السؤال
ما حكم من يسب الله أو الإسلام، أو يكفر، ولكنه مضطر لذلك، مثلا: إذا طلب منه أحد المعذِبين ذلك. فنحن نسمع عن التعذيب، وما يفعله الذين يعذبون الناس مثلا يقول له: اسجد لكذا، أو اكفر، أو سب الله أو الإسلام والرسول، وأشياء من هذا القبيل. فهم يجبرونه على فعل ذلك ليخففوا أو يوقفوا التعذيب، فإذا رفض فسوف يستمرون في التعذيب، أو من الممكن أن يزيدوه. فهنا أتكلم عن الذى يضطر لتمثيل الكفر مجبرا ومضطرا، ولكن في داخله مؤمن بربه حتى وإن فرضنا أنه مات على ذلك. فهل يعتبر كافرا ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أكره على النطق بكلمة الكفر، فنطق بها مكرها، مطمئنا قلبه بالإيمان، فلا خلاف بين المسلمين في قبول إكراهه، وعدم كفره بما فعل.
قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر. هذا قول مالك، والكوفيين، والشافعي، غير محمد بن الحسن، فإنه قال: إذا أظهر الشرك كان مرتدا في الظاهر، وهو فيما بينه وبين الله على الإسلام، وتبين منه امرأته، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلما. وهذا قول تغني حكايته عن الرد عليه، لمخالفته للآيات المذكورة في أول هذا الباب.
قال ابن رجب: وأما الإكراه على الأقوال، فاتفق العلماء على صحته، وأن من أكره على قول محرم، إكراها معتبرا أن له أن يفتدي نفسه به، ولا إثم عليه، وقد دل عليه قول الله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار: إن عادوا، فعد. وكان المشركون قد عذبوه حتى يوافقهم على ما يريدونه من الكفر، ففعل.
وقال أيضا: وسائر الأقوال يتصور عليها الإكراه، فإذا أكره بغير حق على قول من الأقوال، لم يترتب عليه حكم من الأحكام، وكان لغوا، فإن كلام المكره صدر منه وهو غير راض به، فلذلك عفي عنه، ولم يؤاخذ به في أحكام الدنيا والآخرة.
أما من أكره على فعل من أفعال الكفر كالسجود لغير لله، فقد اختُلف هل يقبل إكراهه أولا يقبل.
قال ابن بطال أيضا: وأما في الفعل، فلا رخصة فيه، مثل أن يكرهوه على السجود لغير الله، أو الصلاة لغير القبلة...... وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان.
وقال ابن رجب: والقولُ الثاني: إنَّ التقية إنَّما تكون في الأقوال، ولا تقية في الأفعال، ولا إكراهَ عليها...... فيمن قيل له: اسجُد لصنمٍ وإلاَّ قتلناك، قال: إنْ كان الصَّنمُ تجاهَ القبلة، فليسجُد، ويجعل نيَّته لله، وإنْ كان إلى غير القبلة، فلا يفعل وإنْ قتلوه، قال ابنُ حبيب المالكي: وهذا قولٌ حسنٌ، قال ابن عطية: وما يمنعه أنْ يجعلَ نيته لله، وإن كان لغير القبلة.
لكن الذي شهره الحافظ ابن حجر قبول عذره.
قال في الفتح: ولا فرق بين الإكراه على القول والفعل عند الجمهور.
هذا وقد اختلف أهل العلم في الحد الذي إذا بلغه الشخص عد مكرها.
قال ابن بطال: وأجمع المسلمون على أن المشركين لو أكرهوا رجلا على الكفر بالله بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، وله زوجة حرة مسلمة، أنها لا تحرم عليه، ولا يكون مرتدا بذلك، والردة فرقة بائنة، فهذا يقضي على اختلافهم في طلاق المكره. واختلفوا في حد الإكراه، فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أخفته، أو أوثقته، أو ضربته. وقال ابن مسعود: ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلما به. وقال شريح والنخعي: القيد كره، والوعيد كره، والسجن كره.
وجاء في الهداية في حد الإكراه: إن أكره على الكفر بالله تعالى - والعياذ بالله - أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس، أو ضرب. لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه.
وقد رأى المالكية أن الإكراه في مثل هذا لا يتحقق إلا بخوف القتل.
قال خليل: وأما الكفر، وسبه - عليه السلام -، وقذف المسلم: فإنما يجوز للقتل.
ويجدر التنبيه إلى أن الصبر على الأذى خير وأعظم أجرا من النطق بكلمة الكفر.قال ابن بطال: أجمع العلماء أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة.
والله أعلم.