متلازمة الخسران !
سببان متلازمان يمكن أن يؤديا بصاحبهما إلى الخسران التام , والفشل الذريع , بل قد يتسببان في تراجع مستوى الإيمان لدى المرء !
إنها متلازمة الغفلة عن عيوب النفس مع خيانة العهد مع الله سبحانه , فالمرء الذي لا يرى حقيقة نفسه يظل غافلا عن نواقصها , ويظل يراها تامة الصفات كاملة السمات , فلايرى حاجة لإصلاحها , ولا يرى حاجة لتقويم سلوكها , فيكبر في صدره قدره , ويسيطر الكبر على معنوياته .
والمرء إذا لم ير في المرآة نواقصه , فإن الحقيقة أن نواقصه قد كثرت حتى غطى سوؤها عينيه , فصار الكبر غمامة عليها , وصار بين الخلق يظن نفسه خيرهم وأحسنهم وربما أتقاهم وأفضلهم .
كما إنه سيصير متابعا خبيرا لعيوب الناس ونواقصهم وسقطاتهم , ويصير محبا لبيان انتقاصهم والوقوف على عيوبهم , بل إعلان ذلك في المجالس , فيظهر ذلك في كلماته وسلوكياته , وهو بينما هو كذلك , يكره النصيحة , ويبغض من يبصره بعيوبه , أو من ينتقده , أو يخطئه .
وقد كان الصالحون يتفقدون أنفسهم , ويقفون على عيوبها , ويرون ذلك من مكارم الصفات , قال يونس بن عبيد: "إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي منها واحدة", وقال محمد بن واسع: "لو كان للذنوب ريحٌ ما قدر أحد أن يجلس إليّ" , وقال مالك بن دينار: "رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا, ألست صاحبة كذا, ثم ذمّها, ثم خطمها, ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائدًا" , وقال مطرف بن عبد الله: "لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إلي من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا" , وقال أبو وهب المروزي: "سألت ابن المبارك: ما الكبر؟ قال: أن تزدري الناس, فسألته عن العجب؟ قال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك, لا أعلم في المصلين شيئًا شرًا من العجب".
ولتلك الصفة الخبيثة داء آخر تتسبب فيه , ذلك هو داء إخلاف العهد مع الله , وخيانة العهد الذي قطعه بين يديه , فالذي يرى في نفسه الكمال والتمام , ويغفل عن السقطات والهنات والزلات والنواقص , لايرى في نفسه حاجة لأوبة ربانية ولا لالتزام إيماني فوق ماهو عليه , فيظل في نقض لعهده الذي أعلنه بالتجديد والتقويم والإنابة , قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} , وقال سبحانه: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} , قال ابن القيم: "وهذا يتناول عهودهم مع الله بالوفاء له بالإخلاص والإيمان والطاعة, وعهودهم مع الخلق".