قِصَصٌ لاَ تَصِحُ .. فيِ سِيرَةِ الفَارُوقِ
تشتد الحاجة في هذه الأيام إلى تذكير الناس بسير سلفنا الصالح, ونشر قصصهم وأخبارهم الصحيحة, وابتعاث العبر من ماضيهم الزاهر لنسترشد بها في حاضرنا اليوم:
استرشد الغرب بالماضي فأرشده * ونحن كان لنا ماضٍ نسيناهُ
ولاسيما ماضي الخلفاء الراشدين – رضوان الله عليهم - لأنهم قدوتنا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).
ولكون هؤلاء الخلفاء – رضي الله عنهم - هم اللذين بنوا مجد هذه الأمة وتاريخها:
إني أحـب أبـا حفصٍ وشيعتهِ * كما أحب عتيقاً صـاحـب الغارِ
وقد رضيتُ علياً قــدوةً عـلماً * وما رضيتُ بقتل الشيخ في الدارِ
كل الصحابة ساداتي ومعتقدي * فهل عليَّ بـهذا القـول من عـارِ
وسيرة الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حافلة بالمناقب والفضائل والفتوحات الإسلامية, فهو ثاني الخلفاء, وأول من لقب بأمير المؤمنين, وأول من أرخ التاريخ, وله دور كبير في جمع القرآن الكريم , وقد قال علي رضي الله عنه: (إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر بن الخطاب؛ وقال أيضاً: يا أبا حفص والله طالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "دخلت انا وأبي بكر وعمر, وخرجت أنا وأبي بكر وعمر, وجئت أنا وأبي بكر وعمر" فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك).
ولقد اعتاد بعض الواعظين في القديم والحديث عند ذكر سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يذكروا رجلاً في يده عصاً غليظة وهي "الدرة" يطوف بها بين المجامع, ولا يكاد يدرك خطئاً من أحد إلا وكانت الدرة أسبق إليه من أي تفاهم مسبق , وينسون أن عمر رضي الله عنه كان رقيق القلب وكثير البكاء وقد مات وفي خديه خطان أسودان من البكاء.
وبالغ بعض الكتاب في سرد القصص عن عمر رضي الله عنه ودرته, أو عن شخصيته الذاتية، والمعروفة بالشجاعة في الجاهلية والإسلام؛ حتى خرجت عن الحد المألوف؛ إلى حد الخفة والعياذ بالله, وما هكذا كان عمر رضي الله عنه وإنما استهوت العامة هذه القصص فكثر ذكرها؛ والبس الحق منها بالباطل, ورسمت في الأذهان صورة عن أمير المؤمنين لو عرضت عليه في حياته لأنكرها, وهذا ما أخشى أن يقع فيه بعض من يدعوا لتجسيد سيرته درامياً:
فمن يباري أبا حفص وسيرته * أو من يحاول للفاروق تشبيها
كذاك أخلاقه كانت وما عهدت * بعد النبوة أخلاق تحاكيها
وسأذكر بعض النماذج من تلك القصص التي انتشرت من خلال بعض الكتب والخطب عن سيرة الفاروق للتنبيه عليها:
القصة الأولى
أن عمر رضي الله عنه روئ في المنام فقيل له: ما صنع الله بك فقال: جاء الملكين ليسألاني فمسكتهما وقلت لهما من ربكما.
القصة الثانية
أن عمر رضي الله عنه إذا تذكر أمرين بكى لأحدهما وضحك للآخر , إذا تذكر إنه كان يدفن ابنته وهي على قيد الحياة بكى , وإذا تذكر إنه كان يعبد صنما من التمر فإذا جاع أكله ضحك.
القصة الثالثة
أن حلاقا كان يقص شعر عمر رضي الله عنه فتنحنح فأحدث الحلاق وقيل أغمي عليه فأمر له عمر رضي الله عنه بأربعين درهما.
القصة الرابعة
ذكر أن أهل مصر كانت لهم عادة قديمة وهي ألا يجري النيل في السنة حتى يلقوا فيه جارية بكراً عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون, وقد كتب والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأمر فرد عليه أمير المؤمنين إني قد بعثت إليك بورقة مع كتابي هذا فألقها في النيل؛ وفي الورقة كتاب عمر رضي الله عنه يخاطب به النيل ويقول فيه: "من عمر بن الخطاب إلى نيل مصر أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك فلا تجري، وإن كنت تجري من قبل الله فنسأل الله أن يجريك, فجرى وزاد ستة عشر ذراعا دفعة واحده.
القصة الخامسة
أن عمر رضي الله عنه سأل رجلا فقال: له ما أسمك فقال الرجل: جمرة فقال له: ابن من فقال الرجل: ابن شهاب فقال له: ممن فقال: من الحرقة وهكذا يجيب بما فيه معنى النار ومرادفاتها فقال له عمر: أدرك أهل بيتك فقد احترقوا فلما رجع اليهم فإذاهم قد احترقوا.
فسيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مليئة بالقصص الثابتة عنه في كتب التفاسير ودواوين السنة النبوية وكتب التاريخ .. وقد جعل منه الإسلام إماما وقدوة لهذه الأمة, وهذا دليل على عظمة الإسلام ومدى تأثيره في النفوس.
فأوصي بقراءة سير السلف الصالح أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وسعد وابن المبارك والإمام البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وصلاح الدين وغيرهم ممن أشرق بهم التاريخ الإسلامي.
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرا * يشيدون لنا مجدا أضعناه
فلنعد إلى تاريخنا وماضينا المشرق لنستمد منه العزة والقوة ؛ ولنعد كذلك بعزيمة قوية لقراءة مصادر التلقي وهي الكتاب والسنة ولنترك إضاعة الوقت فيما ليس فيه فائدة للإسلام والمسلمين .