ما حُـكم قول المأمومين ( نشهد .. حقا ، ونحوها ) أثناء دعاء الإمام في القنوت ؟
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حيا الله الشيخ الحبيب و بارك الله فيك و نفع بك
ما حكم ما يقوله بعض أو أغلب عوام المصلين في دعاء القنوت عندما يقول الإمام مثلا فإنك تقضي و لا يقضى عليك .. يقولون : حقا .
يقول و إنه لا يذل من واليت يقولون : نشهد
أو عندما يقرأ مثلا في سورة التين أليس الله بأحكم الحاكمين يقولون في أنفسهم بلى و أنا على ذلك من الشاهدين .
و هناك غيرها من الآيات أيضا كما في سورة القيامة و غيرها .
هل من أصل لهذه الأفعال ؟ أم أنها مبتدعة و جزاكم الله يا شيخ كل خير
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
وبارك الله فيك ، وحياك وبياك .
هذا القول له أصل في السنة ، وله أصل في عمل السلف .
ففي حديث حذيفة أنه صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد وصف قراءته بقوله : يقرأ مترسِّلا ، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح ، وإذا مرّ بسؤال سأل ، وإذا مرّ بتعوذ تعوّذ . رواه مسلم .
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ : (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قال : سبحانك اللهم بلى ، وإذا قرأ : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) قال : سبحان ربي الأعلى .
وروى ابن أبي شيبة من طريق مسروق عن عائشة أنها مَرَّت بهذه الآية (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) فقالت : اللهم مُنّ علينا وقِنا عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم . فقيل للأعمش : في الصلاة ؟ فقال : في الصلاة .
وروى من طريق عبد الوهاب بن يحيى عن عباد بن حمزة قال : دخلت على أسماء وهي تقرأ (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) قال : فَوَقَفَتْ عليها فَجَعَلَتْ تستعيذ وتدعو . قال عباد : فذهبتُ إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعتُ وهي فيها بَعْد تستعيذ وتدعو .
وروى عن وكيع عن عيسى عن الشعبي قال : قال عبد الله – يعني ابن مسعود رضي الله عنه – : إذا مَرّ أحدكم في الصلاة بِذِكْر النار فليستعذ بالله من النار ، وإذا مَرّ بِذِكْر الجنة فليسأل الله الجنة .
وروى عن هشيم عن مغيرة قال : قلت لإبراهيم : أسْمَع الرجل وأنا أصلي يقول : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) أَأُصَلِّي عليه ؟ قال : نعم إن شئت .
إلاّ أنه ينبغي أن يُعلَم أن رفع الصوت بها خلاف الأدب مع الله ، وخلاف الأدب في الصلاة ، مع ما فيه من تشويش على الْمُصَلِّين ، وإذهاب للخشوع .
لأن بعض الْمُصَلِّين يرفع صوته بالتأمين ، أو بنحو قوله : سبحانك ، ونحوها .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : يا أيها الناس أرْبَعُوا على أنفسكم ، فإنكم لا تَدْعُون أصَمّ ولا غائبا ، إنه معكم إنه سميع قريب ، تبارك اسمه ، وتعالى جَدّه . رواه البخاري ومسلم .
وقيل للإمام أحمد : إذا قرأ : (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) هل يقول : سبحان ربي الأعلى ؟ قال : إن شاء قال في نفسه ولا يجهر به .
ووجه الدلالة في هذه الأخبار :
أنه إذا جاز ذلك في القراءة في الصلاة ، وقول ذلك خلف الإمام ، جاز في الدعاء ، والترديد خلف الإمام في القنوت .
وأنكر بعض الفضلاء قول المأموم : سُبحان الله في الثناء والتمجيد ، واستدلّ بقول الله : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) ، واعْتَبَر معنى " سبحان الله " تَنْزِيه ، لا يليق بهذا الموضع .
وهذا لا يُسلَّم لقائله ، فإن " سبحان الله " تُقال في التمجيد أيضا : (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) ، ويقول جَلّ جلاله : (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) .
وأظْهر ما يكون في التمجيد والثناء قوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .
(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
وفي التمجيد والثناء قوله عزَّ وجَلّ : (وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) .
فعِنْد الركوب : (وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا) .
فهذا شُكر وثناء على الله تعالى .
وقال في تمجيد نَفْسِه بِنفْسِه : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
وقال في ذِكْر ثناء عباده عليه تبارك وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا) .
ومما يدلّ على أن قول " سبحان الله " تَرِد في موضع الثناء والتعظيم ، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود : سُبّوح قُدّوس ، رب الملائكة والروح . رواه مسلم .
قال النووي : المراد بالسبوح القدوس : الْمُسَبَّح المقدس فكأنه قال مسبح مقدس رب الملائكة والروح . اهـ .
وقال العيني : ومعنى سبوح قدوس : أي: تسبيح وتقديس وتعظيم . اهـ .
وقوله عليه الصلاة والسلام في الركوع والسجود : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي . رواه البخاري ومسلم .
مع قوله عليه الصلاة والسلام : فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل . رواه مسلم .
فهذا كلّه في الثناء على الله والتمجيد بِقولِ : سبحان الله .
وقول سبحان الله ذِكْر وثناء .
قال ابن كثير :
والذكر نوعان :
أحدهما (1) : ذِكْر أسماء الرب وصفاته والثناء عليه، وتَنْزِيهه وتقديسه عمّا لا يليق به . وهذا أيضا نوعان :
أحدهما (أ) : إنشاء الثناء بها مِن الذاكر، وهذا النوع هو المذكور في الحديث نحو: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونحو ذلك، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه نحو: سبحان الله عدد خلقه ، فهذا أفضل مِن مجرد سبحان الله، وقول: الحمد لله عدد ما خلق في السماء، وعدد ما خلق في الأرض، وعدد ما خلق بينهما، وعدد ما هو خالق، أفضل مِن مُجرد قولك: الحمد لله، وهذا في حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لقد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم، لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته". رواه مسلم...
والنوع الثاني (ب) : الخبر عن الرب تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: إن الله عز وجل يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا يخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم من آبائهم وأمهاتهم، وهو على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده مِن الفاقد الوَاجِد ونحو ذلك. وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى عليه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل كما قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، وهذا النوع أيضا ثلاثة أنواع : حمد، وثناء، ومجد.
فالحمد : الإخبار عنه بصفات كماله مع محبته والرضا عنه، ولا يكون المحب الساكت حامدا، ولا المثنى بلا محبة حامدا، حتى يجمع له المحبة والثناء، فإن كرر المحامد شيئا بعد شيء كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مَجْدا ... . اهـ .
وينبغي أن يُعلَم : أن التسبيح نوعان : تسبيح دلالة ، وتسبيح عبادة .
قال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) .
قال القرطبي : وهو تسبيح دلالة لا تسبيح عبادة . اهـ .
وقال ابن كثير :
يقول تعالى : تُقَدِّسه السماوات السبع والأرض ومن فيهن ، أي : من المخلوقات، وتُنَزِّهه وتعظمه وتُجِلّه وتُكَبِّره عمّا يقول هؤلاء المشركون ، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته . اهـ .
وقال ابن حجر : لا يلزم أن يكون التسبيح أفضل من التهليل ، لأن التهليل صريح في التوحيد ، والتسبيح متضمن له ، ولأن نفي الآلهة في قول : " لا إله " نفي لِمُضْمَنِها مِن فعل الخلق والرزق والإثابة والعقوبة ، وقول : " إلا الله " إثبات لذلك ، ويلزم منه نفي ما يضاده ويخالفه مِن النقائص . فمنطوق سبحان الله تَنْزِيه ، ومفهومه توحيد ، ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ، ومفهومه تَنْزِيه. اهـ .
وأما قول بعض المأمومين : نشهد ، بلفظ الجمع ، فهو خطأ ، بِخلاف ما لو أُفْرِد بلفظ : أشهد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جَمَع صَّيَغ ( الحمد ، والاستعانة ، والاستغفار ) ، وأفْرَد لفظ الشهادة في خُطبة الحاجة ؛ فقال : أن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه . وهو حديث صحيح .
وأما حديث : " مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فَلْيَقُلْ : بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ ، وَمَنْ قَرَأَ : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَانْتَهَى إِلَى (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فَلْيَقُلْ : بَلَى ، وَمَنْ قَرَأَ : (وَالْمُرْسَلاتِ) فَبَلَغَ : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) فَلْيَقُلْ : آمَنَّا بِاللَّهِ " ، فقد رواه أبو داود والترمذي ، وهو حديث ضعيف .
وهنا
هل يجوز أن يُقال " بلى " بعد قراءة الآية ( أليس الله بأحكم الحاكمين )
https://alforqan.ahlamontada.com/t21768-topicوالله أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في مركز الدعوة بالرياض