السؤال:
أنا متزوجٌ، وعندي أولادٌ، ودائمًا تحدثني نفسي بالزواج مِن امرأة أخرى بين الحين والآخر، وأحاول أن أنسى هذا الأمر، ولا أستطيع، أتركه فترة ثم يراودني الفكر في هذا الموضوع مرةً أُخرى، مع العلم بأني أعيش -والحمد لله- حياةً مستقرةً سعيدةً مع زوجتي وأولادي.
فكَّرْتُ جديًّا مرتين في الزواج مِن امرأة أخرى، إلا أنها باءتْ بالفشل؛ الأولى: لرفض أهل الفتاة، والثانية: لرفض الفتاة نفسها.
بقي هذا الأمر إلى أن جاءتْ فتاةٌ في بداية العشرينيات إلى مكان عملي، ورأيتُ منها الخُلُق والأدب، وأصبحتُ أفَكِّر جديًّا في الارتباط بها، وأن أطلبَها مِن أهلها، وأشعر أنها ستُوافق على هذا الأمر، لكن لا أعلم ما هو رد أهلها.
أنا في الحقيقة أعاني في بيتي مِن ضجة الأطفال كثيرًا، فلا أكاد أستريح في البيت، وزوجتي -أعانها الله- هي في الوقت الحالي أم لأولاد أكثر مِن كونها زوجة، وأنا أعذرها لذلك؛ لأنها لا تستطيع أن تفعل أكثر مما في استطاعتها.
كذلك التبرُّج والسُّفور الموجود في بلاد المسلمين -للأسف الشديد- يدفع الرجل الملتزم إلى أن يعفَّ نفسه من خلال الزواج مرة أخرى، وأنا حقيقةً مُبتلًى بكثرة النظر إلى النساء؛ مع أني أَعُدُّ نفسي من المتديِّنِينَ، أصدقائي يقولون لي: إن تَزَوَّجْتَ مرةً أخرى سيأتيك الأولاد - إذا شاء الله - وربما تعود نفس المشكلة، بل ربما يزداد الأمر تعقيدًا، وخصوصًا أن المجتمع يرفض فكرة الزواج من الثانية.
زوجتي على خُلُقٍ ودينٍ، وأظنُّ أنها في النهاية لن تُعارض من زواجي بأخرى، وأنا أفكر في هذا الأمر كثيرًا، وهو يُقلقني جدًّا؛ لذلك التجأتُ إلى الله - سبحانه وتعالى - ثم إليكم لتساعدوني في هذا الأمر، وتنصحوني نصيحة - إن شاء الله - تنفعني في ديني ودنياي وآخرتي، فهل أقدم على هذا الأمر أو لا؟
الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا يَخْفَى عليكَ -أخي الكريم- أن قَرَارَ الزواجِ يحتاجُ إلى دراسةٍ متأنيةٍ، وموازناتٍ حقيقيةٍ واقعيةٍ بين المصالحِ والمفاسدِ؛ أعني: حساب ما يترتَّبُ عليه من أمورٍ إيجابيةٍ، وأخرى سلبيةٍ، ولا يكون قرارًا ناشئًا عن مشاعرَ آنيَّةٍ، أو رغبةٍ غريزيةٍ جانحةٍ؛ فالأمر يحتاج إلى تدبُّر ورَوِيَّةٍ، والنظرِ في عَوَاقِبِ الأمور، وأثرِهِ على أُسرتِكَ، لا سيَّما وقد ذكرتَ أنك - بحمدِ الله - تعيشُ حياةً مستقرةً سعيدةً، ولا تشتكي من زوجتِكَ، ومسألةُ غَضِّ البصَرِ تحتاجُ منك إلى عزيمةٍ، وَأَخْذِ النَّفْس بالشدةِ والحَزْمِ، فكثيرٌ ممن يتركون أنفُسهم دون مجاهدةٍ، ويُطْلِقُونَ لها العنانَ، لا تَشْبَعُ نفوسُهُم، ولا تَنقَمِعُ، ولو كان عنده أربعةٌ حتى يَنضَمَّ إلى ذلك الغِنَى بما قَسَمَهُ الله، ومجاهدةُ النفسِ في ذات الله تعالى.
ومن أهمِّ ما يَجِبُ مراعاتُهُ: القدرةُ الماديةُ في النفقةِ على بيتَيْنِ، والقدرةُ على القيامِ على واجِبِ العدل بين الزوجتين.
كذلك ينبغي أن تعلمَ أنَّ زوجتك الأولى لن تقابل هذا الخبر بالترحيب والمباركة؛ فهذا أمرٌ ضد ما فُطِرَتْ عليه النساء، وجُبِلْنَ عليه، فالغيرةُ مِن الضرة وحب الانفراد بالزوج من أبجديات المرأة مهما كانتْ دَيِّنةً طيِّعةً، فتوقع أن يكون خبر زواجك مقلقًا لها، ومزعجًا لها، فيجب عليك أن تأخذ هذا الأمر بجد، وأن تعدَّ لكل احتمالٍ جوابه.
هذا، وما أذكره لك -أيها الحبيب- لا يعني أننا لا نتفهم رغبتك في الزواج مِن ثانيةٍ، فهذا الشعورُ يُشاركك فيه الكثير مِن الرجال؛ حتى قال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- وهو يبين أن الرجل لا تنتهي رغبته في النساء، فإذا تزوج بواحدةٍ، رغب في الثانية، وإذا تزوَّج الثانية رغب في الثالثة، وهكذا، حتى قال: "لو قدر لرجلٍ أن يتزوج بنساء بغداد ثم دخلت المدينة امرأةٌ، لظن أن عندها ما ليس عندهنَّ"!
والحاصلُ أن نصيحتنا لك -أيها الحبيب -هو عدم جعل الغرض من التعدد الرغبة الجسدية فقط؛ لأنها لا تنتهي بالزوجة الثانية، بل ستتوق نفسك لثالثةٍ، ورابعةٍ، وهكذا, ما دامت الرغبةُ وحدها هي التي تدفعك، فتمهَّل, حتى ترى وتنظر وتُوازِن بين المصالح والمفاسد، وترى قدراتك، وتحسن النظر في أمورك, وتتفقَّد حالتك جيدًا؛ فالزواجُ ليس أمرًا هينًا، وإنما هو ميثاقٌ غليظٌ، ولو كان في زوجتك بعضُ العيوب، فليستْ هناك امرأةٌ ولا رجلٌ بلا عيوبٍ، فإذا رأيت في زوجتك بعض المعايب، فإنك ستجدها في الثانية, وفي الثالثة، وهكذا.
ولكن مَن وجد مِن نفسه القدرة على القيام بالأعباء المالية, والإنفاق على زوجتين، وآنس مِن نفسه القدرة على العدل بين الزوجتين، وتوفَّرَتْ كلُّ هذه الشروط، فيجوز له أن يتزوَّج بأخرى، أما إذا كانتْ قدراته لا تُساعده على القيام بذلك, أو وجد من نفسه أنه لن يستطيعَ القيام بالعدل بين الزوجتين؛ فإنه لا يجوز له أن يجمع بين زوجتين.
وفقك الله لكلِّ خيرٍ.