السؤال:
أختي تدرسُ في جامعةٍ بعيدةٍ عن بيتنا؛ لذلك فهي تَبِيت في الإقامة الجامعية، وقد اتَّصل بي أحدُ معارفي، وأخْبَرَني أنه قد رأى أختي مع شابٍّ!
أنا الآن في غيظٍ شديدٍ؛ حتى إنه مِن الممكن أنْ أضربَها حتى الموت، لقد أُخْبِرْنا مِن قبلُ بأمرٍ مثل هذا فثُرْتُ عليها، وكدتُ أن أعملَ مشكلة كبيرةً، لكني تريَّثتُ، وقلتُ في نفسي: لعل مَن أخْبَرَنا أخطأ، ويجب أن نتبيَّن الأمر، وجاءتْ ردَّة فعلها قوية، وكانتْ تحلف بالله أنها لم تَقُمْ بأي شيءٍ مِن هذا، إلا أن هذا الشابَّ الذي كانتْ معه مدرِّسها، وأنها لم تكنْ تعرف أن حديثها مع مدرِّسها خارج مكان الدراسة سيجلبُ لها الفضائح، ومع هذا نصحتُها بالرجوع إلى الله، وأكَّدتْ لي بأنها لن تتكلَّم مع أي رجلٍ مرة أخرى.
لكني الآن وبعد سماعي بالأمر الجديد - ولا أعلم إذا كان صحيحًا أو لا - على استعدادٍ بأنْ أقتلَها، فأنا مِن البداية مُعارِضٌ لذَهَابِ البنتِ للدراسة في الجامعة بدون مَحْرَم، ومعارضٌ كذلك للاختلاطِ الذي في الجامعات، ولو كان الأمرُ بيدي لمنعتُها مِن الدراسة، لكن الوالدَ يرى أن هذا الأمر طبيعي؛ حتى إذا اقتضى الأمر مِن الممكن أن يوبِّخَها فقط، لكن هذا لا يُجدِي، ويجب تأديبُ هذه البنت؛ مع العلم بأني لا أستطيع أن أتحرَّى أمرها، وهذا يزيدُني غيظًا، ومَن أخبرني بذلك رجلٌ صالحٌ مِن أقاربنا، يدرس معها في الجامعة نفسها، فما الحل في ذلك؟
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأبدأُ معك - أيها الأخ الكريم - بما أنهيتَ به رسالتَك، حيث ذكرتَ أنَّ مَن أخْبَرَك بأمر أختِك رجلٌ صالحٌ، يدرس معها في الجامعة نفسها - جزاه الله خيرًا - ما دام يرجو مِن وراء ذلك الحِرْص عليكم، وعلى سُمعة أختِك؛ فقد أمَرَنا الله بقَبُول أخبار العَدْل الثقة، دون الفاسق؛ قال تعالى: }
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]؛ فدلَّت الآيةُ على المنْعِ مِن قَبُول خبرِ الفاسق بدلالة الموافَقة، وعلى قبول خبر العدل بمفهوم المخالَفة.
إذا تقرَّر هذا؛ فالواجبُ عليك التعامُل مع الأمر بهدوءٍ وواقعية ومسؤولية، وعدم تعدٍّ، فقد جعل الله مِقدارًا للأشياء لا يتعدَّاه ولا يقصر عنه؛ فقال- سبحانه-: {
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، فلا تقتلْها؛ لأنه غايةٌ في التعدِّي على حدود الله، ولن يزالَ المؤمن في فُسحةٍ مِن دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا؛ كما صحَّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند البخاري، وكذلك لا تترك لها الحبلَ على غاربه، وإنما الواجبُ عليك أن تأمرَها بالمعروف، وتنهاها عن المنكر، وتخوِّفها بالله -تعالى- ولا تسمحْ لها بأن تخدعَك أو تكذب أو تُراوغ، وإذا لم تستجبْ لك، أو شعرت منها كذبًا أو خداعًا، فأخبرْ والدَيْك؛ ليُساعداك على تقويمها، وإرجاعها لرشدها.
ولتعلمْ أن الضرب ليس حلًّا لأي مشكلة، وإنما تُحَلُّ المشاكل مِن هذا النوع بالمناقشة الجادَّة، والبحث عن المدخَل المناسب لتغيير سلوكِها الخاطئ، وما يُجدِي معها؛ سواء كان النُّصح، أو الوعظ، أو الترهيب، ويحسُن الاستعانة ببعض الداعيات، أو الفتيات المُلتَزمات معها في الجامعة؛ ليَتَعهَّدْنها بالنُّصح والإرشاد والمراقبة، كل هذا مع الحَزْم، وإفهام الفتاة أنكم لن تسمحوا لها بهذا أبدًا، ولن تتركوها تغامرُ بسمعتها وسمعتكم، وهي في حاجة أيضًا -مع النقاش– إلى أن ترشدوها لما تتعرَّض له الفتاة -غير تلويثِ السمعة- لأكبر عملية خداعٍ من الشباب الذي يتلهَّى بها، وينظر إليها نظرةً دونيةً، وحذِّرها كل الحذَر أنه مجرَّد كلام، وتنفيس لا حقيقة له، لن تَجنِي منه إلا التعلق، وشغل القلب الذي قَطْعًا سيُؤَثِّر على دينها ومستقبلِها، ويشغلها عن طاعة ربها، وكل هذه الخسائر بلا طائل، ولا فائدة.
واطلبْ منها أن تسألَ نفسها –بصِدقٍ-: ما الهدفُ المنشود مِن وراء هذه العَلاقات؟ فإن كان الجوابُ هو: الزواج، فاطلبْ منها أن تنظرَ للواقع؛ لتعرفَ أن حبيب القلب دائمًا إن أراد أن يتزوَّج، بحَثَ عن فتاةٍ لم يرتبطْ بها عاطفيًّا؛ لعدم ثقته فيمَن سبَق لها أن رافقتْ أجنبيًّا عنها، ولو كان هو، فمَن رافقته يومًا لا يبعد أن ترافقَ غيره!
وإن كانتْ تفعل هذا لهوًا، أو لتشعر بأنوثتها، فهل ترضى لنفسِها بمِثْل هذا المصير؟! وهل المجتمعُ سيرحمُها؟ أو سيرحمُ أهلها؟ أَلَا تعلم أن دينَنا وقِيَمنا العربية لا تعرف هذا، ولا يبيحُه ولو كان في النية الزواج؟ فليس في الإسلام ما يُعْرَف بالتعارف، أو الصداقة بين الجنسَيْن.
إلى غير ذلك مِن المناقشات المُثْمِرة، والممزوجة في الوقت نفسه بالصَّرامَة التي قد تصل إلى حدِّ الحِرمان من الدراسة؛ كي تيئسَ من مخادعتكم، فتستقيم، فالشارعُ الحكيمُ جعل الرجل قيِّمًا على المرأة مسؤولًا عنها؛ ليأخذَ على يديها إن أخطأتْ، ويقوِّمها ويصبر عليها، لا أن يتخلَّى عنها، أو يقتلها!
هدى الله أختك للخير، وشرح صدرها، وأنار قلبها بالحق.