هل تشرع زيارة القبور للنساء
كتاب الجنائز وأحكام المقابر »
باب المقابرالسؤال:
هل تشرع زيارة القبور للنساء ؟
الاجابه:
ثبت عن رسول الله
أنه لعن زائرات القبور من حديث ابن عباس ومن حديث أبي هريرة ومن حديث حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم جميعاً وأخذ العلماء من ذلك أن الزيارة للنساء محرمة ، لأن اللعن لا يكون إلا على محرم ، بل يدل على أنه من الكبائر ، لأن العلماء ذكروا أن المعصية التي يكون فيها اللعن أو فيها وعيد تعتبر من الكبائر ، فالصواب أن الزيارة من النساء للقبور محرمة لا مكروهة فقط ، والسبب في ذلك ـ والله أعلم ـ أنهن في الغالب قليلات الصبر ، ففد يحصل منهن من النياحة ونحوها ما ينافي الصبر الواجب ، وهن فتنة ، فزيارتهن للقبور وإتباعهن للجنائز قد يفتن بهن الرجال وقد يفتن بالرجال ، والشريعة الإسلامية الكاملة جاءت لسد الذرائع المفضية إلى الفساد والفتن ، وذلك من رحمة الله بعباده ، وقد صح عن رسول الله
أنه قال : *( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )* متفق على صحته . فوجب بذلك سد الذرائع المفضية إلى الفتنة المذكورة ، ومن ذلك ما جاءت به الشريعة المطهرة من تحريم تبرج النساء وخضوعهن بالقول للرجال وخلوة المرأة بالرجل غير المحرم وسفرها بلا محرم وكل ذلك من باب سد الذرائع المفضية إلى الفتنة بهن ، وقول بعض الفقهاء إنه استثنى من ذلك قبر النبي
وقبر صاحبيه رضي الله عنهما قول بلا دليل والصواب أن المنع يعم الجميع ، ويعم جميع القبور حتى قبر النبي
وحتى قبر صاحبيه وهذا هو المعتمد من حيث الدليل وأما الرجال فيستحب لهم زيارة القبور وزيارة قبر النبي
وقبر صاحبيه ، ولكن بدون شد الرحل ، لقوله
: *( زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة )*. رواه مسلم في صحيحه ، وأما شد الرحال لزيارة القبور فلا يجوز ، وإنما يشرع لزيارة المساجد الثلاثة خاصة لقوله
: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق على صحته ، وإذا زار المسلم مسجد النبي
دخل في ذلك على سبيل التبعية زيارة قبره
وقبر صاحبيه وقبور الشهداء وأهل البقيع وزيارة مسجد قباء من دون شد الرحل ، فلا يسافر لأجل الزيارة ولكن إذا كان في المدينة شرع له زيارة قبر النبي وقبر صاحبيه ، وزيارة البقيع والشهداء ومسجد قباء ، أما شد الرحال من بعيد لأجل الزيارة فقط فهذا لا يجوز على الصحيح من قولي العلماء لقول النبي
: *(لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى )* أما إذا شد الرحل إلى المسجد النبوي فإن الزيارة للقبر الشريف والقبور الأخرى تكون تبعاً لذلك ، فإذا وصل المسجد وصلى فيه ما تيسر ثم زار قبر النبي
وزار قبر صاحبيه وصلى وسلم عليه . عليه الصلاة والسلام ودعا له ثم سلم على الصديق رضي الله عنه ودعا له ثم على الفاروق رضي الله عنه ودعا له هكذا السنة وهكذا القبور الأخرى لو زار مثلاً دمشق أو القاهرة أو الرياض أو أي يلد يستحب له زيارة القبور لما فيها من العظة والإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم إذا كانوا مسلمين فالنبي
قال : *( زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة )* هذه هي السنة من دون شد الرحل ولكن لا يزوروهم لدعائهم من دون الله ، لأن هذا شرك بالله عز وجل وعبادة لغيره وقد حرم الله ذلك على عباده في قوله سبحانه : -( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)-(الجـن:18) وقال : -( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)- (فاطر:13) -( إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)- (فاطر:14) فبين سبحانه أن دعاء العباد للموتى ونحوها شرك به سبحانه وعبادة لغيره . فيجب على المسلم أن يحذر هذا ، ووجب على العلماء أن يبينوا للناس هذه الأمور حتى يحذروا الشرك بالله ، فكثير من العامة إذا مر بقبر من يعظهم استغاث بهم وقال : المدد يا فلان أغثني انصرني اشف مريضي وهذا هو الشرك الأكبر والعياذ بالله .وهذه الأمور تطلب من الله عز وجل لا من الموتى ولا من غيرهم من المخلوقين . أما الحي فيطلب منه ما يقدر عليه إذا كان حاضراً يسمع كلامك أو عن طريق الكتابة أو الهاتف وما أشبه ذلك من الأمور الحسية تطلب منه ما يقدر عليه ، تبرق له أو تكتب له أو تكلمه في الهاتف تقول ساعدني على تقول ساعدني على عمارة بيتي أو إصلاح مزرعتي ، لأن بينك وبينه شيء من المعرفة أو التعاون وهذا لا بأس فيه كما قال تعــــــالى : - )فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ )-(القصص: من الآية15) أما أن تطلب من الميت أو الغائب أو الجماد كالأصنام شفاء مريض أو النصر على الأعداء أو نحو ذلك فهذا من الشرك الأكبر ، وهكذا طلبك من الحي الحاضر مالا يقدر عليه إلا الله سبحانه يعتبر شركاً به سبحانه وتعالى . لأن دعاء الغائب بون الآلات الحسية معناه اعتقاد أنه يعلم الغيب أو أنه يسمع دعاءك وإن بعد ، وهذا اعتقاد باطل يوجب كفر من اعتقده يقول الله جل وعلا : -( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)-(النمل: من الآية65) أو تعتقد أنه له سر يتصرف به في الكون فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء كما يعتقده بعض الجهلة في بعض من يسمونهم بالأولياء ، وهذا شرك في الربوبية أعظم من شرك عبادة الأوثان . فالزيارة الشرعية للموتى زيارة إحسان وترحم عليهم وذكر للآخرة والاستعداد لها ، فتذكر أنك ميت مثل ما ماتوا فتستعد الآخرة وتدعو لإخوانك المسلمين الميتين وتترحم عليهم وتستغفر لهم ، وهذه هي الحكمة في شرعية الزيارة للقبور . ( 1)
المرجع:
( 1) مجمع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 5/105 .