هل دعا النبي عليه الصلاة والسلام على معاوية؟
السؤال :
هل صحيح بأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعا على معاوية ؟ لأني سمعت حديثاً فيه (يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي قال: و كنت تركت أبي قد وضع له وضوء , فكنت كحابس البول مخافة ان يجئ قال : فطلع معاوية..)
الجواب :
الحمد لله
لم يبين السائل مراده بذلك واضحا ، وأظهر ما يقال في هذا حديثان : أحدهما باطل ، والآخر صحيح!!
أما الحديث الأول ، وقد ورد مقرونا بالحديث الذي سبق ذكره في جواب السؤال رقم (210844)، في بعض روايات الرافضة ، لكن منسوبا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، لا عبد الله بن عمرو ، كما في الرواية السابقة .
وقد نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، من كتاب "ابن المطهر" الرافضي ، ورده عليه .
قال شيخ الإسلام :
" وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَدْ «رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِي " فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ. وَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ، أَيُّ يَوْمٍ يَكُونُ لِلْأُمَّةِ مَعَ مُعَاوِيَةَ ذِي الْإِسَاءَةِ» " .
فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: نَحْنُ نُطَالِبُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِلَّا فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ كَذِبٌ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ . وَهَذَا الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا.
ثُمَّ مِنْ جَهْلِهِ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ ثَلْبِ الصَّحَابَةِ، وَأَرْوَى النَّاسِ لِمَنَاقِبِهِمْ، وَقَوْلُهُ فِي مَدْحِ مُعَاوِيَةَ مَعْرُوفٌ ثَابِتٌ عَنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قِيلَ لَهُ: وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ خَيْرًا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ ..." اهـ من "منهاج السنة النبوية" (4/443) .
وقال أيضا :
" هَذَا الْحَدِيثُ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " : " قَدْ تَعَصَّبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ، فَوَضَعُوا فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَادِيثَ لِيَغِيظُوا الرَّافِضَةَ، وَتَعَصَّبَ قَوْمٌ مِنَ الرَّافِضَةِ فَوَضَعُوا فِي ذَمِّهِ أَحَادِيثَ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْخَطَأِ الْقَبِيحِ ". اهـ من "منهاج السنة النبوية" (4/446) ، وينظر : "الموضوعات لابن الجوزي" (2/15) .
وأما الحديث الآخر الصحيح ، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه (2604 ) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ ، قَالَ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً ، وَقَالَ: اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ . قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ . قَالَ ثُمَّ قَالَ لِيَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ . قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ . فَقَالَ: لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ ) .
فهذا الحديث يا أخي لا يشين معاوية رضي الله عنه بل هو معدود في فضائله :
أ- هذا الحديث يثبت مدى قرب مجلس معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم بحيث كان يرسل في طلبه وقد كان من كُتَّابه .
ب- النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع على معاوية بشيء يمس دينه وآخرته ، بل كان دعاؤه عليه بشيء يمس دنياه ، والدنيا ليس هي مطلب المؤمن ومبتغاه بل الآخرة .
ج- قال الحافظ الذهبي : " لعلَّ أن يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ! من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ) " انتهى من " سير أعلام النبلاء " ( 14/130).
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم ( 16/156 ) :
" وأما دعاؤه على معاوية أن لا يشبع حين تأخر ؛ ففيه الجوابان السابقان : أحدهما أنه جرى على اللسان بلا قصد . والثاني : أنه عقوبة له لتأخره ، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه ، فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له "
وقال الشيخ الالباني رحمه الله تعالى : " وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ؛ ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه ، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك ؛ كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ؟! ولذلك قال الحافظ ابن عساكر ( 16/349/2 ) : " إنه أصح ما ورد في فضل معاوية " .
فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود ، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية..... ويمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متواترة ، منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو ، فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا ؛ قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: " أَوَمَا عَلِمْتِ ما شارَطْتُ عليهِ رَبِّي؟ قلتُ: اللهُمَّ ! إِنَّما أَنا بَشَرٌ، فأَيُّ المسلمينَ لَعَنْتُهُ أَو سَبَبْتُهُ ؛ فاجْعَلْهُ لهُ زكاةً وأَجْرًا "
رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد ؛ هو : " باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه ، وليس هو أهلا لذلك ؛ كان له زكاة وأجرا ورحمة "
ثم ساق فيه من حديث أنس بن مالك ؛ قال :
" كانت عند أم سُلَيْم يتيمة ، وهي أم أنس، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة، فقال: آنت هيه ؟ لقد كبرتِ ، لا كَبُرَ سنك !! فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي ، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ قالت الجارية: دعا عليَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سنِّي أبدا، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم مستعجله تلوث خمارها ، حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أم سليم؟ فقالت يا نبي الله ! أَدَعَوْتَ على يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم؟ قالت: زعمتْ أنك دعوتَ أن لا يكبر سنها ، ولا يكبر قرنها ؟ قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ( يا أُمَّ سُلَيْمٍ! أَما تَعلَمينَ أَنَّ شَرْطي على رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ على رَبِّي فقلتُ: إِنَّما أَنا بَشرٌ أَرْضى كما يَرْضى البَشَرُ، وأَغْضَبُ كما يَغْضَبُ البشرُ، فأَيُّما أَحدٍ دَعَوْتُ عليهِ مِن أُمَّتي بدعوةٍ ليس لها بأَهْلٍ، أَنْ يجْعَلَها لهُ طَهورًا وزكاةً وقُربةً يُقَرِّبُهُ بها منهُ يومَ القيامةِ ؟(
ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية ، وبه ختم الباب ، إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد ، وفي معنى واحد، فكما لا يضرُّ اليتيمة دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليها - بل هو لها زكاة وقربة-؛ فكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية " انتهى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1/ 165-166 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب