ذات أنواط وتحرير العقل المسلم
جاء الإسلام ليحافظ على المقاصد والكليات الست: الدين والعقل والنسل والمال والنفس والحرية، وتلك المقاصد هي خلاصة الأحكام الإسلامية، والهدف الرئيس منها. فالحفاظ على الدين هو رسالة الرسل والأنبياء على مر العصور والدهور، الحفاظ على الدين من ناحية الوجود ومن ناحية العدم، الدين الذي ينظم العلاقة بين الخالق المعبود سبحانه وتعالى وعباده، وبين العباد والعباد، وبين العباد ومكونات البيئة الحية من حيوان ونبات وكائنات حية دقيقة، ومكونات البيئة غير الحية من هواء وماء ومعادن وأملاح، البيئة غير الحية المشيدة التي شيدها الإنسان، وغير المشيدة التي أوجدها الله تعالى لعباده مع المحافظة على النظم البيئية المائية والهوائية والأرضية، هذا هو المقصد الأول، الحفاظ على الدين، والمقصد الثاني الحفاظ على العقل الذي ميز الله سبحانه وتعالى به عباده من بني آدم عن غيرهم من المخلوقات، وبهذا العقل يعقل الإنسان ماهية وجوده في الأرض والعلاقات بينه وبين المخلوقات الأرضية والنظم البيئية وما بينه وبين خالقه سبحانه وتعالى، وما أرسل من الرسل والكتب لهداية البشر، وأولى مهام الدين هي تخليص العباد من عبادة العباد، ومن عبادة المخلوقين وتقديسهم وصرف عبادتهم إلى الله وحده سبحانه وتعالى؛ لأنه المعبود بحق.
جاء الإسلام ليؤكد هذه الحقيقة فدعا إلى عبادة الله وحده، وعدم الخضوع في العبادة إلى المخلوقين، وبذلك تتحقق الحرية الدينية، كما جاء الإسلام لهدم الأصنام والجمادات والعباد الذين يُعبدون من دون الله، لذلك قال ربعي بن عامر رضي الله عنه لقائد الفرس: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد"، وهذا ما يلخصه الركن الأول من أركان الإسلام: أن تشهد لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله.
فمن أين أتى ربعي بن عامر بهذا الفهم الخالص للإسلام؟
تعلمه ربعي من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فعندما خرج الصحابة رضوان الله عليهم لحنين، وهم حديثو عهد بكفر، وكانوا قد اسلموا يوم الفتح، فمروا بشجرة، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وكان للكفار سدرة (نوع من الشجر) يعكفون حولها ويعلقون بها أسلحتهم (يتبركون بها) يدعونها ذات أنواط، فلما قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: «الله أكبر، وقلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، لتركبن سنن من كان قبلكم» (أخرجه الترمذي في باب الفتن وقال: حسن صحيح، وأحمد وأبوعاصم وغيرهم).
وهكذا علم المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين التخلص من عبادة الأشجار والأحجار والقبور والصالحين والمشرعين باسم الحق الإلهي ، وهذا ما نراه الآن ممن يعلقون التمائم والخرق البالية والملونة على الأشجار والأحجار والسيارات والبيوت، وفي هذا ضياع للتوحيد، وضياع للدين، وضياع لرسالات الله إلى عباده « وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ» (النحل/36).
وقد يتلبس على الناس ويقولون نحن نؤمن بالله الخالق الرازق الموجد، ومن يقل ذلك ولا يمتنع عن الأمور الشركية فقد أهدر توحيد العبادة الخالصة توحيد الألوهية.
وكما يقول العلماء في كتب التوحيد أن توحيد الربوبية: وهو الإقرار أن الله سبحانه هو الخالق الرازق المنعم؛ هذا التوحيد لا يكفي، بل لابد من إفراد الله تعالى بالعبادة الخالصة، وهو معنى لا إله إلا الله، أي توحيد الألوهية.
إذًا الذين يتبركون بالضرائح والأشجار والخرق الملونة والتمائم يهدرون الجانب الأساس في هذا الدين الإسلام، وهو جانب التوحيد الخالص وإفراد العبادة لله وحده سبحانه وتعالى؛ لذلك وجب على العالمين بيان ذلك لغير العالمين، خاصة بعدما ضجر المثقفون والإعلاميون في مصر عندما سرت شائعة هدم الضرائح من قبل بعض المتدينين.
وقد انزعج الكثير من إزالة مظاهر الشرك قديما من الجزيرة العربية ، وانزعجوا عندما قامت حكومة البحرين بإزالة بعض مظاهر الشرك والبنايات التي قصد بها التبرك والدعاء والاعتقاد أن هذه الأحجار تضر وتنفع والمبنية من دون ترخيص من الدولة.
والإسلام جاء للحفاظ على العقل وجعله مناط التكليف، ومن هدر العقل أن يعتقد العبد أن الأحجار تضر وتنفع، وأن الأموات يتحكمون في مصائر العباد ويفعلون كما يفعل النصارى مع الخبز المقدس، حيث سمعت أحد المعممين يقول للناس: هذه القطع من الشاكليت (أي الشوكولاته) تشفي من كل داء، وتنفع من كل كرب، وتحمي من كل ضرر. وللأسف تتعالى هتافات المخدرين فاقدي العقل ويكررون..
هذا ما جاء الإسلام للقضاء عليه وتخليص العقول منه، وهو كما قال ربعي بن عامر رحمه الله ورضي الله عنه: الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وما أكده صلى الله عليه وسلم في واقعة ذات الأنواط وحذرنا قائلا: (الله أكبر، وقلتم؟ والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)، أي تجهلون مغزى الإسلام، ومعنى التوحيد الخالص، ومعنى اتخاذ ذات أنواط وقال: (لتركبن سنن من كان قبلكم) أي من عبدة الأبقار والأحجار والنار والفئران والأموات والصلبان.. وغير ذلك ممن عبد قبل الإسلام، ومما يحاول البعض جعله جزءاً من الإسلام في هذه الأيام والعياذ بالله.
أ.د نظمي خليل أبوالعطا موسى