تحنيك المولود وما فيه من إعجاز علميد. محمد بن علي البار
لقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما برعاية الطفولة والأمومة في مراحلها كلها اهتماما
لا يدانيه ما تتحدث عنه منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان ومنظمات الصحة
العالمية..
ولا تبدأ رعاية الطفولة منذ لحظة الولادة بل ولا حتى منذ لحظة تلقيح البويضة
بالحيوان المنوي حينما تتكون النطفة الأمشاج (اللقيحة أو الزيجوت) بل تمتد
هذه الرعاية منذ لحظة التفكير الذي حث عليه الإسلام أيما حث ورغب فيه أيما
ترغيب... قال تعالي {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوَاْ إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مّوَدّةً وَرَحْمَةً إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ
يَتَفَكّرُونَ } (سورة الروم آية 21)..وقال تعالى {يَأَيّهَا
النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً
وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ } (سورة النساء آية 1). وقال تعالى {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} ( سورة النحل آية 72 ).والآيات في هذا الباب كثيرة وكذلك
الأحاديث النبوية الشريفة، وقد أمر صلى الله عليه وسلم باختيار الزوج
الصالح والزوجة الصالحة قال عليه الصلاة والسلام "
إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "(أخرجه أبو داود والترمذي) وقال عليه السلام "
إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه لنكاحها فليفعل"
(أخرجه أبوداود) وأخرج مسلم والنسائي قوله عليه الصلاة والسلام لمن أراد
الزواج هل نظرت إليها؟ قال الرجل لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "
فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا" وأخرج الحاكم والدار قطني عن عائشة رضي الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم "
تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء"
والأحاديث في هذا الباب كثيرة كلها تأمر بحسن الاختيار وبنكاح الأكفاء
والابتعاد عن المرأة الحسناء في المنبت السوء(خضراء الدمن)..وألا يكون
الزواج لمجرد الحسن والجمال، ولا للمال فقط ولا للحسب والنسب،إنما يكون
للدين. قال صلى الله عليه وسلم: (
و لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن , ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن , ولكن تزوجوهن على الدين)
(أخرجه ابن ماجه والترمذي)..وقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما بسلامة النسل
وبكيان الأسرة القوي، ولم يهتم بالجانب الأخلاقي فحسب،إنما ضم إليه الجوانب
الوراثية الجسدية و النفسية.
ومن اهتمام الإسلام بالمولود رعايته لامه أثناء الحمل. قال تعالى {
وَوَصّيْنَا
الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمّهُ كُرْهاً
وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } ( سورة الأحقاف آية 15)..وقال تعالى {
وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْناً عَلَىَ
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيّ
الْمَصِيرُ} ( سورة لقمان آية 14)، وقد أعفى الإسلام الحامل من هم
الرزق (والإعاشة) حتى ولو كانت مطلقة فإن على والده أن يتحمل ذلك، عكس ما
يحدث الآن فالحامل تعمل وتتعرض لمشكلات العمل، بل ليس لها إجازة وضع إلا في
وقت محدد، بل الغريب حقا أن الولايات المتحدة لا تعترف حتى اليوم بإجازة
الوضع، إنما تعطي المرأة إجازة مرضية في حدود أسبوعين، وعليها بعد ذلك أن
تعود إلى العمل...
فليس على المرأة في جميع أطوار حياتها
ــ أن تهتم بموضوع الإعاشة والسكن..ففي طفولتها او ما قبل الزواج فنفقتها
على والدها أو ولي أمرها. وما بعد الزواج نفقتها على زوجها حتى ولو كانت
غنية،إلا أن تطوع، وتبقى نفقتها عن زوجها ــ حتى لو طلقها في أثناء
العدة..فإذا كانت حاملا لا تنتهي العدة إلا بالولادة فإن أرضعت طفلها فلها
أجر الرضاع من مال زوجها، قال تعالى{
وَإِن
كُنّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنّ حَتّىَ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ
فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَأْتَمِرُواْ
بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىَ}( سورة الطلاق آية 6) وقال تعالى (
وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن
يُتِمّ الرّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ
بِالْمَعْرُوفِ ) ( سورة البقرة آية 233). فإذا ولد الطفل فإن على
والده أن يؤذن في أذنه اليمنى وأن يقيم في اليسري ليكون أول مايصل إلى سمعه
ذكر الله والأذان والإقامة، وهو أمر مستحب قد وردت به الأحاديث الصحيحة
الحسنة كما يجب عليه أن يعق عنه (إن استطاع وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا
وسعها) ويستحب أيضا تحنيكه.. كما ينبغي الحذر كل الحذر من تسخط ما وهب الله
له من البنات ولا يكن مثل الجهلة والكفرة اللذين لمزهم الله سبحانه وتعالى
بقوله {
وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ
بِالاُنْثَىَ ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَىَ مِنَ
الْقَوْمِ مِن سُوَءِ مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىَ هُونٍ أَمْ
يَدُسّهُ فِي التّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } (سورة النحل آية 58و59).
بعض الأحاديث الواردة في التحنيك:1.
أخرج البخارى في صحيحه عن أسماء بنت أبى بكر الصديق رضي الله عنهما أنها حملت بعبد الله بن
الزبير بمكة. قالت خرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت قباء فولدت بقباء ثم
أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها
ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
حنكه بالتمر ثم دعا له فبرك عليه، فكان أول مولود يولد في الإسلام ففرحوا
به فرحا شديدا،لأنهم قد قيل لهم أن اليهود سحرتكم فلا يولد لكم.(كتاب العقيقة الحديث رقم/47500وكتاب المناقب حديث رقم 3619وأخرجه أيضا مسلم في
صحيحه كتاب الآداب رقم 3999وأخرجه أحمد في مسنده في مسند الأنصار حديث
رقم25701).
2. وأخرج مسلم في صحيحه" كتاب الآداب
حديث رقم 3996"عن أنس بن مالك قال:"
كان ابن لابي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة
فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال:ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم هو الآن أسكن
مما كان، فقربت اليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت واروا الصبي
فلما أصبح أبو طلحة أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال" أعرستم
الليلة؟" قال: نعم قال: "اللهم بارك لهما". فولدت غلاما قال لي أبو طلحة
احمله حتى تاتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به الرسول صلى الله
عليه وسلم وبعثت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أمعه
شيء" قالوا نعم تمرات، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذها من
فيه فجعلها في في الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله. وفي كتاب فضائل الصحابة
"فضائل أم سليم" بنفس القصة بأطول مما هوههنا. "صحيح مسلم ــ ج16ـ12ـ 12"
أخرجه أحمد في مسنده"في مسند المكثرين حديث رقم12332"وفيه: فتناول أي النبي
صلى الله عليه وسلم تمرات فألقاهن في فيه فلاكهن ثم حنكه ففغر الصبي فاه
فأوجره، فجعل الصبي يتلمظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أبت الأنصار إلا
حب التمر "وسماه عبدالله
3. وفي الصحيحين" البخاري في العقيقة
باب تسمية المولود،ومسلم في الآداب باب استحباب تحنيك المولود عند
ولادته"عن أبي موسى الأشعري قال:ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه
وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة.وزاد البخاري "و دعا له بالبركة ودفعه
إلي".
مستوى السكر في دم المولودين:إن مستوى سكر الجلوكوز في دم الأطفال اليافعين والبالغين يتراوح ما بين 70و120ملليجرام
لكل 100ملليلتر من الدم في حالة الصيام ويرتفع بعد الأكل "أو شرب مواد
سكرية إلى أقل من 180ملليجرام خلال ساعة ثم يعود ليهبط لمستواه خلال
ساعتين. أما بالنسبة للمولودين حديثا فإن مستوى السكر في الدم يكون منخفضا.
وكلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر منخفضا. وبالتالي فإن
مواليد الخداج "وزنهم أقل من 2.5كجم "يكون منخفضا جدا بحيث يكون في كثير من
الأحيان 20ملليجرام لكل 100مللترا من الدم..وأما المواليد أكثر من 2.5كجم
فإن مستوى السكر في الدم لديهم يكون عادة فوق 30ملليجرام. ويعتبر هذا
المستوي "30ملليجرام أو اقل عند من يكون وزنهم أكثر من 2.5كجم أو 20 جرام
أو أقل عند المواليد الخداج " و يعتبر هذا المستوى هبوطا شديدا في مستوى
سكرالدم. ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية:
1. أن يرفض المولود الرضاعة.
2. ارتخاء العضلات.
3. توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق في الجسم.
4. اختلاجات ونوبات من التشنج.
وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة وهي:
1. تأخر في النمو.
2. تخلف عقلي.
3. شلل دماغي.
4. إصابة السمع أو البصر أو كليهما.
5. نوبات صرع متكررة(تشنجات)
وإذا لم يتم معالجة الحالة في حينها قد
تنتهي بالوفاة،رغم أن علاجها سهل وهو إعطاء سكر الجلوكوز مذابا في الماء
إما بالفم إذا كان المولود قادرا على البلع أو بواسطة الوريد إذا لم يكن
قادرا على البلع مع معالجة الإنتانات و الأمراض الأخرى المصاحبة، مع توفير
الأكسجين بالحضانات وخاصة لدى مواليد الخداج.
المناقشة:إن
قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن
يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة
بالغة. فالتمر يحتوي على السكر "الجلوكوز" بكميات وافرة وخاصة بعد اذابته
بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي سكروز إلى سكر
أحادي كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات وبالتالي يمكن للطفل المولود
أن يستفيد منها.
وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون
للسكر "الجلوكوز" بعد ولادتهم مباشرة فإن إعطاء الطفل التمر المذاب يقي
الطفل من مضاعفات نقص السكر الخطيرة والتي المحنا إليها فيما سبق مخاطر نقص
السكر "الجلوكوز" في دم المولود.
إن استحباب تحنيك الطفل بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم
تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر، وإن المولود و خاصة إذا كان
خداجا، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولا سكريا. وقد
دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه
المولود بعد ولادته مباشرة. ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه. إن هذه الأحاديث
الشريفة المتعلقة بتحنيك الأطفال تفتح آفاق مهمة جدا في وقاية الأطفال و
خاصة الخداج " المبسترين "من أمراض خطيرة جدا بسبب إصابتهم بنقص سكر
الجلوكوز في دمائهم. كما وان إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة أنها
توضح إعجازا طبيا لم يكن معروفا في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة
التي تلته حتى أتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين.