حكم لبس المرأة لما يبدي عضديها وتقاطيع بدنها
كتاب اللباس والزينة »
باب الثياب المحرمةالسؤال:
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم :
الاجابه:
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه من إخواننا المسلمين وفقنا الله وإياهم لما يرضيه ، وجنبنا جميعاً أسباب سخطه ومعاصيه . أما بعد : فقد تغيرت الأحوال في هذه الأزمان وابتلى الكثير من النساء بخلع جلباب الحياء والتهتك وعدم المبالاة ، وتتابعت في ذلك وانهمكت فيه إلى حد يخشى منه الانحدار في هوة سحيقة من السفور ، والانحلال وحلول المثلات والعقوبات من ذي العزة والجلال ، ذلك مثل لبسهن ما يبدي تقاطيع أبدانهن من عضدين وثديين وخصر وعجيزة ونحو ذلك ، ومثل لباس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة وكذلك الثياب القصيرة التي لا تستر العضدين ولا الساقين ونحو ذلك . ولا شك أن هذه الأشياء تسربت عليهن من بلدان الإفرنج ومن يتشبه بهم ، لأنها لم تكن معروفة فيما سبق ولا مستعملة ، ولا شك أن هذا من أعظم المنكرات وفيه من المفاسد المغلظة ، والمداهنة في حدود الله لمن سكت عنها ، وطاعة للسفهاء في معاصي الله ، وكونه يجر إلى ما هو أطم وأعظم ويؤدي إلى ما هو أدهى وأمر من فتح أبواب الشرور والفساد وتسهيل أمر التبرج والسفور . ولهذا لزم التنبيه على مفاسدها ، والتدليل على تحريرها والمنع منها ونكتفي بذكر أمهات المسائل ومجملاتها طلباً للاختصار : أولاً : إنها من التشبه بالإفرنج والأعاجم ونحوهم ، وقد ثبت في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة النبوية النهي عن التشبه بهم في عدة مواضع معروفة ، وبهذا يعرف أن النهي عن التشبه بهم أمر مقصود للشارع في الجملة ، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب ( اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم ) مضار التشبه بهم ، وأن الشرع ورد بالنهي عن التشبه بالكفار والتشبه بالأعاجم والتشبه بالأعراب ، وإنه يدخل في ذلك ما عليه الأعاجم والكفار قديماً كما يدخل ما هم عليه حديثاً ، وكما يدخل في ذلك ما عليه الأعاجم المسلمون مما لم يكن عليه السابقون الأولون ، كما إنه يدخل في مسمى الجاهلية ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام وما عاد إليه كثير من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها . ثانياً : أن المرأة عورة ، ومأمورة بالاحتجاب والستر ، ومنهية عن التبرج وإظهار زينتها ومحاسنها ومفاتنها قال الله تعالى: -(أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ)-(الأحزاب: من الآية59) وقال تعالى : -(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ)- (النور: من الآية31) وقال تعالى - )لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)- (الأحزاب: من الآية33) . وهذا اللباس مع ما فيه من التشبه ليس بساتر للمرأة ، بل هو مبرز لمفاتنها ومغرٍ لها مغر بها من رآها وشاهدها وهي بذلك داخلة في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : *( صنفان من أهل النار من أمتي لم أراهما بعد : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها الناس )* وقد فسر الحديث بأن تكتسي المرأة بما لا يسترها فهي كاسية ولكنها عارية في الحقيقة ، مثل أن تكتسي بالثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي مقاطع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك ، لأن كسوة المرأة في الحقيقة هو ما سترها ستراً كاملاً بحيث يكون كثيفاً فلا يبدي جسمها ، ولا يصف لون بشرتها لرقته وصفائه ويكون واسعاً فلا يبدي حجم أعضائها ولا تقاطيع بدنها الضيقة فهي مأمورة بالاستتار والاحتجاب لأنها عورة ولهذا أمرت أن تغطي رأسها في الصلاة ولو كانت في جوف بيتها بحيث لا يراها أحد من الأجانب لحديث ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ). فدل على أنها مأمورة من جهة الشرع بستر خاص لم يؤمر به الرجال حقاً لله تعالى وإن لم يرها بشر ، وسترة العورة واجب لحق الله حتى في غير الصلاة ولو كان في ظلمة أو حال خلوة بحيث لا يراها أحد ، ويجب سترها بلباس ساتر لا يصف لون البشرة لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، قال : قلت يا رسول الله : *( عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) ، قلت فإن كان القوم بعضهم مع بعض قال : ( فإن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها ) قلت فإذا كان أحدنا خالياً قال : فالله تعالى أحق أن يستحي منه )* رواه أبو داود . وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بالمنع من لبس الرقيق من الثياب وهو ما يصف البشرة أي مع ستر العورة بالسترة الكافية في حق كل من الرجل والمرأة ولو في بيتها ، نص عليه الإمام احمد ـ يرحمه الله ـ ، كما صرحوا بالمنع من لبس ما يصف اللين والخشونة والحجم لما روى الإمام احمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهدى له دحية الكلبي ، وكسوتها امرأتي فقال صلى الله عليه وسلم *( ما لك لا تلبس القبطية ) قلت يا رسول الله كسوتها امرأتي قال ( مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها )* ، وكما صرحوا بمنع المرأة من شد وسطها ومطلقاً أي سواء كان بما يشبه الزنار أو غيره ، وسواء كانت في الصلاة أو خارجها لأنه يبين حجم عجيزتها وتبين به مقاطع بدنها : قالوا : ولا تضم المرأة ثيابها حال قيامها لأنه يبين به تقاطيع بدنها فتشبه الحزام وهذا اللباس المذكور : أبلغ من الحزام وضم الثياب حال القيام أحق بالمنع منه . ثالثاً : إن في بعض ما وقعن فيه شيئاً من تشبه النساء بالرجال وهذا من كبائر الذنوب ففي الحديث : ( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء )(1) وفي لفظ : ( لعن الله المتخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ) .(2) فالمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من الظهور والتبرج والبروز ومشاركة الرجال ما قد يقضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجال أو أكثر لضعف عقلها ، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء وتفعل من الأفعال ما الحياء والخفر المشروع في حق النساء . كما أن الرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه حتى يقضي به الأمر إلى التخنث والميوعة والتمكن من نفسه كأنه امرأة والعياذ بالله ، وهذا مشاهد من الواقع فصلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين : بلغ الرسالة وادي الأمانة ونصح أمته . قلت : وقد أفضى الحال بكثير ممن يقلدون المتفرنجين إلى أن شارك كثير من النساء الرجال في البروز والخروج والوظائف والتجارة والأسفار بدون محرم وغير ذلك ، كما شارك كثير من الرجال النساء في المبالغة في التزين ، والتخنث في الكلام ، وحلق اللحى ، والتثني عند المشي والتحلي بخواتيم الذهب ، والأزارير وغيرها ، وساعات اليد التي فيها شيء من الذهب ونحو ذلك وأمثاله مما هو معروف حتى صارت العادة عندهم تطويل ثياب الرجال ، وتقصير ثياب المرأة إلى ركبتها أو ما فوق الركبة بحيث يبدو فخذها نعوذ بالله من قلة الحياء والتجرئ على محارم الله . رابعاً: أن هذه الأشياء وإن كان يعدها بعض من لا خلاق له من الزينة فإن حسبانهم باطل ، وما الزينة الحقيقية إلا التستر والتجمل باللباس الذي امتن الله به على عباده بقوله ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكُم ورَيشاً ) [الأعراف : 26] . وليست الزينة بالتعري والتشبه بالإفرنج ونحوهم ممن لا خلاق له . وأيضاً فلو سلّم أنه من الزينة فليس لكل امرأة أن تخترع لها من الزينة ما تختاره ويخطر ببالها ، لأن هناك أشياء من الزينة وهي ممنوعة بل محرمة بل ملعون فاعلها كما لعن رسول الله صلى الله الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة والواشمة والمستوشمة ، وعن عبد الله ابن مسعود قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ، فجاءته امرأة فقالت بلغني أنك قلت كيت وكيت فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ، فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أما قرأت قوله : ( وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [الحشر : 7] فإنه قد نهى عنه (1) خامساً:أن النساء ناقصات عقل ودين وضعيفات تصور وإدراك,وفى طاعتهن بهذا وامثاله من المفاسد المنتشرة مالا يعلمه إلا الله واكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء ، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد مرفوعا ً : " ما تركت بعدي على أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً : " إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء . فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " (4) ، وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة مرفوعاً : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) وروى أيضا ً : ( هلك الرجال حين أطاعوا النساء ) (5) . وفي الحديث الآخر: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي لب من إحداكن ) ولما أنشده أعشى بأهله أبياته التي يقول فيها: وهن شر غالب لمن غلب . جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرددها ويقول: ( هن شر غالب لمن غلب ) . فيتعين على الرجال القيام على النساء والأخذ على أيديهن ومنعهن من هذه الملابس والأزياء المنكرة . وأن لا يداهنوا في حدود كما هو الواجب عليهم شرعاً قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6) وقد صرح العلماء : أن ولي أمر المرأة يجب عليه أن يجنبها الأشياء المحرمة من لباس وغيره ويمنعها منه فإن لم يفعل تعين عليه التعذير بالضرب وغيره وفي الحديث : ( كلكم راع ومسئول عن رعيته ) (6) . والمقصود أن معالجة هذه الأضرار الاجتماعية المنتشرة من أهم المهمات وهي متعلقة بولاة الأمر أولاً ، ثم بقيم المرأة ووليها ثانياً ، ثم المرأة نفسها مسئولة عما يتعلق بها وبناتها وفي بيتها كما على طلبة العلم بيان أحكام هذه المسائل
ــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه ابن ماجة . (2)أخرجه احمد والطبراني. (3)متفق عليه . والتحذير منها وعلى رجال الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أن ينكروا هذه الأشياء ويجتهدوا في إزالتها . نسأل الله أن يجنبنا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ، ويذل أعداءه ، إنه جواد كريم . (1) * * *
المرجع:
(1)أخرجه احمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة . (2) أخرجه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد (3)أخرجه السبعة إلا مالكاً ( لعن الله الواشمات ) (4)أخرجه ابن ماجة (5)أخرجه أحمد والطبراني (6)متفق عليه