دراسة في إثبات أنّ كاتب إنجيل يوحنا مجهول
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد.
مقدمة :
فإن نسبة كتاب ما إلى الله عن طريق الظن والأهواء من غير دليل قاطع وصحيح أمر خطير جداً ، وهذا حال كتب النصارى ، فإنهم من أكثر الناس إيماناً عن طريق الظن وإن كانوا يدّعون خلاف ذلك ، فمجرد ما يتراءى لهم أيّ وَهْم يبادروا ويجعلوه دليلاً قاطعاً ، على سبيل المثال استشهاد قاموس الكتاب المقدس على أن متى هو كاتب إنجيل متى ، لأنهم وجدوا أنّ إنجيل متى ( 9 : 10) يذكر الوليمة التي صنعها متى باختصار بينما يذكرها لوقا ( 25 : 29 – 32 ) بتفصيل أكثر ، فاستنتجوا أنّ متى هو الكاتب لأنه اختصرها تواضعاً.
فهل رأيتم دليلاًأسخف من هذا ؟؟؟؟
موضوع دراستنا هنا إن شاء الله هو كاتب إنجيل يوحنا ، وقبل أن نخوض فيه أوّد أن أشير إلى مقدمة مهمة ، وهي أننا حتى نعرف أنّ الكتاب الفلاني وحي من عند الله ، يجب علينا أولاً معرفة الكاتب ، ثمّ يجب أن يصرح الكاتب نفسه بأنّ هذا الكتاب هو وحي من عند الله ، ثم عليه أن يثبت دعواه بالأدلة والبراهين.
ثم بعد ذلك يجب أن يتوفر السند المتصل عن الكاتب ، وهو مثلاً أن يخبر تلاميذ يوحنا أنهم شاهدوا يوحنا يكتب إنجيله أو أنه هو أخبرهم بذلك ، ثم يقوم تلاميذه بنقل هذه المعلومة إلى تلاميذهم أو من هم دونهم ، ويجب على الأخيرين أن يصرحوا بكل وضوح وبكلام لا لبس فيه ، أنهم سمعوا من معلميهم ( الذين هم تلاميذ يوحنا ) أن يوحنا بن زبدي هو كاتب هذا الإنجيل ، ثم يخبر هؤلاء من هم بعدهم وهكذا.
هذا إذا أضفناشرط التواتر الذي يستحيل توفره في الكتاب المقدس.
فهل إنجيل يوحناتتوفر فيه هذه الشروط ؟؟؟
- هل كاتب إنجيل يوحنا معروف ؟؟؟
- هل ادّعى - علىفرض معرفته - أنّ كتابه وحي من عند الله ؟؟؟
- هل أقام البراهين على ذلك؟؟؟
- هل نُقل إلينا بالسند المتصل ؟؟؟
- هل تواتر نقله ؟؟؟
فكيف يُنسبكتاب إلى الله والكاتب في الأصل مجهول ؟؟؟؟
ولقد استدل النصارى بجملة أدلة ، وكلها تمويه ولا يصح منها شيء أن يسمى دليلاً ، وسوف أقوم هنا إن شاء الله بتفنيد ما استدلوا به على صحة نسبة إنجيل يوحنا للحواري يوحنا بن زبدي ، والتي حاولت أن أحصيها قدر المستطاع ، آخذاً بالاعتبار أهم مراجعهم ( دائرة المعارف الكتابية ، قاموس الكتاب المقدس ثم متفرقات ) ، سائلاً الله أن يعينني على تقديم دراسة عن باقي الأناجيل والله المستعان وعليه وحده التكلان.
استعراض أدلة النصارى
1 - استدلوا بقول الإنجيل ( هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذاوكتب هذا . ونعلم أن شهادته حق ) .. يو ( 21 : 24 ) ، فقالوا هذه عبارة صريحة أن الكاتب هو يوحنا.
الرد:
بداية أقول أنه ليس هناك في إنجيل يوحنا أدنى ما يشير إلى أنّ يوحنا التلميذ هو كاتبه..
وقد تعلق الكثير بعبارة ( هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا . ونعلم أن شهادته حق ) .. يو ( 21 : 24 ) ، وبنوا عليها اعتقادهم بأن يوحنا هو الكاتب ، ولكن هذا مرفوض من عدة وجوه :
أ – لا نعلم من هو القائل هنا ، ولا نعلم من هم الذين يتكلمون بصيغة الجمع ( ونعلم أنشهادته حق ) ، فالقائلون مجهولون تماماً ، بل ان هذه الجملة هي ضدهم إذ أن المتكلم يتحدث بصيغة الجمع ، وهذا يشير إلى أن الكاتب مجموعة من الأشخاص وليس فرداً واحداً.
ب – ليس هناك ذكر ليوحنا ، وجل ما في الأمر أنه قال ( هذا هو التلميذ ) ، ولكنمن هو هذا التلميذ المقصود وما اسمه ، فهذا الذي لا يُعرف ، والإنجيل لم يذكر اسمه ولم يحدد من هو.
فإن قيل بل اسمه محدد إذ وصفه بالتلميذ المحبوب ، والتلميذالمحبوب هو يوحنا ، نقول لهم ومن أين علمتم أنّ التلميذ المحبوب هو يوحنا ؟؟؟ ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .
فإنجيل يوحنا لم يذكر من هو التلميذ المحبوب ،ولا يوجد أدنى دليل على أنّ المراد بالتلميذ المحبوب هو يوحنا.
ج - ولو سلمنا جدلاً أن التلميذ هنا هو يوحنا بن زبدي لما كان هناك ما يدل من هذه العبارة أن الكاتب هو يوحنا ، وكل ما في المسألة أن المقصود بالمكتوب هنا هو ما قيل قبل ذلك من أن هذا التلميذ الذي يحبه المسيح شاع عنه أنه لن يموت ، فهذا هو المقصود بما كتبه وشهد عليه ، وهو هذه القصة الأخيرة لا غير ، ولا يجزم منها أنّ المقصود هو الإنجيل كله .
هـ - وحتى لو فرضنا جدلاً أنّ اسم الكاتب موجود بكل وضوح ، كأن يقول ( أنا يوحنا كاتب هذا الإنجيل ) ، فهل يمكن الاعتداد بهذا واعتباره دليلاً قاطعاً على هوية الكاتب ؟؟؟
نقول لا ، لا يمكن الاعتداد بهذا ولا يمكن اعتباره دليلاً ، لأنه لا يستبعد أن يقوم أحد بتلفيق هذا الإنجيل ثم ينسبه إلى أحد الحواريين بأن يضع اسم يوحنا أو يقول فيه ( أنا يوحنا كاتب هذا الإنجيل ) فمجرد وجود الاسم لا يعني صحة وحقيقة ذلك ، إذ أنه من السهل على كل من أراد التلفيق والكذب أن يضع اسم شخص آخر ويجعله كاتباً .
وها هو إنجيل بطرس ( من الأبوكريفا ) يحمل اسم كاتبه صراحة كما في الفصل الرابع عشر- : ( وأنا سمعان بطرس وأخي أندرواس أخذنا شباكنا وذهبنا إلى البحر ) .
فهذا قول صريح أن الكاتب هو بطرس الحواري ومع ذلك هملا يؤمنون أن بطرس الرسول هو الكاتب ، ولا يؤمنون أن هذا الإنجيل قانوني بل يقولونعنه أنه منحول ومزيّف.
فلو قلنا لهم ان اسم الكاتب بطرس موجود بشكل صريح ، سيجيبوا بأنّ هناك شخص آخر كذب على لسان بطرس وتكلم باسمه ، فهم هنا لا يعتبروا أن مجرد وجود الاسم دليل على كشف هوية الكاتب ، عندها سنقول لهم أن كلامهم هذا ينطبق على إنجيل يوحنا ولا فرق ، وبهذا تكون حجتهم بطلت من أساسها وانهارت نهائياً ولله الحمد والمنّة أولاً وآخراً.
2 - استدلوا بشهادةاريناوس ( 140 - 202 ) .
فلقد قال اريناوس : ( يوحنا تلميذ السيّد الذي اتكأ على صدره ، نشر بنفسه إنجيلاً أثناء إقامته في افسوس ) . واريناوس هذا هو تلميذ بولكاربوس ، والأخير هو تلميذ يوحنا ، قالوا وهذا هو السند المتصل لكاتب الإنجيل ، فلا بدّ أن اريناوس نقل هذه المعلومة عن بولكاربوس أستاذه والأخير نقلها عن يوحنا الرسول.
الرد:
لا يمكن الاعتماد على قول اريناوس ، وهو مرفوض لعدة أسباب:
أ – لأنه لم يذكر أنه أخذ هذه المعلومة من بوليكاربوس ، وقولهم لا بد أنه أخذها عن أستاذه قول في غير محله وتأكيد سقيم ، إذ أن هناك احتمالات أخرى ، فيحتمل أنه نقلها عن آخر مجهول لا نعرفه ، أو أنه غلبه الظن والتخمين فكان ذلك من استنتاجه الشخصي ، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن ننهض بهذه الأدلة الواهية لندلل على أن يوحنا هو الكاتب ، بل هذا يحتاج إلى أدلة قاطعة بيّنة لا تحتمل الشك ولا يتطرأ إليها الإحتمال ، وإلا فسدت ، لأنه من المعلوم ان الدليل متى ما تطرق اليه الاحتمال بطل به الاستدلال ..
وكونه تلميذ بوليكاربوس لا يعني أنه أخذ كل شيء عن بوليكاربوس ، فلو صحّ ذلك لوجب أن يكون فلورينوس الغنوسي ( وهو من الهراطقة في نظر الكنيسة ) أخذ أفكاره الغنوسية عن بوليكاربوس أيضاً ، لأنه كان تلميذه ، تقول دائرة المعارف:
(فلورنيوس الذي كان أيضاً تلميذاً من تلاميذ بوليكاربوس ، ولكنه انحرف إلي الغنوسية( .
فهل يقول النصارى أنّ فلورنيوس الغنوسي تلميذ بوليكاربوس أيضاً أخذ أفكاره الغنوسية عن بوليكاربوس ؟؟؟
طبعاً لا أظنأنهم يقولوا به...
وكذلك لوجب أن بابياس وهو من الآباء الرسوليين الذي كان صاحب بولكاربوس وتلميذ يوحنا الحواري قد أخذ عنه كيفية موت يهوذا الاسخريوطي ، والتي وصفها كالتالي:
Judas walked about in this world a sad example of impiety; for his body having swollen to such an extent that he could not pass where a chariot could pass easily, he was crushed by the chariot, so that his bowels gushed out.
( ولقد أصبح يهوذا مثال سيءعلى عدم التقوى في هذا العالم , فلقد تضخّم جسده حتى أنّه لم يكن بمقدوره المرور حيث يمكن أن تمرّ عربة حنطور بسهولة , ولقد دُهس بعربة حنطور حتّى انسكبت أحشاؤه خارجاً) ( Fragments of Papias - chapter 3)
والآن نسأل :
أليس بابياس تلميذاً ليوحنا الرسول ؟؟؟
أليس بابياس صديقاً لبولكاربوس؟؟؟
نعم هو كذلك ، واريناوس نفسه يؤكد ذلك ويقول : " بابياس الذي سمع يوحنا وكانصاحباً لبوليكاربوس" . ( Irenaues A.heresies, Book 5 , ch:33) .
فهليقول النصارى أنّ بابياس أخذ هذه عن الرسول يوحنا لأنه كان تلميذه ؟؟
أو هليقولوا أن بابياس أخذ هذه عن بولكاربوس لأنه كان صديقه ؟؟؟؟
فحسب قاعدتهم وجب أنيجزموا أنه أخذ هذه المعلومة عن يوحنا أو على أقل تقدير من بولكاربوس الذي بدوره أخذها عن يوحنا الرسول ؟؟؟
لا ، لن يجزموا بذلك و إلا اضطرّوا معها إلى الجزمبتناقض البشيرين متى ويوحنا ، لأن هذا فيه تكذيب واضح لإنجيل متى 27 : 5 ( فطرح - يهوذا- الفضة في الهيكل وانصرف.ثم مضى وخنقنفسه) .
وكذلك فيه تكذيب واضح لأعمال الرسل 1 : 18 ( فان هذا - يهوذا - اقتنى حقلا من اجرة الظلم واذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت احشاؤه كلها )
ولقد أجاب النصارى عن هذا أن بابياس سطحي وساذج ويُخطأ ويهم كثيراً ووصفوا رأيه بأنه رأي شخصي لا يلزمهم ، والعجيب أن شهادة بابياس حول كاتب إنجيل متى تستخدم كدليل معتمد في إثبات أن متى هو الكاتب ، ومن الذين اعتمدوا عليه دائرة المعارف الكتابية وقاموس الكتاب المقدس ومنيس عبد النور في شبهات وهمية ، وأكد شهادته واعتمد عليها كل من اريناؤس واريجانوس.
فهل رأيتم تناقضاً وازدواجية في المعايير أكثر من هذا؟؟؟
فالمسألة كما يبدو أنها أهواء ، فإن كان كلامه نافعاً فهو حجة دامغة أما إنكان كلامه مضراً فهو سطحي وساذج ورأيه رأي شخصي لا يُلزم أحداً ، مع أنّ قول بابياس هنا ليس رأياً بل هو خبر ورواية.
والعجيب أن النصارى مع كل هذا يجزموا أنّاريناوس أخذ هذه المعلومة حول كاتب إنجيل يوحنا عن معلّمه بولكاربوس ويتمسكوا بها بالرغم أنه لم يصرح بذلك ، فأوجبوا أن ما يقوله اريناوس هو ما أخذه عن معلمه ، ولكن هل يستطيعوا أن يظلوا متمسكين بقولهم أن كل ما أخبر به اريناوس هو مما أخذه عن بولكاربوس ؟؟؟؟
حسناً اضبطوا هذه النقطة ...
يقرر اريناوس في كتابهالثاني ضدد الهراطقة في الفصل الثاني والعشرين ( 22 ) أنّ المسيح – عليه السلام– كان قد جاوز الخمسين سنة عند موته ، ولقد جادل في ذلك ونافح بقوة واستخدم الأدلةوالبراهين مثل ( يوحنا 8 : 57 ) لإثبات قوله ، فاليهود قالوا للمسيح ( ليس لك خمسون سنة بعد ، أفرأيت ابراهيم ) ، فخلص إلى أن سنه في هذا الوقت كان فوق الأربعين ، والملفت للنظر أنه صرّح بكل وضوح أن هذه المعلومة حول سن المسيح سلّمها يوحنا الرسول لتلاميذه الذين رافقوه في آسيا وبقوا معه حتى حكم تراجان.
فالآنعزيزي القارئ نرى قولاً صريحاً في أن يوحنا بن زبدي أخبر تلاميذه أنّ المسيح جاوز الخمسين عند موته ، فهل تعلم أنّ الكنيسة ترفض هذا القول بشدة ؟؟؟؟
وتجمعالكنيسة أنّ بدء عمل المسيح عندما كان له نحو ثلاثين سنة ( حسب لوقا 3 : 23) ،وأنّ فترة عمله دون أربع سنوات كاملة ، وعلى هذا يكون سن المسيح عند موته لم يتجاوز أربع وثلاين سنة.
فلقد صرح المؤرخ الشهير يوسيبيوس القيصري ( توفي 340 ) أنّ فترة عمل المسيح على الأرض لم تبلغ أربع سنوات كاملة فلقد قال في كتابه تاريخ الكنيسة ، الجزء الأول ، الفصل العاشر منه :
( وبناء على الوقت المبارك لعمل المخلص يتّضح أنه لم يكن بمجمله أربع سنوات كاملة ) .
Accordingly the whole time of our Saviour's ministry is shown to have been not quite four full years
ولقد خطأت الكنيسة قول اريناوس وقالوا عنه أنه استنتاج شخصي خاطئ مبني على فهم مغلوط بالرغم من أنه يقول بكل وضوح أنّ هذا ماأخبر به يوحنا تلاميذه ، وعلّق هارفي على قول اريناوس في الهامش:
( مع الاحترام لهذا التّأكيد العجيب من إيريناؤس , يعلّق هارفي : قد يدرك القارئ هنا الأحرف الغير مرضية للتقليد , حيث أن الحقيقة المجرّدة مضطربة .فمن خلال التّدبّر المبني على التّاريخ الانجيلي , وبالإضافة إلى شهادة خارجيّة , نجد أنه من المؤكد أن عمل المسيح امتدّ قليلاً فوق ثلاثة سنوات , لكن هنا يصرّحإيريناؤس أن هذا تضمّن أكثر من عشرة سنوات , و يدعو إلى تقليد مبني - كما يقول - من خلال هؤلاء الذين رافقوا الرسول) .
وكذلك خطأه متى هنري في تفسيره( سنة 1706 ) ليوحنا ( 8 : 57 ) ، وقرّر أن عمر المسيح يومئذٍ كان اثنين وثلاثين أوثلاث وثلاثين سنة.
وجزم تفسير روبرتسون ليوحنا ( 8 : 57 ) أنّ المسيح كان يومئذٍ بين ثلاثين وثلاث وثلاثين ( 30 – 33 ) .
الخلاصة هي أننا نرى بكل وضوح كيف أن الكنيسة والعلماء المسيحيين يخطّئون اريناوس علانية ، بالرغم من أنه يصرح أنّ هذا ما أخبر به يوحنا تلاميذه ، ولكنهم رموا بكل هذا جانباً وضربوا به عرض الحائط عندما لم يناسب هواهم.
ثم يأتوا إلى قوله بأن يوحنا كتب إنجيلاً ويجزمون أنه مما أخذه عن بولكاربوس بالرغم أنه لم يصرح أنه أخذ هذه المعلومة عنه.
أليس هذا عجيباً ؟؟؟؟
ما يقول به صراحة أنه أخذه من التلاميذ يكذبونه به ، وما لم يخبر به أنه عن التلاميذ يجزمون أنه مما أخذه عن التلاميذ ....
أليس هذا هو الكيل بمكيالين ؟؟؟
ولماذا لا يقولوا أن قول اريناؤس أن يوحنا كتب إنجيله هو استنتاج شخصي وفهم مغلوط ؟؟؟؟
وخصوصاً أن هذا القول أجدر لأنه لم يصرح بأنه أخذه من أحد ؟؟؟
أم المسألة أهواء ؟؟
أرأيت مناتخذ إلهه هواه ؟؟؟
نعم وما هذه إلا مسألة أهواء ، فما يوافقهم فهو مما أخذه عنالتلاميذ وإن لم يصرح هو بذلك ، وما لا يوافقهم فهو من استنتاجه الشخصي وحتى إن صرح بأنه مما نقله التلاميذ عن البشير يوحنا.
إذن ، فالجزم بأن أيريناوس أخذ هذه المعلومات عن بوليكاربوس فيه مجازفة كبيرة وبعداً عن المنطق والحقيقة.
وألخّص الكلام وأقول:
بين ارناوس ويوحنا حلقة واحدة ، ولكن هذه الحلقةمفقودة ، أي لا يُعرف من هو هذا الحلقة الذي أخبر اريناوس أن يوحنا هو الذي كتب انجيل يوحنا ، ولا نستطيع أن تقول أن بولكاربوس هو الحلقة هنا ، لأن اريناوس لم يصرح باسم من أخبره بذلك ، فهذا مجرد ظن وتخمين ، ويبقى القول أن بولكاربوس هو من أخبر اريناوس مجرد احتمال ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.
فالعقائد لا يمكن أنتبنى على الظن والاحتمالات ، بل تبني على اليقين الثابت.
هذا إذا أخذنا بالاعتبار أنّ بوليكاربوس نفسه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى وجود إنجيل ليوحنا، وكذلك بابياس ، فيستحيل أنّ تلاميذ يوحنا كبوليكاربوس وبابياس لم يثبت أنهما يعرفا ليوحنا إنجيلاً حتى يأتي من بعدهما ليخبروا بذلك.
فبعد هذا الكلام علمنا ضعف هذا الاستدلال وسقوطه ، واعلموا أنّ هذا أقصى ما يمكن أن يستدلوا به على كاتب إنجيل يوحنا ، وبالرغم من لم يصح وضعيف جداً وكذلك عجزوا أن يثبتوا سنداً واحداً متصلاً له ، فلم يجدوا إلا هذا السند المنقطع ، فكيف إذا طلبنا منهم التواتر ؟؟؟؟؟
والآن بقي أدلة واهية جداً ، وعند النظر إليها سوف يعلم القارئ مدى سذاجتها ، وأنّ البعض منها أقرب ما يكون إلى الضحك على عقول الناس.
3 - شهادة ثاوفيلوس "Theophilus"
تقول دائرة المعارف الكتابية : (ويجب أن نذكر مع إيريناوس، ثاوفيلس (أحد المدافعين عن المسيحية– 170 م) ، فهو أقدم كاتب يذكر القديس يوحنا بالاسم ككاتب للإنجيل الرابع. ففياقتباسه لفقرة من مقدمة الإنجيل، يقول :" وهذا ما نتعلمه من الكتب المقدسة، ومن كل الناس المسوقين بالروح القدس، والذين من بينهم يوحنا) .
الرد:
هذه العبارة المقتبسة قالها ثاوفيلوس اسقف انطاكية في الجزء الثاني من كتابه لـ أوتوكيلوس"Autolycus" ، وهي عبارة مرسلة ، فلا يُعرف من أين أخذ ثاوفيلوس هذهالمعلومة ، ولم يُخبر هو نفسه من أين ، ولا يُعرف ما إذا كان لقي أحداً من تلاميذ الرسل أم لا ، فشهادته كما قلنا عبارة عن كلام مرسل من غير دليل ، فإذا كنّا طرحنا شهادة اريناوس فمن باب أولى طرح شهادة ثاوفيلوس.
4 - ينقل يوسابيوس القيصري عن اريناوس أن القديس يوحنا سلم لتلاميذه ، الشيوخ ، الإنجيل مكتوباً " (جزء3 فصل 2:23 ) .
الرد:
هذا الكلام فيه تدليس كبير لا خفاء فيه ، فبالرجوع إلى تاريخ يوسبيوس المجلد الثالث في الفصل 22 نقرأ الآتي:
( وفي كتابهالثاني ضد الهراطقة يقول التالي : وجميع الشيوخ الذين رافقوا يوحنا تلميذ السيد في آسيا ، يشهدون أن يوحنا سلمه/ها إليهم . فهو بقى معهم حتى زمن تراجان) .
وهذا هو النص بالانكليزية:
And all the elders that associated with John the disciple of the Lord in Asia bear witness that John delivered it to them. For he remained among them until the time of Trajan
وكما نرى أنه يقول ( سلمه/ها إليهم ) هكذا بصيغة الغائب ، ولم يقل أبداً أنه سلّمهم الإنجيل ، فما هو هذا الشيء الذي سلّمه يوحنا لتلاميذه ؟؟؟
لقد سلّمهم معلومة عن عمرالمسيح عند موته ، وهو أنّ المسيح عاش حتى جاوز الخمسين عاماً ، والدليل على ذلك هو إذا رجعنا إلى الكتاب الثاني لاريناوس ضد الهراطقة فصل 22 نجده يقول حرفياً ( نقل إليهم تلك المعلومة )، وهذا الذي اقتبس منه يوسيبيوس ، وهو نفس ما ذكرناه في الرد على الدليل الثاني ، ونجد أنّ الفصل 22 يدور كله في إثبات أن المسيح عاش حتى تجاوز الخمسين عاماً ، ثم يبرهن قوله بأنّ هذه المعلومة سلّمها يوحنا لتلاميذه ( الشيوخ) .
فهذا هو كل ما في الأمر ، ولكنهم حاولوا الإيهام هنا أنّ المقصود هو الإنجيل ، وهو تدليس مفضوح .
وهذا النص بالانكليزية لمن أراد أن يتأكد من السياق بنفسه ويعرف كيف أنّ اريناوس يقول ( نقل إليهم تلك المعلومة ) :
On completing His thirtieth year He suffered, being in fact still a young man, and who had by no means attained to advanced age. Now, that the first stage of early life embraces thirty years, and that this extends onwards to the fortieth year, every one will admit; but from the fortieth and fiftieth year a man begins to decline towards old age, which our Lord possessed while He still fulfilled the office of a Teacher, even as the Gospel and all the elders testify; those who were conversant in Asia with John, the disciple of the Lord, [affirming] that John conveyed to them that information. And he remained among them up to the times of Trajan. Some of them, moreover, saw not only John, but the other apostles also, and heard the very same account from them, and bear testimony as to the [validity of] the statement. Whom then should we rather believe? Whether such men as these, or Ptolemaeus, who never saw the apostles, and who never even in his dreams attained to the slightest trace of an apostle?
5 – شهادة الآباء الرسوليين .
يقول النصارى أن الآباء القدماء للكنيسة استشهدوا بإنجيل يوحنا كثيراً واقتبسوا منه ، وهذا يدل على أنه كان معروفاً بينهم ، ومن بين هؤلاء الآباء :
(1)- إكليمندس الروماني (95م) : والذي نجد في رسالته إلى كورنثوس أربعة نصوص متأثرة بصورة واضحة بآيات الإنجيل للقديس يوحنا :
" يتمجد اسم الرب الحقيقي الوحيد " (1:43) مع (يو28:12) " أيها الآب مجدأسمك " (يو3:17) " أنت الإله الحقيقي وحدك" .
(2) - رسالة برنابا (حوالي 100م) : تستخدم الرسالة نفس فكر المسيح في حديثه مع نيقوديموس في شرح العلاقةالرمزية بين الحية النحاسية التي رفعها موسى في البرية وبين مجد المسيح على الصليب" فقال لهم موسى : عندما يلسع أحدكم فليتقدم من الحية المرفوعة على الخشبة وليأملفي إيمان بأنه رغم ميته قادرة أن تعطى حياة وسيخلص في الحال . وفعلوا هكذا . في هذا أيضا لديكم مجد يسوع ثانية ، لأن كل الأشياء فيه وله " (17:12) مع (يو14:3) " وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان" .
(3) - أغناطيوس الأنطاكى : تلميذ القديس بطرس الرسول وقد استخدم جوهر آيات القديس يوحناونفس لغته يقول في رسالته إلى مجنيسيا (1:7) " وكما كان الرب متحداً مع الآب ولم يفعل شيئاً بدونه سواء بذاته أو من خلال الرسل ، كذلك أنتم لا تفعلوا شيئاً بدون الأسقف والقسوس " مع (يو19:5) " لا يقدر الابن أن يفعل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل"
(4) - كتاب الراعي الهرماس (100-145م) : يستخدم روح وجوهرالإنجيل في قوله " لا يقدر الإنسان أن يدخل ملكوت الله إلا من خلال اسم أبنه ، الذي هو محبوبه 000 الباب هو ابن الله ، هذا هو المخل الوحيد للرب . لا يمكن لإنسان امرأة يدخل إليه إلا من خلال أبنه " (مثل 9 : فصل 7 ) مع (يو6:14) " أنا هو الطريق والحق والحياة . ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" .
الرد :
إن وجود عبارات في مؤلفات الآباء الرسوليين تشبه في مضمونها ما جاء فيإنجيل يوحنا لا تعني أن يوحنا هو كاتب الإنجيل ، فهذا يتطلب قول صريح منهم أنهم رأوا يوحنا يكتبه أو أن يقولوا أن يوحنا أخبرهم بذلك ، أو على الأقل يخبروا من أخبرهم بذلك ، كما أنّ تشابه هذه العبارات لا تعني بالضرورة أنها مقتبسة من إنجيل يوحنا ، فيُحتمل أنّ كليهما( الآباء وكاتب إنجيل يوحنا ) اقتبس من نفس المصدر ، أو يُحتمل أنها مقتبسة من أقوال منتشرة كانت تحكى وتتردد على ألسنة البعض في ذلك الزمان..
كما أننا يمكننا عكس الاستدلال هنا عليهم ، ونقول لهم : ماذا لو قيللكم بل إن الاقتباسات التي استشهدتم بها من كتب الآباء الرسوليين أمثال اكلمندس واغناطيوس ليست مقتبسة من إنجيل يوحنا بل كاتب إنجيل يوحنا هو من اقتبسها من كتب الآباء ، فهل بينكم وبينه فرق ؟؟؟؟
أليس هذا القول أقرب للتصديق مما يقولوا ،وخصوصاً لو أنّ كلامهم صحيح لوجب من هؤلاء الآباء أن يشيروا إلى المصدر ، كأن يقولوا مثلاً ( هذا ما قاله معلمنا يوحنا ) أو ( هذا ما قاله يوحنا في إنجيله) ولكننا لا نجد مثل هذه الأشياء ، فهذا شيء جدير بالملاحظة .
هذا بالإضافة إلىأنّ اغنطيوس توفي حسب دائرة المعارف الكاثوليكية ما بين ( 98 و 117 بعد الميلاد) ،وتقول دائرة المعارف الكتابية في زمن كتابات يوحنا( هناك الآن اتفاق متزايد فى الرأى على أنها ظهرت فى نهاية القرن الأول أو فى بدايةالقرن الثاني) .
ففي هذا إشارة قوية جداً إلى أنّ اغنطيوس لم يعرفإنجيل يوحنا ، ويقودنا إلى الاحتمال بأن كاتب يوحنا اقتبس من اغناطيوس وليس العكس.
ثم لو نظرنا إلى الاقتباس من رسالة برنابا ومقارنتها مع يوحنا لوجدناها في غاية السذاجة ، ولا علاقة بينهما أبداً ، اللهم إلا الحيّة المرفوعة.
فكما ترىعزيزي القارئ أنّ الاستشهاد بهذه الأشياء ما هي إلا تمويه واستخفاف بالعقول.
6 - بردية إيجرتون 2 ( Pap. Egerton 2)
يقول النصارى : يرى غالبيه العلماء إنّ بردية إيجرتون ترجع لنهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني وأبعد هذه الآراء رجع بها إلى ما قبل سنه 150 م ، وهذه البردية تحتوي على أربعة نصوص من يوحنا.
الرد:
أولاً: لا يوجد في هذه البردية أيّ ذكر أنّ إنجيل يوحنا كتبه يوحنا ، فما علاقة هذه البردية في كشف هوية الكاتب ؟؟؟
ثانياً : وجود نصوص في هذه البردية مشابهةلنصوص في انجيل يوحنا لا يثبت شيئاً في هوية الكاتب ، وعلى فرض أنّ هذه البرديةاقتبست من إنجيل يوحنا فأقصى ما يمكن أن يُستفاد منها ، هو أن الإنجيل كان موجوداًفي ذلك الوقت ليس أكثر ، ولا يمكن إثبات هويةالكاتب من خلالها أبداً ، فضلاً عن أنيذكر اسم يوحنا من الأصل ، فالكلام هنا هو مجرد تمويه ، ومحاولة لتكثير الكلام حتىيظن القارئ أنّ الأدلة كثيرة.
ثالثاً : لقد قلنا سابقاً أن وجود بعضالعبارات المتشابهة في المخطوطة أو البردية مع عبارات في الإنجيل ، لا يعني بالضرورة أنها مقتبسة منه ، بل جائز أنهم اقتبسوا من مصدر آخر ، كما أنه من الجائز أن هذه البردية والمخطوطة والإنجيل اقتبسوا من مصدر واحد ، أو أن هذه العبارات المقتبسة هي من الأقوال الشائعة في ذلك الوقت والتي تناقلتها الألسن من شخص لآخر ، فلا يمكن تحميل المسألة فوق ما تحتمل.
رابعاً : لا ننسى أن هذه البرديةمجهولة الكاتب.
خامساً : هناك أشياء ذكرت عن المسيح في هذه البردية وليس لها وجود في الأناجيل ، فكيف يُفسر النصارى هذا ؟؟؟
ألا يعني هذا أن هناك مصدراًآخر استقى الكاتب منه معلوماته ؟؟؟
وهذه نبذة عن بعض ما جاء عن المسيح في بردية ايجرتون 2:
And when they where perplexed at the strange question, Jesus, as he walked, stood on the lip of the Jordan river, stretching out his right hand, filled it with (...) and sowed upon the (...). And the (...) water (...) the (...). And (...) before them, he brought forth fruit (...) much (...) for joy (...)
( Papyrus Egerton 2:Fragment 2 Recto )
الترجمة:
( عندما كانوا محتارين بسبب سؤاله النادر ، ذهب يسوع إلى ضفافنهر الأردن ، ومدّ يده اليمنى وملأها من (...) وبذر (...) وال (...) ماء (...) ال(...) أمامهم ، وأخرج ثمرا (...) كثيرا (...) للسعادة ).
وطبعاً الذي بين قوسين هو ما سقط من البردية ، وهناك محاولات من العلماء لوضع احتمالات تتوافق مع السياق ، ولكن هذا لا يهم الآن ، المهم أن المعنى العام مفهوم ، وهو أن المسيح سار إلى نهر الأردن وبذر شيئاً ( حبوب مثلاً ) ، ثم أخرج ثمراً...
فالسؤال الآن : أين توجد هذه القصة في الأناجيل ؟؟؟
ومن أين استقى الكاتب هذه المعلومات؟؟؟؟
فلو قالوا انه اقتبسها من الإنجيل فنقول لهم أرجوكم دلّونا عليه أين هو ، وفي أيّ الأناجيل وأيّ إصحاح.
وإن قالوا اقتبسها من مصدر آخر أو أن هذه الحكاية ربما مما اشتهر على السنة الناس ، نقول عندها : لما لا تقولوا نفس الشيء عن ما اقتبستموه من البردية ؟؟؟؟
فبطل استدلالهم جملة بهذه البردية ولله الحمد والمنةأولاً وآخراً.
7 - مخطوطة جون ريلاندز ( ب 52 : P 52) والتي تحتوى على ( يوحنا 31:18 – 34، 37-38) وقد اكتشفت في صحراء الفيوم بمصر سنه 1935م ويؤرخها معظم العلماء بين سنه 117 إلى 135م .
الرد:
طبعاً الكلام على هذه المخطوطة كسابقتها ، فالمخطوطات إجمالاً لا يمكننا من خلالها إثبات اسم الكاتب ، وأقصى ما يمكن الاستفادة منها هو زمن الكتابة لا اسم الكاتب.
بمعنى آخر أن حصولنا على مخطوطةلبعض المقاطع من إنجيل يوحنا تعود لسنة كذا أو سنة كذا ، لا يعني أن الكاتب هو يوحنا ، فالمخطوطة تكشف لنا زمن الكتابة وليس هو هوبة الكاتب ، ولا أدري كيف يدرج المسيحيون هكذا أشياء ضمن الأدلة.
ثم أنّ هذه البردية ( ب 52 ) ليس فيها إلا بضع كلمات ، وهذه صورتها:
هذه هي كل البردية ، فعجباً لمن يتعلق بالسراب ويعتقد أنّه ماء .
8 - يوستينوسالشهيد ( 100 ، 110 – 165) .
يقول النصارى أنّ يوستينوس أو جستين الشهيد اقتبس كثيراً من إنجيل يوحنا ، وهذا يدل على شهرة هذا الإنجيل.
الردأولاً : لم يذكر يوستين الشهيد أنه اقتبس هذه الأشياء من إنجيل يوحنا ، فيُحتمل أنه اقتبسها من غيره ، أو أنّ هذه العبارات كان مما تناقلها الناس ودرجت بينهم.
ثانياً : حتى لو فرضنا جدلاً أنه اقتبسها من إنجيل يوحنا ، فكيف نعرف الكاتب؟؟؟
فما اقتبسه يوستينوس يؤكد في أحسن أحواله وعلى أعلى تقدير أن يوستين الشهيداقتبس من الإنجيل ، ولكن السؤال يبقى من هو كاتب هذا الإنجيل ، وهذا ما لم يستطع النصارى إثباته.
ثالثاً : يجب أن لا يغيب عن بالنا أن يوستين هو من مواليد القرن الثاني ( 110 – 165 ب م ) ، يعني أنه لا يعرف يوحنا ولم يلتق به ، ولو فرضنا جدلاً أنه قال بوضوح أن إنجيل يوحنا كتبه يوحنا ، يبقى السؤال مطروحاً : من أين حصل على هذه المعلومة وهو لم ير يوحنا ولا سمع منه ؟؟؟
وهكذا تبقى عندنا حلقة مفقودة لا يمكن تقييمها إلا بمعرفة الواسطة التي عرف بها ذلك ، أما الكلام هكذا بالظنون فلا ينفع ، والظن لا يغني من الحق شيئاً.
9 – كتب الأبوكريفا وكتب الهراطقة
( وهذه الأدلةسخيفة جداًُ ، ولكن سوف نمر عليها حتى نقلع كل يعلق في أذهانهم من أوهام ، وسوف أضرب مثلين اثنين على نوعية هذه الامثلة والرد عليها) .
أ - العظات الكليمنديةيقول النصارى : كتبت العطات الكلمندية في بداية القرن الثاني ، وأشارت إلى الأناجيل الأربعة بعبارة " أناجيلنا" ، واقتبت بضع نصوص من إنجيل يوحنا .
الردنقول : هذا لا ينفع ولا يفيد شيئاً في معرفة الكاتب فقول العظات الكلمندية ( أناجيلنا ) لا يثبت أن يوحنا هو كاتب إنجيل يوحنا.
ماذا لو قال للنصارى قائل ، بل نستنتج منهاأن يوحنا ليس هو الكاتب ، فماذا يجيبوه ؟؟؟
أو ماذا لو قيل لهم بل الذي كتب هذاهو نفسه كاتب يوحنا ، فإما أن تطرحوا إنجيل يوحنا وترفضوه أو تقبلوا العظات الكلمندية على أنها وحي أيضاً وليست أبوكريفا ؟؟؟
أليس هذا الكلام أوجه وأحقبالاعتبار من كلامهم ؟؟؟
استدلال غريب فعلاً ، وما هو إلا محاولة لتكثير الأدلةبأيّ ثمن ، حتى يتوهم من يسمع بذلك أن كاتب إنجيل يوحنا لا يمكن أن يكون مجهول لكثرة الأدلة ، فيظن أنّه لا يمكن أن تكون كلها ضعيفة ، بل ولا بد أن يوجد فيها أدلة قوية.
ب - كتاب البطاركة الأثنى عشر
يقول النصارى ، كتاب البطارقة الذي كتب في بداية القرن الثاني سنة 130م هذاالكتاب يتحدث عن المسيح بألقابه التالية " نور العالم " ، " المخلص " ، " ابن الله" ، " الابن الوحيد " ، " حمل الله " ، " الله الآتي في الجسد " ويقول " الروح يشهدللحق" وهذه كلها مأخوذة مباشرة من الإنجيل للقديس يوحنا.
الردطبعاً هذا لا يمكن أن يُسمّى دليلاً ولا حتى شبه دليل.
هل إذا ذكركتاب البطاركة هذه الألقاب نستنتج منها أن كاتب إنجيل يوحنا هو يوحنا بن زبدي ؟؟؟؟
هل يريدوا منا أن نصدق هذا الكلام المرسل ؟؟؟
وماذا لو سألناهم السؤالالسابق:
ماذا لو قيل لهم بل الذي كتب هذا هو نفسه كاتب يوحنا ، فإما أن تطرحواإنجيل يوحنا وترفضوه أو تقبلوا كتاب البطارقة على أنه وحي أيضاً وليس أبوكريفا ؟؟؟
10 – الأدلة الداخلية للإنجيل .
يقول قاموس الكتاب المقدس في إثبات كاتب إنجيل يوحنا من داخل الإنجيل نفسه( وهذا ما يسمى بالأدلة الداخلية ) :
1- كان كاتب الإنجيل يهودياً فلسطينياً، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين والأماكن المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود، (يوحنا 1: 21 و 28 و 2: 6 و 3: 23 و 4: 5 و 27 و 5: 2 و 3 و 7: 46-52 و 9: 7 و 10: 22 و 23 و 11: 18 و 18: 28 و 19: 31). ويظهر من الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية فيه.
2- كان الكاتب واحداً من تلاميذ لمسيح ويظهر هذا من استخدامه ضمير المتكلم الجمع (يوحنا 1: 14). وفي ذكر كثير من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح ومشاعر تلاميذه (يوحنا 1: 37 و 2: 11 و 17 و 4: 27 و 54 و 9: 2 و 11: 8-16 و 12: 4-6 و 21: 22 و 13: 23-26 و 18: 15 و 19: 26 و 27 و 35 و 20: Cool. ويتضح من يوحنا 21: 24 أن كاتب هذا الإنجيل كان واحداً من تلاميذ المسيح.
3- كان كاتب الإنجيل هو (( التلميذ الذي كان يسوع يحبه )) (يوحنا 13: 23 و 19: 26 و 20: 2 و 21: 7 و 20 و 21 وقارن هذه بما جاء في 21: 24). وكان هذاالتلميذ هو يوحنا نفسه.
الردوطبعاً هذه الأدلة واهية ، بل أوهى من بيوت العنكبوت ، وسأمر عليها سريعاً:
( أولا: قولهم كان الكاتب يهودياً فلسطينياً ) .
أقول فكان ماذا ؟؟؟
اليهود في فلسطين كانوا كثر ولم يكن يوحناالوحيد يهودياً!!!
ثم إنّ أصحاب القاموس يحتجوا لذلك بأنه كان يعرف تاريخاليهود وعاداتهم ، وأنا أقول : وماذا في هذا ؟؟؟
فهل كل من عرف تاريخ اليهود وعاداتهم صار يهودياً ؟؟؟
ألا يوجد من غير اليهود من يعرف أعيادهم؟؟؟؟
وغيرهم أضاف أنّ كاتب الإنجيل يقتبس من العهد القديم ، فدل أنه كان يهودياً .
فنقول لهم : هل كل من يقتبس من العهد القديم وجب عندهم أن يكون يهودياً ؟؟؟
مالهم كيف يحكمون ؟؟؟
لماذا لا يكون هذا الشخص الذي كتب الإنجيل غيريهودي ولكنه ضليع في اللغة العبرية ، كأن يكون مثلاً أجنبياً يعيش ويعمل بين اليهود لسنين طويلة فتعلم لغتهم وأتقنها وعرف عاداتهم وتاريخهم ؟؟؟
ثانياً : ( كان الكاتب واحداً من تلاميذ لمسيح الكاتب أيّ أنه كان شاهد عيان) .
وأنا أقول وما أدراهم أنه شاهد عيان؟؟؟؟
سيقولوا ( لأنه يروي بسهولة ويسر مشاعر التلاميذ الأولين وتعليقاتهم وأحاسيسهم) .
أقول ، ولماذا يوجب عندهم أنّ من يصف مشاعر التلاميذ يوجب ضرورة أن يكون واحداً منهم أو أن يكون شاهد عيان ؟؟؟؟
لماذا لا يكون هذا الوصفمما سمعه من بعض الناس فكتبه وأثبته في الإنجيل ؟؟؟
وها هو لوقا يصف في إنجيلهأيضاً ويروي بسهولة ويسر مشاعر التلاميذ وتعليقاتهم وأحاسيسهم ، وهو باعترافهم ليس شاهد عيان للأحداث ولا واحداً من التلاميذ الإثني عشر ولم يكن من تلاميذ المسيح على الإطلاق.
وكذلك حتى أسفار الأبوكريفا ( الأناجيل والرسائل المزورة كأنجيل مريم وإنجيل توما ) فيها وصف دقيق لأحاسيس وتعليقات التلاميذ ، بل تعليقات المسيح وكلامه وأفعاله ، ومع ذلك لا يؤمنوا بقانونيتها ، بل يقولوا أنها ليست إلهية وهي منحولة مزورة.
النتيجة أن اسشهادهم ضعيف جداً وساقط مردود .
ثالثاً : ( كان الكاتب هو التلميذ الذي يحبه يسوع) .
ونحن نسألهم ، ما هو الدليل أنّ التلميذ المحبوب هو يوحنا نفسه ؟؟؟؟
لا يوجد دليل أبداً ، وأنا أطالبهم بإثبات ذلك ، وأقول لهم ( قل هاتوابرهانكم إن كنتم صادقين) .
ولقد حاولوا إثبات ذلك ولكن كل ما أتوا به هو ضروبمن الظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً.
ونقول لهم ، ولو فرضنا جدلاً أن يوحناهو التلميذ المحبوب ، فمن أين لكم أنه هو الكاتب ؟؟؟؟
فإن استدلوا بـيوحنا 21 : ( هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا . ونعلم أن شهادته حق ) ، فنقول أنهاستدلال باطل وقد عالجناه في ردّنا على دليلهم الأول.
هذا ما استدل به القاموس ، وزاد غيرهم أنّ الكاتب كان تلميذا ليوحنا المعمدان لأنّ إنجيل يوحنا تحدث في فاتحة الإنجيل عن رسالة يوحنا المعمدان. وذكر الأحداث بشيء من التفصيل .
فأقول:
وما الذي يجعله تلميذاً ليوحنا ؟؟؟؟
سيقولوا لأنه يصف بدقةالأحداث التي جرت مع يوحنا.
أقول ولكن لوقا ومرقص أيضاً وصفا الأحداث ( بدقة ) وهم ليسا من تلاميذ يوحنا بلا شك ، بل ولا حتى من تلاميذ المسيح نفسه ، وحتى أنإنجيل لوقا تحدث عن يوحنا المعمدان أكثر بكثير مما كتبه كاتب إنجيل يوحنا عن يوحنا المعمدان ، بل وذكر ولادته ، ووصف بدقة كيف كانت حالة والديه ، وكيف جاء الملاك وبشرهم بيوحنا ، وكيف كانت كلمة الله عليه ، وحدثنا أيضاً عن الشعب ووصف بدقة كيف كان الشعب ينظر ويفكر في نفسه عن يوحنا لعله المسيح ( لو 3 :15 ) وغير ذلك ، فهل ترى أن لوقا كان تلميذاً ليوحنا ؟؟؟؟
والله إن في دليلهم هذا تعسف و تكلّف شديدوبعد عن الصواب.
ويخلصوا بعد هذا إلى أن الكاتب هو يوحنا.
فاعجبوالهذه الأدلة:
الكاتب كان يهودي ، وكأن يوحنا هو الشخص الوحيد الذي كان يهودياًفي التاريخ.
الكاتب من فلسطين ، وكأن يوحنا هو الوحيد من سكن في فلسطين .
الكاتب كان شهود عيان لأنه يصف تعليقات التلاميذ ، وكـأنه إمتنع واستحال أنيكون سمع هذه المعلومات من غيره ، أو كأنه استحال أن يكون اقتبسها من غيره.
الكاتب كان تلميذا ليوحنا المعمدان لأنه يصف أحداث جرت مع يوحنا المعمدان،وكأنه استحال وامتنع أن يصف أحداث جرت مع يوحنا إلا من كان تلميذاّ له ، وكأنه امتنع أن يكون سمع هذه المعلومات من الغير.
ثم بعد ذلك يأتوا بكل بساطة ليستنتجوا أنّ يوحنا هو الكاتب.
ثم لو أنّنا اتبعنا نفس طريقتهم سوف نصل أيضاً إلى أن أناجيل الأبوكريفا هي أيضاً كلمة الله ، فسأضرب مثالاً على ذلك من إنجيل بطرس وهو من الأبوكريفا.
إنجيل بطرس ، المقطع الثاني ( 2 ) أيضاً يقتبس من العهد القديم مثل قوله أن جثة الميت لا تبت على الخشبة ( الصليب ) ، وهذه مقتبسة من التثنية ( 21 : 23 ) ، فهذا حسب قولهم يدل أن الكاتب هو يهودي ، لأنه يعرف عادات اليهود.
وكاتب إنجيل بطرس ( 3 ) يعرف أعياد اليهود ، إذا يقول أن هيرودس أسلم المسيح للشعب قبل عيد الفطير.
وأيضاً إنجيل بطرس يصف الأحداث بدقة ، فيصف ما قاله هيرودس وكيف غسلوا أيديهم منه وكيف أسلمه لليهود وكيف لطموه واستهزؤوا به ، ووصف الحوار الدائر بينه وبين اللصين وغيرها كثير..
فمارأيهم الآن ، هل الكاتب شاهد عيان وأحد التلاميذ ؟؟؟؟
بل أزيدهم من الشعر بيتاً أنّ إنجيل بطرس فيه شهادة أقوى من أدلتهم بكثير ، إذ يشهد لنفسه في الفصل الرابع عشر( 14 ) بكل صراحة أن بطرس هو الكاتب فيقول:
(( وأنا سمعان بطرسوأخي أندرواس أخذنا شباكنا وذهبنا إلى البحر)) .
فما رأيهم ، ألا يصبح إنجيل بطرس أكثر مصداقية في هوية كاتبه من هوية كاتب إنجيل يوحنا ؟؟؟
أليس لو أننا اتبعنا نفس منطقهم في إثبات كاتب ما ، سوف يتكون لدينا نتيجة في الأبوكريفا أحق وأوجه من نتيجتهم في إنجيل يوحنا ؟؟؟
وفي الحقيقة نحن نطالب بالدليلعلى أنّ كاتب إنجيل يوحنا هو يوحنا بن زبدي.
والدليل لا يمكن أن يكونداخلياً ، وإنما أنا ناقشته تبرعاً وليس لأني أعتبره وجيهاً.
فلماذا لايمكن إعتبار الأدلة الداخلية ؟؟؟
أكثر ما يمكن أن تقدمه الأدلة الداخلية هو الإشارة إلى اسم الكاتب ، وحتى لو فرضنا أنّ الكاتب موجود اسمه بكل وضوح ، يعني مثل عبارة ( أنا يوحنا كاتب هذا الإنجيل ) ، فلا يمكن الاعتداد بها.
لماذا؟؟؟؟
لأنه لا يستبعد أن يقوم أحد بتلفيق هذا الإنجيل ثم ينسبه إلى أحد الحواريين بأن يضع اسم يوحنا أو يقول فيه ( أنا يوحنا كاتب هذا الإنجيل) .
فمجرد وجود الاسم لا يعني صحة وحقيقة ذلك ، إذ أنه من السهل على كل من أراد الكذب والتلفيق أن يضع اسم شخص آخر ويجعله كاتباً.
وها هو إنجيل بطرس يحمل اسم كاتبه صراحة كما في الفصل الرابع عشر:
(( وأنا سمعان بطرسوأخي أندرواس أخذنا شباكنا وذهبنا إلى البحر)) .
ومع ذلك فهم لا يؤمنوا أن بطرس الرسول هو الكاتب ، ولا يؤمنوا أن هذا الإنجيل قانوني.
وحتى لو قلنا لهم ولكن اسمه موجود بشكل صريح أنهالكاتب ، سيجيبوا أنّ هناك شخص آخر كذب على لسان بطرس وتكلم باسمه ، عندها سنقول لهم بأن كلامهم هذا ينطبق على إنجيل يوحنا ولا فرق.
لذلك يجب الإثبات من الأدلة الخارجية على السند المتصل لهذا الإنجيل ، والسند المتصل هو مثلاً أن يخبر تلاميذ يوحنا أنهم شاهدوا يوحنا يكتب إنجيله أو أنه هو أخبرهم بذلك ، ثم يقوم تلاميذه بنقل هذه المعلومة إلى تلاميذهم أو من هم دونهم ، ويجب على الأخيرين أن يصرحوا بكل وضوح وبكلام لا لبس فيه ، أنهم سمعوا من معلميهم ( الذين هم تلاميذ يوحنا ) أن يوحنا بن زبدي هو كاتب هذا الإنجيل ، ثم يخبر هؤلاء من هم بعدهم وهكذا.
وهناك شيء آخر وهو أنه يجب إثبات أن إنجيل يوحنا الذي بين أيدينا هو نفسه ما ينقله التلاميذ دون زيادة أو نقصان ، كأن ينقلوه مشافهة أو يكتبوه كاملاً ثم يقولوا هذا إنجيل يوحنا ، هذا إذا أضفنا شرط التواتر الذي يصل معه الكتاب المقدس إلى المستحيل.
في الحقيقة لو توفرت مثل هذه الشروط فعندها نستطيع أن نخبر بكل ثقة عن هوية الكاتب ، لكن أن نأتي إلى الظنون في بعض العبارات الداخلية ثم نستنتج أنه يهودي لأنه يجيد العبرية ويعرف عادات اليهود ، وأنه من فلسطين لأنه تكلم عن بعض المناطق الجغرافية فيها ، وأنه شاهد عيان لنقله حوار دار بين التلاميذ ثم نخلص إلى أن الكاتب هو يوحنا من خلال هذه الظنون ، فلعمري لو أن هذا دليلاً لما بقيت دعوى عارية عن الدليل ، ولأصبح كل من يدعي شيئاً قادراً على إثباته.
هذا وقد حاولت بعون الله وتوفيقه تقصي ما يمكن الاستشهاد به حسب طاقتي ، هذا وأنا واثق أني أحطت بأقوى وأقصى ما يمكنهم الاستشهاد به وهي اثنتين ، الأولى شهادة اريناوس بحكمه تلميذ بولكاربوس تلميذ يوحنا ، والثانية استشهادهم بيوحنا ( 21: 24 ) ، وسوف أحوال إن شاء الله أن أقدم المزيد حول هذا الإنجيل إذا وفقني اللهوأعانني ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.