالمتعة، وإهمال النكاح الصحيح المعتبر في الشرع؟ فان أكثر الراغبين في النكاح إنما غالب داعيتهم قضاء شهوة الفرج. وأيضا فإن من الأمر الذي يتميز به النكاح من السفاح التوطين على المعاونة الدائمة، وإن كان الأصل فيه قطع المنازعة فيها على أعين الناس. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 69660.
والله أعلم.