البدعة تعريفها: مأخوذة من البدع، وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ [البقرة:117]، وقوله سبحانه: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ ٱلرُّسُلِ [الأحقاف:9]، أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله تعالى إلى العباد. ويقال: ابتدع فلان بدعة، أي ابتدأ طريقة لم يسبق إليها. أقسام الابتداع: 1- ابتداع في العادات: كابتداع المخترعات الحديثة، وهذا مباح لأن الأصل في العادات الإباحة. 2- ابتداع في الدين: وهذا محرم لأن الأصل فيه التوقيف قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) رواه البخاري ومسلم. أنواع البدع في الدين: أولاً: بدعة قولية اعتقادية: كمقالات الجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم من الفرق الضالة. ثانياً: بدعة في العبادات كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها، وهي أنواع:- 1- ما يكون في أصل العبادة، كأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الدين، كأعياد الموالد. 2- ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة: كما لو زاد ركعة خامسة في الظهر. 3- ما يكون في صفة أداء العبادة، بأن يؤديها على صفة غير مشروعة، وذلك كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة. 4- ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع، كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته بصيام وقيام. فإن أصل الصيام والقيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل صحيح. حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها: كل بدعة في الدين فهي محرمة وضلالة. لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)). وقوله: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)). ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة: فمنها: ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكمقالات غلاة الجهمية والمعتزلة. ومنها: ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها. ومنها: ما هو فسق اعتقادي، كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية. ومنها: ما هو معصية كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس والخصاء بقصد قطع الشهوة. تنبيه:- ليس هناك بدعة في الدين حسنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن كل بدعة ضلالة)). أما عن قول عمر رضي الله عنه" نعمت البدعة هذه" يقصد صلاة التراويح جماعة، فإنه يقصد البدعة اللغوية حيث إن صلاة التراويح جماعة له أصل في الدين حيث فعله الرسول صلى الله عليه وسلم. أما عن جمع القرآن في كتاب واحد وكتابة الحديث وتدوينه فإن ذلك له أصل في الدين حيث ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك. أسباب ظهور البدع:- 1- الجهل بأحكام الدين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد. ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)). 2- اتباع الهوى، من أعرض عن الكتاب والسنة اتبع هواه يقول تعالى: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ [القصص:50]. ويقول سبحانه: أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ [الجاثية:23]. 3- التعصب لآراء الرجال، فإن ذلك يحول بين المرء واتباع الدليل ومعرفة الحق، قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا [البقرة:170]. وهذا هو حال كثير من متعصبة المذاهب والطرق الصوفية والقبوريين. 4- التشبه بالكفار: عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر. إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138]، لتركبن سنن من كان قبلكم)). وهذا هو نفس الواقع اليوم فإن غالب الناس من المسلمين قلدوا الكفار في عمل البدع والشركيات كأعياد الموالد وإقامة الأيام والأسابيع لأعمال مخصصة والاحتفال بالمناسبات الدينية والذكريات وإقامة التماثيل والنصب التذكارية وإقامة المآتم وبدع الجنائز والبناء على القبور وغير ذلك. 5- إحسان الظن بالعقل، وجعله مهيمناً ومقدماً على النقل من نصوص الكتاب والسنة، كبدع أهل الكلام والفلسفة والسفسطة. الوقاية والعلاج: ولعله يتبين مما سبق عرضه من الأسباب الموقعة في البدع، إن الوقاية والعلاج من البدع يكمن في : - الاعتصام بالكتاب والسنة الصحيحة. - والعلم فيهما. - والرجوع إلى العلماء الربانيين العاملين الثقات في كل صغيرة وكبيرة. - والتحرز من الهوى وتحكيم العقول في الدين ومن تقليد الكفار. نماذج من مواقف أهل السنة والجماعة من المبتدعة: 1- عن عمرو بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج. فلما خرج قمنا إليه جميعاً. فقال: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمراً أنكرته، ولم أرَ والحمد لله إلا خيراً. قال: وما هو؟ قال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى. فيقول: كبروا مائة. فيكبرون مائة. فيقول: هللوا مائة. فيهللون مائة. فيقول: سبحوا مائة. فيسبحون مائة. قال: (أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد. قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم !! هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر. والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة!! قالوا:والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال وكم مريد للخير لن يصيبه. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وأيم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم). فقال عمرو بن سلمة: (رأينا عامة أولئك يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج). 2- جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال: من أين أحرم؟ فقال: من الميقات الذي وقّت رسول الله، وأحرم منه. فقال الرجل: فإن أحرمت من أبعد منه؟! فقال مالك: لا أرى ذلك. فقال: ما تكره من ذلك؟ قال: أكره عليك الفتنة. قال: وأي فتنة في ازدياد الخير؟ فقال مالك: فإن الله تعالى يقول: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ، وأي فتنة أعظم من أنك خصصت بفضل لم يختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم. مواقف السلف من المبتدعة:- يختلف الموقف من المبتدع باختلاف البدعة ذاتها، من حيث أهميتها أو حقارتها. وباختلاف المبتدع من حيث كونه داعياً لها أو مستتراً بها، أو كونه مع جماعة لهم قوة وسلطان، أو ليس لها ذلك، ولكن على وجه العموم فإن مواقف السلف من المبتدعة يمكن إجمالها في النقاط التالية:- 1- التحذير من البدع، والتنفير من المبتدعة. 2- النهي عن مجالسة ومحادثة أهل البدع، والأمر بهجرهم ومقاطعتهم وترك مجادلتهم إذا كان ذلك أنفع لهم وللناس. 3- مناظرتهم وتبيين الحق لهم لمن يستطيع ذلك من أهل العلم. 4- التأديب والتعزير بالضرب والحبس من جهة السلطان، كما فعل عمر مع صَبيغ بن عُسْل. 5- إظهار السنة والدفاع عنها. 6- مجالسة المبتدعة وزيارتهم لردهم عن البدعة لمن يستطيع ذلك. |