السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أُعاني مِن وسواس النظر إلى العورات, لا أدري أهو وسواس أم ماذا؟ فمنذ فترةٍ قصيرة رأيتُ نفسي أنظر إلى عورات الآخرين؛ سواءٌ ذكرًا أو أنثى، ومع ذلك أُحاول أن أُغمِضَ عيني في وقتها، وفي بعض الأحيان أُدِيرُ رأسي جانبًا، وأستغفر الله.
حاولتُ كثيرًا أن أتخلصَ مِن هذه العادة، ولكني أفشل، لا أدري ماذا أفعل لكي أتخلصَ مِنها؟
الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فَأَتَّفِقُ معك -أَيَّتُها الابنةُ الكريمةُ -أنَّ ما تذكرينه -إن كان نوعًا من الوساوس- هو وسواسٌ شيطانيٌّ مُؤلمٌ للنفس، وسخيفٌ حقًّا، وبدايةُ العلاجِ أن تعرفي -سلمَكِ الله- أن الوساوسَ هي فكرةٌ ما، تسلَّطتْ على الإنسان كتسلُّط النظر للعورة عليكِ، ويتجلى خُبث الشيطان في إيهامه للمرء أن منع وساوسه ليس داخلًا تحت إرادة الإنسان، كما يتوعد مَن ينفق في سبيل الله بأنه سيفتقر؛ فيَدَع النفقة، ويُخَوِّفُ من يجَاهَد في سبيلِ اللهِ بالقتل؛ فيترك الجهاد؛ قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]، وقال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175]، وكذلك يُمَنِّيهم الأماني الباطلة التي هي عند التحقيق كالسراب الذي لا حقيقة له؛ ولهذا قال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[النساء: 120]؛ أي: باطلًا مُضمحلًا فيزين المعاصي، والعقائد الفاسدة، والظنون الباطلة.
وقد بَيَّن -سبحانه وتعالى- العلاجَ الناجع، وما يعتصم به مِن فتنته ووساوسه، وهو عبودية الله والقيام بالإيمان والتوكُّل؛ فقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الإسراء: 65]، أي: تَسَلُّطٌ وإغواءٌ، بل الله يدفع عنهم - بقيامهم بعبوديته - كُلَّ شر، ويحفظهم مِن الشيطان الرجيم، ويقومُ بكفايتهم؛ {وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}[الإسراء: 65]، لمن تَوَكَّلَ عليه، وأدى ما أمر به، وأخبرنا -سبحانه-: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
وما أريد أن تعلميه أنَّ قطْعَ وساوس الشيطان ومجاهَدَتَهُ أمرٌ في قدرتِكِ، وإمكانِكِ، فَانسَيْ - تمامًا - كلمات الفشَل في جهاد الشيطان؛ فقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريمِ أن الشيطان - لعنَهُ الله - يخطب في أهلِ النارِ مُعترفًا أنه لم تكن له حُجَّةٌ تُؤيِّد وساوسه الباطلة، وأمانيه الكاذبة، ولا تسلطٌ ولا قهرٌ ولا قَسْرٌ على ما يريده منهم، وأن نهاية ما عنده أنه دعا إلى مرادِه، وزيَّنَهُ، ووسوس به، فاستجاب له مَن اتبع هواه وشهوته، فالشيطانُ الذي هو سبب كلِّ شر يقع في العالم، وسبب كل وسوسة - لا يقهر مَن اتبعه، وخالف الرشاد والهدى، ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وإنما غرورٌ وأماني دعاهم إليها، فأجابوه؛ قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم: 22]، وقال: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ على كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}[سبأ: 21].
فالعلاجُ الناجعُ يكون - أولًا - بإدراك ذلك إدراكًا جازمًا مَصحوبًا بالاستِعَاذَةِ بالله منه؛ كما أمرنا مولانا؛ {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف: 200]، {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
فَحِينَ يأتيكِ شعورٌ بالنظر إلى عورات الرجال أو النساء، خاطبي نفسَكِ؛ مُقَوِّية عزيمتَكِ، ولا تستسلمي أبدًا، خاطبي نفسَكِ بقوةٍ وبتركيزٍ، ومن خلال هذا التخاطب الذاتي حَقِّرِي تلك الخاطرةَ، وابغَضِيها، وخُذي نفسكِ بقوة للنظر للجهة الأخرى.
ما تقعين فيه مِن النظر لعورة من تحدثينه، أو مَن يمر أمامك أو غير ذلك - وقع فيه كثيرون قبلك، فلما نُبِّهوا لهذا جاهدوا أنفسهم وأقلعوا عنه تمامًا.
وفقك الله لكلِّ خير، وأعاذك مِن شرِّ الشيطان وشركه، ومِن شرِّ نفسك.