تمتمات في جوف الليل
صوت خرير الماء , والقطرات تنسكب على الجوارح الصالحة , فتغسل منها كل ذنب ..
وهمسات التسبيح والتحميد , وتائب يدعو ربه " اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين " ..
وصوت التقاء الركب بالأرض بينما الجسد يهوى للسجود راغبا محبا متذللا ..
أكف مرفوعة , وقلوب تتضرع , وعيون دامعة , ونفوس تائبة لربها , ندما على ما ضيعت , وعهدا بإصلاح واستقامة ..
إنها أغلى اللحظات في حياة ذلك العبد الصالح الصادق , إذ يتزود فيها بزاد المسافر .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم " الترمذي .
تلكم العبادة الشفافة النقية التي يحكي عنها عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: أول ما قدم رسول الله الله صلى الله عليه وسلم انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأملت وجهه واستبنته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أنه قال: " أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " اخرجه الترمذي .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء " اخرجه مسلم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن في الليل لساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة " روام مسلم .
إن أقرب ما يكون العبد من ربه هو في تلك الساعات , واقرب ما تكون حالته هي في حالة السجود , فقرب على قرب , مع نية منيبة متجردة من الدنيا , فكيف يظن بمثل هذا إذن ؟
عن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن " الترمذي .
لقد أمن ذلك العبد الصالح من فتنة الغفلة , وأمن أن يكتب من الغافلين , وصار مع صحبة نورانية كريمة , حيث النبيين والصديقين والشهداء .
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقَنْطرين" أخرجه ابو داود .
فهل يظن له ولأمثاله مثوى إلا الجنة ؟! ولا مستقرا إلا نعيم وخلود ؟! عن أبي مالك الأشعريرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام) ابن حبان