الآثار الواردة في موقف الیهود من الإيمان بالكتب مطلقاً
الآثار:
قولـه تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونََ = 91 } [سورة الأنعام 6/91]
10544 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من اليهود يقال لـه مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم : " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟" وكان حبرا سمينا فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء ! فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. ([1])
10545 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}قال: نزلت في مالك بن الصيف كان من قريظة من أحبار اليهود؛ {قل يا محمد من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس}.. الآية. : ([2])
1054 - حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال: قال فنحاص اليهودي: ما أنزل الله على محمد من شيء. ([3])
10547 - حدثنا هناد قال : ثنا يونس قال: ثنا أبو معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي قال: جاء ناس من يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب فقالوا: يا أبا القاسم ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحا يحملها من عند الله ! فأنزل الله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنْ السَّمَاءِ} [سورة النساء 4/153].. الآية فجثا رجل من يهود فقال: ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئاً! فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال محمد بن كعب: ما علموا كيف الله {إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} فحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حبوته وجعل يقول: ((ولا على أحد)). ([4])
10548 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} هم اليهود والنصارى قوم آتاهم الله علما فلم يهتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به فذمهم الله في عملهم ذلك ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: إن من أكثر ما أنا مخاصم به غداً أن يقال: يا أبا الدرداء قد علمت فماذا عملت فيما علمت؟ ([5])
10549 - حدثني المثني قال : ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يعني: من بني إسرائيل. قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتابا؟ قال: "نعم" قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا. فأنزل الله: {ختم الله علىقُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة البقرة 2/8] يا محمد {مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} قال: الله أنزله. ([6])
10554- حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً}: اليهود. ([7])
10555- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: {قُلُ} يا محمد {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها} يعني يهود لما أظهروا من التوراة. {ويخفون كثيرا} مما أخفوا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير: إنه سمع مجاهداً يقول : قال: هم يهود الذين يبدونها ويخفون كثيراً. ([8])
الدراسة:
أنزل الله كتبه على رسله, هدى للناس ونور, كما وصف الله ما أنزله على أنبيائه من بني إسرائيل, فقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ = 44 } [سورة المائدة 5/44]
ولكن بعضهم أنكر أن الله أنزل كتباً, إما عناداً وإما غير ذلك كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونََ = 91 } [سورة الأنعام 6/91]
قالوا: لم ينزل الله على آدمي كتاباً ولا وحياً. و اختلف في سبب النزول :
1- فقيل: كان قائل ذلك رجلاً من اليهود اسمه:
أ- مالك بن الصيف. حين جاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟)) وكان حبراً سميناً، فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء! فقال لـه أصحابه الذين معه: ويحك ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء.
وفي القصة أن مالك بن الصيف, لما سمعت اليهود منه تلك المقالة ,عتبوا عليه, وقالوا: أليس أن الله أنزل التوراة ,على موسى فلم قلت ما أنزل الله على بشر من شيء قال: فقال مالك بن الصيف: أغضبني محمد فقلت ذلك فقالوا لـه: وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق فنزعوه من الحبرية وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف. ([9])
ب- وقيل نزلت في فنحاص اليهودي: حين قال: ما أنزل الله على محمد من شيء.
2- وقيل في جماعة من اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم آيات مثل آيات موسى عليه السلام . فقالوا: يا أبا القاسم، ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحاً يحملها من عند الله فجثا رجل من يهود، فقال: ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئاً! فحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حبوته، وجعل يقول: ((ولا على أحد)).
3- وقيل هم اليهود والنصارى، قوم آتاهم الله علماً فلم يهتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به، فذمهم الله في عملهم ذلك.
4- وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: القائل مشركو قريش. وهو اختيار ابن جرير حيث قال: "وذلك أن ذلك في سياق الخبر عنهم أولاً، فأن يكون ذلك أيضاً خبراً عنهم أشبه من أن يكون خبراً عن اليهود، ولما يجر لهم ذكر يكون هذا به متصلاً، مع ما في الخبر عمن أخبر الله عنه في هذه الآية من إنكاره أن يكون الله أنزل على بشر شيئاً من الكتب؛ وليس ذلك مما تدين به اليهود، بل المعروف من دين اليهود الإقرار بصحف إبراهيم وموسى وزبور داود..، وكان الخبر من أول السورة ومبتدئها إلى هذا الموضع خبراً عن المشركين من عبدة الأوثان، وكان قوله: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [سورة الأنعام 6/91] موصولاً بذلك غير مفصول منه، لم يجز لنا أن ندعي أن ذلك مصروف عما هو به موصول إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل.
ويذهب رحمه الله إلى ضعف الروايات القائلة أن سبب النزول في اليهود, ويرى أن الأمر التبس على بعضهم "فوجهوا تأويل ذلك إلى أنه لأهل التوراة، فقرؤوه على وجه الخطاب لهم: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ} [سورة الأنعام 6/91] فجعلوا ابتداء الآية خبراً عنهم، إذ كانت خاتمتها خطاباً لهم عندهم. وغير ذلك من التأويل والقراءة أشبه بالتنزيل، لما وصفت قبل من أن قوله: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} في سياق الخبر عن مشركي العرب وعبدة الأوثان، وهو به متصل، فالأولى أن يكون ذلك خبراً عنهم." ([10])
قال ابن كثير رحمه الله : "وهذا أصح ,لأن الآية مكية, واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء, وقريش والعرب كانوا ينكرون إرسال محمد صلى الله عليه وسلم لأنه من البشر." ([11])
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها في اليهود: قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يعني: من بني إسرائيل. قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: ((نعم)) قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً. ([12])
وحتى وإن كان الخطاب للمشركين، فإن قوله {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} على قراءة التاء المقصود بها اليهود ،فهي تخبرهم عن تلاعبهم بالتوراة, من إبداء بعضها وإخفاء بعضها.
وعلى القرآة الأخرى{يجعلونه} ([13]) فيه إخبار للمشركين عن فعل اليهود بالتوراة.
وسياق الآيات فيه التفات إلى اليهود وبيان لجريمتهم مع التوراة من التحريف والتبديل كما سيأتي تفصيله.
--------------------------------------------------
([1]) تفسير الطبري ( 7 / 267 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1342 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 ) إسناده ضعيف.
([2]) تفسير الطبري ( 7 / 267 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 )
([3]) تفسير الطبري ( 7 / 267 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 )
([4]) - تفسير الطبري ( 7 / 267 ) تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 )
([5]) تفسير الطبري ( 7 / 268 ) تفسير الدر المنثور ( 3 / 315 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([6]) تفسير الطبري ( 7 / 268 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1341 )تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/441).
([7]) تفسير الطبري (7/269) - تفسير ابن أبي حاتم (2/671) تفسير الدر المنثور (3/315) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (13/494).
([8]) تفسير الطبري (7/269) - تفسير القرطبي 7/37.
([9]) تفسير البغوي ج2/ص114
([10]) تفسير الطبري ج7/ص270
([11]) تفسير ابن كثير ج2/ص157
([12]) التفسير الصحيح 2/256
([13]) وهي قراءة ابن كثير وابو عمرو- انظر القرآءت العشر على هامش المصحف ص 139