نكاح الشغـــار
كتاب النكاح »
باب النكاح المحرمالسؤال:
إن نكاح الشغار سائد في غالب مناطق الجنوب وإن بعض الناس يتخذون الحيل تخوفاً من المطاردة ومن تلك الحيل المباينة بين المهور والمباينة في الأزمنة بأنه يتملك أحدهما اليوم والآخر بعد مدة وأن يعقد أحدهما عند مأذون خلاف الذي عقد للأخر ويطلب إفتاءه عن حكم هذا النكاح وهل يخرج عن كونه شغاراً لا سيما وأن الشرط في زوجني أزوجك وإلا فلا .
الاجابه:
إنه ورد لسماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله سؤال مماثل وقد أجاب عليه فإننا نكتفي به ونورد للسائل نصه والجواب ( الحمد لله : الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته أو يزوجه أخته على أن يزوجه أخته وليس بينهما صداق . وسمي هذا النوع من التعاقد شغاراً لقبحه هبة في القبح برفع الكلب رجله ليبول، يُقال شغر الكل إذا رفع رجله ليبول، فكان كل واحد رفع رجله للأخر عما يريد وقيل إنه من الخلو يقال شغر المكان إذا خلا والجهة شاغرة أي خالية والشغار فعال فهو من الطرفين إخلاء بإخلاء بضع بضع ولا خلاف في تحريم الشغار وأنه مخالف لشرع الله كما يدل على هذا الأحاديث الصحيحة الشريفة في تحريمه ومخالفته للمقتضيات الشرعية ففي الصحيحين عن نافع عن ابن عمر أن رسول اله
نهى عن الشغار : والشغار هو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق . وفي صحيح مسلم عن ابن عمر – أن النبي
قال : *(لا شغار في الإسلام)* وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله (ص) عن الشغار والشغار أن يقول زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبدا لله يقول : نهى النبي
عن الشغار وعن عبدالرحمن بن هرمز الأعرض أن العباس بن عبدا لله بن عباس أنكح عبد الرحمن ابن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلا صداقا فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان ابن الحكم يأمره بالتفريق بينهما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله
. رواه احمد وأبو داود
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تفسير الشغار كما اختلفوا في صحته قال في نيل الأوطار : وللشغار صورتان إحداهما : المذكور في الأحاديث وهو خلو بضع كل منهما من الصداق والثانية : أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته ، فمن العلماء من أعتبر الأولى فقط فمنعها دون الثانية .
قال ابن عبدالبر : جمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يحوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان وفي رواية مالك بفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهبت الحنفية إلى صحته ووجوب المهر وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن احمد وإسحاق وأبي ثور، وقال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد : اختلف الفقهاء في ذلك فقال أحمد : الشغار الباطل أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما فإن سموا مع ذلك مهراً صح العقد بالمسمى عنده ، وقال الخرقي : لا يصح وإن سموا مهراً وقال أبو البركات بن تيمية وغيره من أصحاب احمد : وإن سموا مهراً ، وقالوا مع ذلك يضع كل واحد مهر الآخر لم يصح . وإن لم يقولوا ذلك صح .
وقال في المحرر ومن زوج وليته من رجل على أن يزوجه الآخر وليته فأجابه ولا مهر بينهما لم يصح العقد ويسمى نكاح الشغار وإن سموا مهراً صح العقد بالمسمى نص عليه ، وقال الخرقي : ولا يصح ، وقيل : إن قال فيه وبضع كل واحدة مهراً ؟ الأخرى لم يصح وإلا صح وهو الأصح ونظراً لوجود الخلاف في المسألة فالذي يترجح عندنا أن ما كان منه شغاراً صريحاً لا خلاف فيه وهو ألا يكون لأحدهما مهر بل بضع في نظير بضع ، أو هناك مهر قليل حيلة إن حكم هذا البطلان فيفسخ العقد فيه سواء كان قبل الدخول أو بعده وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الشغار لما فيه من التلاعب بمسئولية الولاية وما تقتضيه من وجوب النصح وبذل الجهد في اختيار من يكون عوناً لها على ما يسعدها في حياتها الدنيا وفي الآخرة ، وذلك أن الولي نظره لموليته نظر مصلحة ورعاية واهتمام لا نظر شهوة وتسلط وإهمال فليس بمنزلة أمته أو بهيمته أو ما يملكه مما يعاوض بها على ما يريد وإنما هي أمانة في عنقه يتعين عليه أن يحقق لها من زواجها كفاءة الزوج وصداق المثل فكل راع مسئول عن رعيته.
ومتى كان من الولي تساهل في توخي مصلحة موليته بإيثار مصلحته عليها كأن يعاوضه عليها بمال أو زوجة أو يعضلها عن الزواج انتظاراً لمن يعطيه ما يريد سقطت ولايته عليها وقامت ولايتها لمن يعني بها ممن هو أولى بولايتها . أما ا ذكره السائل أن الشغار منتشراً في قبائل بني حارث وغيرها فإنه يتعين عليه وعلى جميع الغيورين على مصالح المسلمين أن ينكروا ذلك عليهم بألسنتهم فإن لم يحصل ارتداع فعليهم أن يرفعوا ذلك إلى ولاة الأمر وسيقوم ولاة الأمر إن شاء الله بما يحق الحق ويبطل الباطل ويحفظ للإسلام حرمته والعمل بمقتضياته (1) .
المرجع:
(1) مجلة البحوث الإسلامية 4/329-330 .