أهمية الكلمة
قال تعالى : (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) .
فربما يستهين بعض الناس بالكلمة ولا يدرى ما يمكن أن تفعله هذه الكلمة بالإنسان سواء كانت كلمة طيبه أم كلمه خبيثة , فبكلمة يدخل الإنسان فى دين الله الإسلام ،وبكلمة قد يخرج منه .
وبكلمه يستطيع أن يصلح بين متخاصمين , وبكلمة أيضا يستطيع أن يهدم بيتا معمورا .
قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت،فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة،وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ،فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة "
فعلى المسلم أن يتأمل كلام رب العزة وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينطق بأي كلمة ليتجنب الوقوع فى المحظور كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم حين قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت " متفق عليه
وكما قال تعالى :"وقولوا للناس حسنا"
قال أهل العلم : يعتبر كل أدب الدنيا والدين داخل تحت هذه الآية،يقول أهل التحقيق (كلام الناس مع الناس إما أن يكون فى الأمور الدينية أو فى الأمور الدنيوية ، فإن كان فى الأمور الدينية فإما أن يكون فى الدعوه إلى الإيمان (وهو مع الكافر) , أو الدعوة إلى الطاعة( وهو مع الفاسق ) , أما الدعوة إلى الإيمان فلا بد أن تكون بالقول الحسن قال تعالى لموسى وهارون " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى "
فالله سبحانه وتعالى أمرهم بالرفق مع فرعون مع جلالتهما وعظم كفر فرعون وتمرده وعتوه على الله تعالى
وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "
وأما دعوة الفاسق فالقول الحسن فيه معتبر قال تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه ".
وأما الأمور الدنيوية فمن المعلوم أنه إذا أمكن التوصل إلى الغرض بالتلطف من القول لم يحسن سواه .
قال تعالى :" قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذى"
وهذه الآية دليل على أهمية الكلمة الطيبة وأنها خيرمن أن تعطى فقيرا مالا بيدك وتؤذيه بلسانك ؛فجعل الله الكلمة الطيبة خيرا لأنها تقرب القلوب وتذهب حزنها وتمسح غضبها ؛فهى دليل على طيب قائلها و تثمر عملا صالحا فى كل الأوقات وتصعد إلى السماء ،قال تعالى "إليه يصعد الكلم الطيب "
والكلمة الطيبة تشمل الصدق فى الحديث والإصلاح بين الناس والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال تعالى:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر "
وغير ذلك مما ينفع الناس .
وأما الكلمة الخبيثة وما تشمله من كلمة الكفر ثم الكذب وشهادة الزور والغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية من الناس وغير ذلك مما يترتب عليه ضرر بالمجتمع .
فقد يظن الإنسان الأمر هينا وأنه مجرد كلام لا نؤاخذ عليه ،فقد جاء فى حديث معاذ رضى الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال : " ثكلتك أمك وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم " أحمد والترمذي
وقد ورد فى كتاب الله آيات تحدثنا عن مساوئ الكلام الخبيث ،قال تعالى: " يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فألئك هم الظالمون ،يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم "
ففى هاتين الآيتين منهاجٌ للتعامل بين المسلمين أساسه الاحترام والثقة وحسن الظن ومراقبة الله عز وجل فى كل شئ .
وقد نهى الله عز وجل عن السخرية والاستهزاء بالناس فقد يكون المستهزئ به أفضل منك عند الله ، وشمل النهى فى الآية الكريمة الرجال والنساء ، ففى الحديث عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت :قلت للنبي صلى الله عليه وسلم "حسبك من صفيه كذا وكذا،قال بعض الرواة تعنى قصيرة ، فقال صلى الله عليه وسلم " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" ابو داود
ثم نهانا عز وجل فى الآية الكريمة وفى آيات أخري من كتابه الكريم عن اللمز قال تعالى: "ويل لكل همزة لمزه" وقال أيضا عز و جل فى موضع آخر :"هماز مشاء بنميم" قال ابن كثير المراد به احتقار الناس والنميمة.
ثم نهى عز وجل عن التنابز بالألقاب وهو مناداة الشخص بلقب يكرهه و هذا الأمر انتشر بكثرة فى مجتمعنا رغم النهى الصريح عنه .
ثم جاء التحذير من الغيبة بتشبيه فاعلها بآكل الميتة ،ففى حديث حسان ابن المخارق ( أن امرأة دخلت على عائشة رضى الله عنها فلما قامت لتخرج أشارت عائشة رضى الله عنها بيدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إغتبتها ) صحيح الأدب المفرد
وقد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم الفرق بين الغيبة والبهتان فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال (قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال صلي الله عليه وسلم :ذكر أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) الترمذى .
وعن ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " ابو داود
قال ابن دقيق العيد أعراض الناس حفره من حفر النار .
والكلمة الخبيثة تشمل أيضا قول الزور وشهادة الزور لما يترتب عليهما من ضياع الحقوق .
" قال صلى الله عليه وسلم :ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا بلى يا رسول الله ،قال: الإشراك بالله ،وعقوق الوالدين ،وكان متكئا فجلس فقال:ـ ألا وقول الزور وشهادة الزور ،ألا وقول الزور وشهادة الزور ،قال فمازال يقولها حتى قلت لا يسكت " متفق عليه
فعلى كل مسلم أن يعى أن للكلمة مخاطر ويفكر جيدا قبل أن ينطق بها لسانه هل ستؤول إلى الخير أم إلى الشر، وأن يضع نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " متفق عليه