تلخيص كتاب الاختلاط للشيخ عبدالعزيز الطريفي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين وبعد.
إنّ الله عزوجل أحكم الأحكام، وشرع الشرائع وسن السنن، وفرض الفروض، وهو أعلم منا وأحكم في شرائعه ، وعلِمها من علِمها وجهِلها من جهِلِها ، وعاندَ في قبولها من عبدَ الهوى والشيطان.
بحمد الله قمتُ باختصار كتاب الاختلاط للشيخ العلامة المحدث عبدالعزيز الطريفي وفقه الله، رغبةً في نشره وإفادة أهل الإسلام به، وراعيت اختصاره بشدة، وكذلك أن يكون على نهج المؤلف وترتيبه.
تحرير :
يجب أن يُعلم أنه ما من عالم من علماء الإسلام على مر العصور تحدث عن تحريم مرور المرأة في الطرقات والأسواق والميادين التي لا قرار فيها ولا جلوس مستمر و لا ممازجة ولا احتكاك ومماسة ،وإنما هي عبور وحاجات تنقضي ، والذي يثير مسألة الاختلاط وجوازه في الإعلام وغيره لا يقصد هذا النوع إنما يذكره على سبيل جر العلماء
على مقاصد الاختلاط المحرمة ، فيسقط فيها الصالحين، ومن المُسلّم أنّه إذا اقتضت حاجة المرأة بستر وحجاب في الطرقات والأسواق وغيرها بلا قرار وجلوس فهذا من الجائز والمأذون فيه ولا نص لتحريمه وحياً ولا عقلاً.
احتراز :
حينما أراد بعض الكتاب الإلزام والقياس بالعابر والأسواق "بالاختلاط المحظور" هذا من الجدل القديم فحينما نزل تحريم الربا، قال كفار قريش جدلاً { إنما البيع مثل الربا} فقال الله {وأحل الله البيع وحرم الربا}
ومضة :
ثم إن بيان العالم مهما بلغ وضوحا وحجة فلن يصل مبلغ بيان الحق سبحانه الذي خلق العقل البشري، وأدرى بمنافذ الحق إليه.
الصوارف عن الصواب :
وأعظم ما يحيل الإنسان عن الحق ويحيده عنه هو كثرة مخالطة الباطل حساً ومعناً، بلا معرفة سابقة بالحق جاء في الأثر"كثرة النظر في الباطل تُذهب معرفة الحق من القلب"
التجرد :
فكفار قريش يعترضون على محمد بأنه بشرًا مثلهم ، فقالوا {ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم لخاسرون} بينما لم تلتفت نفوسهم إلى إلههم ( الحجر ؟!! ) كحال من يضع أصبعيه في أذنيه عن سماع درة عُمر على رؤوس الجبال وهو يفرقهم عن النساء كما رواه الفاكهي في تاريخ مكة ، وهذا النحو ليس من طرائق أهل العدل والعلم والإيمان.
الاختلاط والفطرة والشرائع السابقة :
فتعرف خطره الفطرة البشرية والشرائع السماوية قبل رسالة الإسلام فامرأة عمران أم مريم كانت عجوزا عاقرا لا تلد، فقالت:
اللهم إن علي نذرا شكرا إن رزقتني ولدا أتصدق به فيكون من سدنة المسجد وخدامه عابدا متفرغا {إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني...} الآية.
ولكنه صارا بنتاً {فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى}والأنثى لا تصلح لذلك روى أبي حاتم في تفسيره وابن جرير عن ابن جريج أخبرني القاسم بي أبي بزة أن عكرمة قال: فلما وضعتها قالت: ربي إني وضعتها أنثى ، قالت: ليس في الكنيسة إلا الرجال فلا ينبغي للمرأة أن تكون مع الرجال فأبطل الله نذرها لهذا السبب.
مصطلح الاختلاط :
قرر بعض الكتاب أن مصطلح الاختلاط من المحدثات في الشريعة بعبارات مختلفة
فقال الاختلاط هو: ما لا يُعرف في قاموس الشريعة
وقال بدعة مصطلحية لا تعرف في مدونات أهل العلم
وهذا ليس من التحقيق والتحري ، والنصوص في جميع القرون من الصدر الأول إلى يومنا هذا لا يخلو قرن من بيان الاختلاط وتحريمه بل وفي سائر المذاهب الفقهية مع الإقرار أن الفقهاء في سائر القرون على هذا المصطلح خاصة وما في حكمه ومعناه.
مع ثبوت مصطلح الاختلاط في دواوين السنة والسلف والفقهاء إلا أن التغافل عن المعاني متفق عليه شرعا.
الإجماع :
يكفي المنصف أنه لا يعلم على مر قرون الإسلام الخمسة عشر من قال بجواز الاختلاط في المجالس والتعليم والعمل .
تحصلت مائة عالم وفقيه عبر القرون يقطعون بعدم الترخيص فيه بل بعضهم يسقطون عدالة فاعله
الأئمة الأربعة :
نصوصهم كثيرة في التحذير منهم أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد يُرجع لأصل الكتاب ص٢٣ حيث النقلات من كلامهم موثقة.
الاختلاط في السنة :
في السنة تبلغ حد التواتر فمن ذلك:
١- ما رواه البخاري عن ابن جريج قال قلت لعطاء كيف يخالطن الرجال قال:لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لاتخالطهم"
٢-ما رواه أبو هريرة في صحيح ابن حبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"ليس للنساء وسط الطريق" وهذا في الطريق فكيف بالجلوس؟!
٣-حديث الذي عند مسلم"خير صفوف النساء آخرها...الحديث
٤-ما أخرجه البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال (الحمو الموت) وهذا خطاب للرجال واحدا أو جماعة أن لا يدخلوا على النساء والغالب في الدخول في البيوت،المكث والجلوس والقرار، ويدخل في هذا التعليم والعمل لإشتراكهما في العلة.
٥-حديث عند البخاري ومسلم"قال النساء للنبي غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك"فوعدهن يوما لقينهن فيه فوعظهن وأمرهن , فهؤلاء الصحابيات علمن أن مجامع الرجال ليس لهن.
٦-ما جاء من النهي عن غض البصر وهذا في الأمر العارض على البصر لا الدائم ،فلا يليق عقلا وشرعا أن يؤذن لك بمخالطة امرأة ساعات في مقر دائم ثم تؤمر بأن لاتراها؟! فهذا إفراغ للأمر والنهي في معناه ومحتواه وتكليف بما لايطاق .
وهناك أدلة كثيرة يُرجع لها في أصل الكتاب.
الاختلاط والعلماء عبر القررون :
حذر العلماء وبينوا حكمه عبر القرون من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر، وذكرها صاحب أصل الكتاب-الاختلاط- مبتدئا من القرن الأول إلى الرابع عشر، وسرد جملة عديدة من كلام أهل العلم على مر هذه العصور ..يرجع لها ص٢٩
من الأمور التي يقع فيها مجيز الاختلاط :
أ-الجهل بالناسخ والمنسوخ.
ب-التدليل بنص منسوخ .
ج-عكس الشريعة:يستدل بوقائع كانت قبل فرضها ،كمن يستدل بوقائع في كشف الوجه وهي أي الوقيعة قبل فرض الحجاب! وهلم مجره، وكل عنصر من السابق تكلم فيه الشيخ فيرجع له .
هناك كثير من النصوص يستدل بها الناس على جواز الاختلاط وقد أجاب عنها الشيخ فمنها التي قبل الحجاب ومنها قبل منع الاختلاط وقد استدل الشيخ بأدلة وآفره، وسأذكر في تلخيصي بعضها لكي لا أطيل:
١-من يستدل بما جاء عن عائشة قالت"دخل علي رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش..."الحديث
يُجاب عن الحديث: قال الحافظ البيهقي في -الآداب-بعد اخراج هذا الحديث "وكان ذلك قبل نزول الحجاب"وكذلك قاله الحافظ ابن رجب في الفتح والقاضي عياض في"المعلم"
ويجاب عنه كذلك بأن العرب تُغلّب لفظ-الجارية-على الأمه غير الحرة أو الحرة التي دون سن البلوغ، فإذا بلغت تسمى امرأة،قالت عائشة "إذا بلغت الجارية تسع فهي امرأة ويوضح ذلك أنها في رواية أخرى "وعندي جاريتان من جواري الأنصار" يعني إمائهم .
٢-أما الاستدلال بما جاء عن الربيع بنت معوذة أنها قالت دخل علي النبي ...... فجلس على فراشي كمجلسك مني.. الحديث..
أجاب المؤلف: بأنه قبل فرض الحجاب فالربيع خطبها إياس بن بكير قبل غزوة بدر، في السنة الثانية للهجرة وقد أدرك زمن النبي،والحجاب فرض بعد ذلك فكيف يُستدل على ذلك حُكم نزل بعد .
وكذلك الربيع بنت معوذة كانت عجوزا معمره كما قاله الذهبي في تاريخ الإسلام .
٣-الاستدلال بحديث عائشة: خروج سودة ليلاً ،
الجواب من وجهين:
- هذه الواقعة قبل الحجاب
-لا أحد من أهل الإسلام يمنع من خروج المرأة لحاجة .
-خروجها ليلا دليل على الحشمة.
٤-الاستدلال بحديث سهل بن سعد وفيه "كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم الجمعة ... وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب إلينا الطعام ...
الجواب عنه من وجهين:
-أنهم كانوا صبيان لم يبلغوا فسهل بن سعد كان دون البلوغ قال الزهري:كان له يوم توفي الرسول خمسة عشر سنة ،فكيف لأحد أن يثبت أنّ من معه ليسوا حدثاء مثله ورفيق الصبي صبي.
٥-أما الاستدلال بأحاديث خروج النساء في الغزو
يجاب عنه :
-قطعا كانوا مع أزواجهم.
-كانوا خلف الرجال في الحرب
-كانوا يعينون الجريح لا الصحيح.
٦-أما الاستدلال بأحاديث شهود النساء المسجد
فيجاب عنه:
-أن النبي أذن لهن ووضع لهن احتراز(خير صفوف النساء آخرها)
-أن النبي ضبط أفعالهن وأقوالهن (التصفيق للنساء والتسبيح للرجال)
-كان النبي يتأخر بعد السلام ويأمر أصحابه حتى ينصرف النساء فلا يختلطن بالرجال.
الطواف بالكعبة :
أما الاحتجاج بالطواف وأنّ الرجال والنساء يطوفون جميعا فهذا احتجاج من جهِلَ الشرع والتاريخ واتبع المتشابه .
أما الشرع : فهذا من خصوصيات مكة بإجماع المفسرين "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة" أخرج البيهقي عن مجاهد قال إنما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضا وأنه يحل فيها ما لايحل في غيرها.
بل يُعفى عن السترة فيما لايعفى عن غيرها،قال جرير عن عطاء عن أبي جعفر قال مررت امرأة بين يد رجل وهو يصلي وهي تطوف فدفعها فقال أبوجعفر إنها بكة يبك بعضها ببعض.
وأما الجهل بالتاريخ : فإن النساء يطفن مجتمعات حجرة عن الرجال لا معهم وهذا في زمن النبي وعمر وكان عمر يضرب الرجل الذي يطوف وسط النساء كما رواه الفاكهي عن طريق زائدة عن ابراهيم النخعي قال "نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء قال فرأى وجلا يطوف معهن فضربه بالدرة"
التعليم :
كان التعليم في صفة دقيقة عجيبة ففي الصحيحين عن مسروق بن الأجدع قال سمعت عائشة وهي من وراء الحجاب"
وذكر البخاري في تاريخه قال عبدالله الباهلي ( رأيت ستر عائشة في المسجد الجامع تكلم الناس من وراء الستر وتُسأل من ورائه"
الأسواق :
أما الاحتجاج بالأسواق والبيع والشراء فهي طرقات لا مواضع جلوس وقرار فضلا عن الخلوة ومع هذه الاستثناءات لم يرتضها الصحابة وإنما خففوا منها بلا مبالغة للحاجة
روي عن أحمد عن علي قال"بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج في السوق أما تغارون ألا إنه لا خير فيمن لا يغار".
خاتمة:
اعلم أخي أنك مأمور باتباع الشرع والحق وأنك سوف تسأل عنه يوم القيامة ، واعلم أن الحياة قصيرة فلا يغرنك منها الغرور.