الغرب والغُراب !
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
قديما قيل :
إذا كان الغُراب دليل قوم *** دلّهمُ على جِيَف الكلاب
ولعل من الطريف التقارب بين لفظ الغَرب وبين اسم الغُراب ، والغَرب اليوم يُطلق على دول الحضارة المادّية .
وهذا التقارب في اللفظ له تقارب في الحقيقة ، فالغراب لا يَقع إلا على الجِيَف ، والغرب يُصدّر كلّ فِكر مُنحرف !
كل فِكر مُنحرِف عن الصراط المستقيم
كل فكر مُنحرف عن العفاف والحياء
كل فكر منحرف عن جادة الصواب
كل فكر منحرف عن الدِّين والعَقْل
وكما يُقال : ليس بعد الكُفر ذنب !
فالنُّظُم المالية المنحرفة صدّرها الغرب إلينا
والعُريّ صدّره الغرب
والأمراض الفتّاكة ( كالإيدز وما يتبعه ) صدّره الغرب
ولذا كانت الأمراض الجنسية تُسمى عند العامة بـ ( الفرنج ) نسبة إلى الفرنجة !
وهذا ليس بِمستغرب إذا ما علمنا أن الكُفر مصدر كل شرّ ..
فالسِّحر والحروب الفتّاكة هي في الأصل بضاعة يهودية ، وبهذا صرّحت آيات الكتاب العزيز ..
قال تعالى عن اليهود : (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) .
وقال عنهم أيضا : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) فالضمير يعود على اليهود ، إذ أن الآيات في الحديث عن اليهود ، ففي الآيات قبلها : (قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) ويمضي سياق الآيات في شأن اليهود ، (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ) وهذه في اليهود خاصة ..
فهذا يدلّ على أن اليهود مصدر شرّ ، بل هم من الْمُصدِّرين للشرّ ظاهراً وباطنا ، من سِحر وحروب وكيد وعداء وقتل للأنبياء .. إلى غير ذلك مما يَطول ذِكره ، ومما هو معروف في تاريخ القوم الْـبُهْت – كما قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه – (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) .
كما لا يَعني أنه لا يكون عند المسلمين أفكار مُنحرفة ، ولا أخلاق سيئة ..
إلا أن المتأمّل في شقّ صفوف الأمة ، وتفريق شملها يَجد أن يد اليهود وراء بعض ذلك ، وما خبر ابن السوداء [ ابن سبأ ] عَـنّـا ببعيد ..
والمتأمّل لما يَجري اليوم في بعض ساحات الصِّراع يَجد أيدي اليهود الخفيّة ، والتي عَبثتْ بالغرب وساسته ، والتي يَعترف اليهود أنهم يُديرون دفّـة الغرب ، ويُمسكون بزمام قِيادِه !
ومن تلك الدسائس والْمَكْر الكبّار طعن الأمَّـة في خاصرتها بأيدي بعض أبنائها وبعض بناتها الذين تنكّروا لها ، والذين ارتشفوا الزندقة ، وشرِقُوا بالإسلام ..
وما ذلك إلا لِعلمهم أن أبناء البلد أعرف به وأقرب إلى أهله ..
ومن هذا القَبِيل ما قامت به فرنسا إبّـان احتلالها للجزائر ، حيث قامتْ فرنسا – ومن أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر – بتجربة عملية ، حيث تم انتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات ، أَدْخَلَتْهُنّ الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية ، وألبستهن الثياب الفرنسية ، ولقّنتهن الثقافة الفرنسية ، وعلمتهن اللغة الفرنسية ، فأصبحن كالفرنسيات تماماً !
وبعد أحد عشر عاماً من الجهود هُيأت لهن حفلة تخرج رائعة ، دُعِيَ إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون ... ولما ابتدأت الحفلة فوجيء الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري ..
فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت : ماذا فَعَلَتْ فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً ؟؟!!
أجاب ( لاكوست ) وزير المستعمرات الفرنسي : وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا ؟!! [ قادة الغرب يقولون : دمّروا الإسلام أبيدوا أهله . تأليف الأستاذ : جلال العالم ] .
وهذا يَعني عناية الغرب بهذا الجانب منذ زمن مُبكّر !
فهم يَعلمون أثر أبناء الأمة وبناتها إذا مُسِختْ عقولهم ، ثم رَجعوا إلى بلادهم بألسنةٍ عربية ، وأردية عربية ، وأفكار غربية غُرابِيّـة !
ولِيُعلَم أن هذا الحرص ليس من أجل النهوض ببلاد الإسلام ، ولا من أجل الحريّات – زعموا – ولا أعاروا حقوق الإنسان اهتماماً ، ولا ألقَوا له بالاً !
وإنما هَـمّ القَوم هَـمّ !
همّهم أن يبتعد الناس عن الدِّين والتديّن !
ولا أدلّ على ما تفعله الحكومات الغربية مع رعاياها من أبناء المسلمين ..
فإنك لو زُرت جالية مسلمة في بلد غربي لرأيت ما لا ينقضي منه العَجَب في ظل تَعالِي النَّعِيب بحقوق الإنسان !
بل في المدينة التي يُوجَد بها مقرّ منظمة حقوق الإنسان ! توجد أماكن يُصلي فيها المسلمون لا تصلح للتخزين فضلا عن الصلاة !
وفي تلك الدول يُمنع رَفع الأذان بينما تُصمّ الآذان بأصوات النواقيس !
ويُمنع الذبح الإسلامي بينما تُقتل البهائم بِطُرُق وحشية !
بل يُقتَل الإنسان أمام نظر وسمع الغرب الذي لا يُحرّك ساكنا إذا كان المقتول مُسلِماً !
أخلص من ذلك إلى أن الغرب هو غراب العصر !
ومن سار خلفه من بني جلدتنا قادَ أمته إلى الهلاك في الدنيا ، وإلى النار يوم القيامة
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعاة الباطل فقال : دُعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها . قال حذيفة : قلت : يا رسول الله صِفْهُم لنا . قال : هم من جِلْدَتِنا ، ويتكلّمون بألسنتنا . رواه البخاري ومسلم .
ومن بني جِلدتنا من يُنادي اليوم بِخروج المرأة ، إلا أنه – بِحمد الله – لا يستطيع أن يُصرّح بذلك لِعلمه بأن بلاد الحرمين – منبع الرسالة ، ومأرز الإيمان – لا يُمكن إعلان ذلك فيها بكل صراحة !
فيتّزر بعضهم بإزار حقوق المرأة !
ويرتدي آخر رداء المساواة !
وهم يلبسُون مُسوح الضأن على قلوب الذئاب !
والمقصد – أولاً وأخيراً – خروج المرأة في كل مكان ، وعملها في كل ميدان .
ودعونا ننظر في تجارب الأمم المعاصِرة .. وما الذي أدى إليه خروج المرأة ، لا على المرأة فحسب بل على المجتمع أجمع ، بل على مستوى الدُّوَل !
يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه الحافل : المرأة بين الفقه والقانون :
على إثر خروج المرأة الأمريكية ، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون يَسمح للمحاكم بمعاقبة الأمهات غير المتزوجات ! اللواتي يُنجبن طفلين أو أكثر بالسجن من سنة إلى سنتين !!
ثم يقول : " مسكينة المرأة الغربية ! أخرجوها من بيتها ، ودفعوها إلى العمل في المصانع وغيرها ، فلما أنْتَجَتْ هذه الفلسفة نتيجتها الطبيعية قاموا يُعاقبونها بالسجن من سنة إلى سنتين !"
ونشَرَتْ الدكتورة " أيدا أيلين " بحثاً بيّنَتْ فيه : أن سبب الأزمات العائلية في أمريكا ، وسِرّ كثرة الجرائم في المجتمع ، هو أن الزوجة تركت بيتها لِتُضاعِف دَخْل الأسرة ، فَزَادَ الدّخل ، وانخفض مستوى الأخلاق !
وقال الأستاذ شفيق جبري في كتابه " أرض السحر " :
" إن المرأة الأمريكية أخَذَتْ تَخْرُج عن طبيعتها في مشاركتها الرجل في أعماله ، إن هذه المشاركة لا تلبث أن تُضعضع قواعد الحياة الاجتماعية ، فكيف تستطيع أن تَعْمَل في النهار ، وأن تُعنى بدارها وبأولادها في وقت واحد ؟ "
ولما خَرَجتْ - أو بالأحرى أُخرِجَتْ – بدعوى المساواة تارة ، وبِدعوى إصلاح المجتمع تارة أخرى ، وبِدعوى تحرير المرأة تارات وتارات ! – لما فَعِل بها ذلك لم تتم مساواتها ، فلا هي التي تُرِكت كما كانت ، ولا هم بالذين ساووها – فِعلاً – مع الرّجل .
جاء في مفكرّة الإسلام [السبت 29 جمادى الأولى 1425هـ] ما نصّـه :
في إحصائية المرتّبات الخاصة بموظفي وموظفات البيت الأبيض والتي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" ونقلتها عنها جريدة أخبار اليوم المصرية في عددها الصادر السبت 17 يوليو 2004 جاء فيه :
إن الرجال في البيت الأبيض يَحْصُلُون على دخل سنوي يصل معدله إلى 76,624 ألف دولار ، بينما تحصل النساء لنفس الوظيفة على 59,917 ألف دولار فقط ، وهو ما يعني أن النساء العاملات في البيت الأبيض تحصل على 78% فقط مما يحصل عليه الرجال .
وأضافت الصحيفة أن هذا هو المعدّل الموجود في أمريكا بشكل عام للفجوة بين الرجال والنساء . وبينما تتصاعد الأصوات في كثير من هذه البلاد أن المرأة في البلاد العربية والإسلامية تتعرض لظلم بين ولا تحصل على كثير من حقوقها لم نَجِد من يُعلّق على هذه الإحصائية في بلاد نُصرة المرأة وإعطائها حقوقها !! . اهـ .
وشهِد شاهد من أهل الدعاوى !
تقول إحدى زعيمات الحركة النسائية المعاصرة :
و" يُلاحِظ الأديب الرحّالة أن النساء أصبحن يُمارِسْنَ أعمال الرِّجال في مصانع السيارات ، وتنظيف الطرقات ، فيتألم لشقاء المرأة في صرف شبابها وعمرها في غير ما يتناسب مع الأنوثة والطبيعة والمزاج " !
هذا اعتراف منها ، واعتراف آخر لها تقول فيه :
" عُدْتُ من رحلتي للولايات المتحدة منذ خمسة أعوام ، وأنا أرثي لحال المرأة التي جَرَفَها تيّار المساواة الأعمى فأصْبَحَتْ شَقِيّة في كفاحها لكسب العيش ، وفَقَدَتْ حتى حُريّتها ! "
ونَشَرتْ إحدى المجلاّت الألمانية عام 1962م ما يلي :
" كانت المرأة الألمانية تُفتّش عن أناقتها .. وتَعتَنِي بإنجاب الأطفال وتربيتهم ، إلا أن تغييراً كبيراً طرأ على حياتها اليوم ، فأضحى همّها الأول أن تعمل من أجل كسب المال وجَمْعِه ، بِغَضّ النّظر عن حاجتها إليه أو عدمها ، فكثيرات أولئك اللاتي يعملن من أجل شراء سيّارة " !
ونَشَرَتْ مجلة " الأسبوع " الألمانية رسالة من امرأة ألمانية بتاريخ 29/8/1959م تقول فيها :
إنني أرغب البقاء في مَنْزِلي ولكن طالما أن " أعجوبة الاقتصاد الألماني الحديث " لم تشمل كل طبقات الشّعب فإن أمراً كهذا مستحيل وللأسف .
هذه أمنية امرأة ألمانية قبل ما يُقارب الخمسين عاماً !
ترغب البقاء في مَنْزِلها !
وهؤلاء يَرغبون في إخراجها من منزلها !
وهؤلاء يتآمرون على بلاد الإسلام ..
قال"سامويل سمايلس " وهو أحد أركان النهضة الإنجليزية : إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل – مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد – فإن النتيجة كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية ، لأنه هاجم هيكل المنْزِل ، وقوّض أركان الأسرة ، ومزّق الروابط الاجتماعية .
ومن نتائج بعض الدراسات الأمريكية :
80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن !
إن عاقلات النساء في أمريكا يَعْتَبِرْن دعاوى المساواة مؤامرة لا على المرأة فحسب بل على المجتمع الأمريكي بعامة !
ولذا لما أُجريت دراسة حول هذا المبدأ كان من نتائجها أن :
87% من عينة الدراسة قُلْنَ : لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة ! ولقاومْـنَا اللواتي يرفعن شعاراتها .
تأمل في هذه العبارة :
" مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة " ضِـدّ الولايات المتحدة بأكملها وليس ضِدّ المرأة !
فاعتبروا يا أولي الأبصار ، وتنبّهوا إلى مؤامرات هؤلاء الأوباش !
ولِـيُعلَم أنهم لا يُريدون خيرا لا بالبلاد ولا بالعباد .
وأنهم هم الْمُفسِدون على الحقيقة ..
وصدق الله :
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ