الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.. والصلاة والسلام على خير خلق الله.. من اختاره ربنا واجتباه.. وأحبه وارتضاه.. وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.. وبعد:
قال تعالى:
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].
التفكر.. عبادة أمرنا الله عز وجل أن نتعبده بها.. فيتفكر المرء فيما حوله من المخلوقات من سماء وأرض وما تحويهما من مخلوقات تدل على وجود الرب -جل جلاله-.. فمن هذه المخلوقات التي أمرنا بالتفكر والتبصر فيها نفوسنا وما تحمله من عجائب في دقة تكوينها وتصويرها وتركيبها.. وأقرب الناس للتفكر فيها هو أنت أيها الطبيب؛ لأنك ترى في كل يوم عجائب خلق الله وقدرته؛ في دقة خلق الإنسان من أعضاء صغيرة لها تأثير كبير؛ فلو تعطل جزء من أجزاء الجسد لفسد ومرض ولأنفق عليه صاحبه الأموال الكثيرة لإصلاحه.. فسبحان الخالق.. فينبغي أن يتحول الطب إلى إصلاح الروح والجسد معاً..
فأنت أيها الطبيب عضو فعال ومهم في مجتمعنا.. ومهنتك الطبية مسؤولية عظيمة كلفت بها ونحسبك أهلًا لها.. فحري بك أن تسير في عملك وفق شرع الله؛ حتى تتحقق فيه العبودية لله تعالى؛ العبودية المطلقة؛ قال تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]؛ فَلَسْتَ من أمة تعيش حياة مزدوجة؛ فإذا جاء وقت الصلاة كنت عبدًا لله، وإن رجعت منها رجعت إلى حياتك المادية البحتة، ولا يصبح عندك ضابط؛ لا من شرع يحكمك، ولا من دين يضبط جوارحك وسلوكك، ولا حتى من عادات وتقاليد.. بل أنت عبد لله في بيتك وعيادتك وأكلك وشربك ونومك وذهابك وإيابك..
والعبودية تشمل جوانب الحياة كلها.. وبناءً على ذلك فلا بد من استشعار العبودية لله تعالى حتى في وضعك للسماعة.. ووصف الدواء.. وإجراء العملية.. إذا أخلصت لله تعالى.. قال تعالى:
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
فالطبيب الداعية ليس هو ذاك الإنسان الذي تغرب عن الأهل والوطن ليحصل على شهادة تثبت حصوله على درجة طبية في علم الطب؛ بل هو داعية إلى الله بالدرجة الأولى بفعله قبل قوله؛ فالمجال الذي يعمل فيه الطبيب يؤهله للقيام بدور كبير في الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي تصحيح واقع ونفسيات كثير من الناس.
الطبيب الداعية ليس كالدعاة الآخرين الذين يصلحون الناس في الطرق العامة والاجتماعات الخاصة وغيرها؛ فهؤلاء الدعاة قد يواجهون بصدود كبير وبمقاومات عنيفة وعوامل كثيرة تجعلهم لا يستطيعون إيصال النصح والإرشاد للناس.
أما الطبيب فعنده فرصة ذهبية لا تكاد تتاح لغيره.. وهي تعامله مع شخص أقبل إليه في حالة ضعف أو موت وشيك؛ فنفسيته حينئذ متقبلة لكل ما يملى عليها من رقائق تقربه إلى الله -عز وجل- أكثر من أي شخص آخر.. وهنا تبرز قضية الجانب الإيجابي الذي يتمتع به كثير من الأطباء والذي لا يكون لغيرهم من المسلمين المصلحين الذين يدعون في أماكن أخرى.
فنجد أن النصارى استغلوا هذه المهنة استغلالاً كبيراً في نشر ديانتهم الباطلة؛ فلا يعطي الدواء للمريض حتى يعلق الصليب على صدره، ولا يقدم له أي خدمة طبية حتى يقر أمامه أن دينهم هو الدين الصحيح.. فنحن أولى منهم في الدعوة إلى عقيدتنا وسماحة شريعتنا..
أفكار دعوية للعاملين في مهنة الطب
هنيئاً لك أيها الطبيب.. وهنيئاً لكِ أيتها الطبيبة..
هذه الدعوات التي ترفع لكما من أفواه المسلمين لعملكما النبيل الذي يسره الله لكما.. ووفقكما للخوض فيه والقيام بمتطلباته على أكمل وجه.. فكم من مريض خفَّفْتم من مرضه بإذن الله!.. وكم من مكروب فرجتم كربته!.. وكم من نفس شارفت على الهلاك فأنقذتموها بإذن الله!..
وكم من محروم من نعمة الأولاد ساعدتموه على الإنجاب!.. وكم.. وكم..
أعمال وجهود لا تعد ولا تحصى.. فقلوب الناس تحبكما وتدعو لكما لمواقفكما المشرقة وأعمالكما المشرفة.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
هنيئاً.. ثم هنيئاً هذا المجال الدعوي الفسيح.. فالمستشفى أرض خصبة للدعوة.. فالمريض يأتي ويقدم بدنه لكما لتعملا فيه ما ينفعه ويصلحه.. إن أُمر أطاع.. وإن مُنع امتنع..
فحري بكما أن تبذلا ما في وسعكما لإنقاذ هذه النفوس من النار والعذاب.. ولتوجهوا هذه القلوب لبارئها.. فعند الضعف يغفل القلب عن التوكل على الله ويعتمد فقط على الأسباب الحسية.. فكم من ضال اهتدى!.. وكم من كافر أسلم!.. وكم من عاص تاب وأقلع عن ذنبه وعصيانه!.. بسبب كلمة أو إشارة منكما أخلصتما فيها.. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال
:
لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم [متفق عليه]..
وهنيئاً أيها الموفقان.. ثم هنيئاً لكما فرصة تطبيق كثير من الأحاديث والسنن التي يمكن أن لا يجد الشخص العادي مجالاً عملياً لتطبيقها.. بعكس واقعكما فهو يمكنكما من تطبيقها..
ومحبة مني في أن أشارككما في هذه المهنة العظيمة التي أسأل الله ألا يحرمكما أجرها أود أن أطرح بعض الأفكار التي تساعدكما في الدعوة إلى الله وتكسبكما الحسنات منه سبحانه وتعالى، وتفيدان منها بإذن الله تعالى في العيادة، أو مع المريض مباشرة، أو في غرف التنويم، أو في المستشفى عموماً وهي كما يلي:
1- عند إعطاء المريض الوصفة يمكن أن يرفق معها هدية تشتمل على: كتيب وشريط ونشرة تكون منتقاة لتفيد المريض.. ويمكن كتابة إهداء عليها من الطبيب (عبارة تدعو فيها للمريض بالشفاء وما شابه ذلك).
2- تذكير المريض بقضية الرضا بالقضاء والقدر، وأن المرض والشفاء من عند الله عز وجل؛ عن جابر بن عبدالله
أن الرسول
دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال:
مالك يا أم السائب، أو يا أم المسيب، تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها. فقال:
لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد [رواه مسلم في صحيحه]، قال تعالى:
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216].
وقد يتمنى المريض الموت؛ لشدة ما يجد من الألم، فيُذكَّر بما وقع للنبي
في مرض موته.. ويُذكَّر بحديث النبي
الذي رواه أنس رضي الله عنه:
{ لا يتمنَّيَنَّ أحدكم الموت لِضُرٍّ نزل به؛ فإن كان لا بُدَّ متمنِّيًا للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي } [رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري].
3- بشاشة الوجه.. عن أبي ذر
قال: قال
:
{ وتبسُّمُك في وَجْهِ أخيك صدقة } [رواه الترمذي وابن حبان وصححه، المحدث: الألباني، صحيح لغيره].
فإذا أقبل الطبيب على المريض يحسن أن يكون بشوش الوجه.. طلق المحيَّا.. طيب الكلمة.. وأن يقول له:
{ لا بأس طهور } [رواه البخاري عن ابن عباس]. فما زار النبي
مريضًا إلا قال له هذا الدعاء.. فمعلوم أن جزءًا من المرض ناتج عن تفاعلات نفسية.. فتعالجه وأنت تدعو له.. وتطمئنه.. وتسكِّن قلبه.. وتذكِّرُه بالله.. فمثل هذه الكلمات والحركات السهلة الخفيفة تزيل ما في نفس المريض من القلق والخوف، وتجلب له الارتياح وتجعله يتقبل منك أي شيء تمليه عليه.
4- الرفق بالمريض أثناء علاجه وتوقي الحكمة عند إبلاغه بمرضه والتدرج في ذلك.. ومراعاة نفسيات المرضى.. فإن خيف عليه الانهيار والقنوط.. فلا يقال له: فيك مرض خطير وحالتك سيئة جداً.. لا.. بل يذكر بالله ويطمأن.. ويتفاءل به وعليه وله.. ويقال له: هذا قضاء الله وقدره، وأنه يجب عليك الإكثار من ذكر الله.. المهم أن تشعره بأن عليه أن يراجع نفسه وماله، ويتأهب للموت بطريقة غير مباشرة.. وكل بحسبه في التحمل.. ويمكن أن يستعان بمشورة أهل الرأي من أقاربه في الطريقة المثلى لإخباره..
5- توزيع فتاوى تهم المريض المقيم في المستشفى تتكلم عن كيفية الطهارة والصلاة ونحو ذلك مما يحتاجه المريض؛ لتستقيم عبادته لله.
6- استغلال وقت المريض بما ينفعه في أخراه.. فتضع في كل غرفة مصحفًا ومجموعة من الكتيبات والنشرات.. وتذكره بالأوقات الفاضلة والسنن المستحبة؛ إما بالمرور عليه أو وضع مكبرات في الغرف متصلة بغرفة الإرشاد التي سنتكلم عنها لاحقًا إن شاء الله.
7- أمر المريض بالمعروف ونهيه عن المنكر.. فيسأل عن حاله مع الصلاة، ثم يبين له كيفية الوضوء والصلاة، وإن كان يحتاج إلى أن يوجه إلى القبلة وجه لها.. ويذكر له ما فاته من الصلوات في وقت العملية بتأثير المخدر أو الغيبوبة.. كذلك لو كان سبب المرض معصية أو كبيرة من الكبائر يبين له حكم فعله، ويذكر له مضاعفات هذا المرض حتى يرتدع عن معصيته، وإن كان عليه مخالفات شرعية غير مرتبطة بالمرض فإنه يوجه وينصح..
8- وضع بديل مشروع عن التلفاز مثل شريط فيديو نافع وخالٍ من المحظورات الشرعية (محاضرات - نداوت - غير ذلك).
9- استضافة دعاة ومشايخ للمرضى للاستفتاء إما عن طريق حضوره شخصياً أو عن طريق الهاتف.
10- احتساب الأجر عند المرور على المرضى لمتابعة حالتهم على أنها زيارة مريض؛ فقد ينسى هذا الاحتساب في غمرة العمل والاعتياد على ممارسة هذا العمل.
عن ثوير عن أبيه قال: أخذ علي بيدي فقال: انطلق بنا إلى الحسن بن علي نعوده، فوجدنا عنده أبا موسى الأشعري، قال علي لأبي موسى: عائداً جئت أم زائراً؟ فقال: عائداً. فقال علي: فإني سمعت النبي
يقول:
{ ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنة } [رواه أحمد، صححه الألباني].
11- الرقية على المريض.. بوضع اليد على موضع الألم، وقول سبع مرات:
{ أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك } [رواه أبو داود والترمذي، صححه الألباني].
وحث المريض على رقية نفسه؛ بأن يضع يده على الجزء الذي يؤلمه ويقول:
{ بسم الله -ثلاثاً- وقل، سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر } [رواه ابن حبان في صحيحه عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، صحيح مسلم]، وقراءة الفاتحة، وغيرها من الأدعية.
12- إذا حضر الموت للمريض فإنَّ عليك أن تكون قريباً منه؛ حتى تسمع وصيته؛ فقد يشي المريض بأمور لم يطلع عليها أحد غيرك.. كذلك تساعده في تذكيره بنطق الشهادة؛ حتى ولو كان المحتضر كافراً.. فتَذْكر الله بصوت يسمعه وبدون أن تضجره؛ لأنه في حال شديدة قال
:
{ إن للموت سكرات } [رواه البخاري].. ثم إذا مات تغمض عينيه وتلين مفاصله حتى يسهل تغسيله، ثم تغطي جسده بملاءة.. ثم بعد ذلك تخبر أهله بطريقة لا تفزعهم..
ويجب عليك الإسراع في إخبارهم؛ ليسرعوا في قضاء دينه وتجهيزه والصلاة عليه ودفنه، ولأنه قد يترتب عليه أحكام مثل الإحداد للمرأة وغيرها.
13- يمكن تعليق بطاقات دعوية على باب العيادة، أو في الاستراحات، أو في غرف المرضى المقيمين.. يكتب فيها فوائد أو فتاوى يحتاجها من في المستشفى.. وتكون دورية كل شهر حتى تعم الفائدة.. وكذلك تعليق كلمات تذكِّر بذكر الله..
14- وضع مكتب دعوي للإرشاد والتوجيه.. وتكون مهمته متابعة الأمور الدينية للمرضى.. ويعلق في كل غرفة رقم تحويلة هذا المكتب؛ ليتمكن المريض من الاتصال والاستفتاء عما يشكل عليه..
15- دعوة غير المسلمين من العاملين في القطاع الصحي؛ إما بالمحاورة أو بوضع مكتبة صغيرة للجاليات؛ فقد تستقدم العمالة الكافرة وتقيم بين ظهرانينا السنوات الطويلة، وقد تنطق بكلماتنا العربية وألفاظنا الإسلامية، وهي مع ذلك لم تدع إلى الإسلام ولو بالكلمة أو بالكتيب أو بالشريط.. والله المستعان.. فهؤلاء مسؤولية من؟!
وأهم من ذلك دعوة الكفار بالفعل؛ فهو أقوى من القول بامتثال سنة النبي
والسماحة وكل خلق كريم..
16- الاستفادة من الأحواض بوضع تراب في كل غرفة..
17- الاستفادة من السنترال؛ فيوضع بدلًا من الموسيقى مادة مسجلة مفيدة، أو يربط بإذاعة القرآن..
أيها الطبيب.. أيتها الطبيبة..
اعلم أن مجال الدعوة شاق؛ وإلا لما قال
:
{ حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات } [رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح مسلم]؛ لكن حسبكما ما تجدانه من انشراح الصدر عند سماع تلك الدعوات التي تخرج من صميم الفؤاد؛ فقد يدعو لكما من لو أقسم على الله لأبره.. وقد يدعو لكما من أمضى حياته ساجدًا راكعًا.. أجور عظيمة لا يحصل عليها إلا من وفقه الله.. فبعملكما الدؤوب وإخلاصكما وتفانيكما في النصح لهؤلاء المرضى الضعفاء تكونا ممن وفقه الله..
وقد يقول قائل: إن ما طرح من الأفكار إنما هي مثالية فقط.. فأقول: نعم قد تكون مثالية؛ لكن ما أجملها من مثالية يصبو إليها كل امريء مؤمن!.. فهي مثالية تهفو لها القلوب.. لأن من تحقق فيه جانب من جوانب هذه المثالية؛ يكون قد طبق كثيرًا من الآيات والأحاديث..
فالطبيب القدوة الذي يسن السنن الحسنة يدخل في قوله
:
{ من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء } [رواه مسلم عن المنذر بن جرير عن أبيه]. ومن نصح وأرشد ودل على الخير دخل في قوله
:
{ الدال على الخير كفاعله } [رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، صححه الألباني].
ومن أغاث وأنقذ من أشرف على الهلاك، دخل في قوله تعالى:
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32].
ومن فرَّج عن مكروب دخل في قوله
:
{ ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نَفَّسَ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة } [رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح مسلم].
ومن تبسَّم في وجه مريضه وأدخل السرور عليه دخل في قوله
:
{ لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق } [رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه].
ومن قال كلمة طيبة لمريضه دخل في قوله
:
{ الكلمة الطيبة صدقة } [رواه البخاري وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وغيرها كثير من الأجور والحسنات التي لا يمكن حصرها إذا أخلصت وصبرت وصابرت.. قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].
عذراً أخي الطبيب.. عذراً أختي الطبيبة..
فإن لكما في القلب قدراً.. ومن المحبة ثقلاً.. ما يدفعني إلى إلقاء الضوء على بعض الأخطاء التي قد يقع فيها البعض.. والتي يعز على كل غيور أن يراها في محيطكما؛ سواء منكما أو من غيركما، فإذا لم تعالجا الأمر كادت العقوبة أن تعم.. وأخشى عليكما من مغبتها.. ويعلم الله أنها كلمات خرجت من القلب علها تصل إلى قلبيكما.
المخالفات التي يقع فيها بعض الأطباء والطبيبات
لا شَكَّ أن مجال الطب عرضة لكثير من الأخطاء والمخالفات الشرعية؛ بيد أنه لا يعمم على كل العاملين؛ بل إن منهم من هو صورة مضيئة تنشرح الصدور عند رؤيتها، وتلهج الألسنة بالدعاء لها؛ فهي تستحق أن يثنى عليها ولا يهضم حقها.. فهي قمة في تطبيق تعاليم الدين الحنيف، تتعلم الضوابط والحدود الشرعية كما تتعلم علمها الطبي.. فلا ترضى أن تهتك محارم الله، ولا أن يتعدى حدوده.. فاللهم أكثر من أمثالها، وسدد على طريق الخير خطاها..
لكن من جانب آخر هناك صور تنقبض الصدور عند رؤيتها فهي غارقة في المعاصي، فلا ضوابط ولا حدود تحكمها..
تعمل في مجالها الطبي فقط.. فلا أمانة ولا اهتمام بمسألة الصلاة ولا ستر العورات وغيرها من المخالفات الكثيرة التي تدنس شرف المهنة، وسأذكر هنا المخالفات الظاهرة التي قد يقع فيها بعض الأطباء والطبيبات..
وهي ملاحظات تحكي واقعًا نعيشه وإن كان فيها شيء من الصراحة والجدية، ولكن حسبكما أن هدفي هو التذكير والإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله..
1- الصلاة.. قد تؤخر الصلاة عن وقتها بلا حاجة أو ضرورة.. وهذا أمر خطير؛ فالصلاة عماد الدين.. لذا يجب أن تعرف أحكام وأحوال تأخيرها؛ فلو -مثلاً- أتت حالة طارئة لا تسمح بتأخير العملية؛ فيجوز تأخير الصلاة، لكن إن كانت الحالة عادية فلا يجوز تأخيرها ويجب أداؤها في وقتها، ويجب أيضًا أن يؤقت للعملية التوقيت المناسب؛ بحيث يمكن أداء الصلاة في وقتها.. وأما إن كان زمن العملية يطول وقد يدخل وقت على وقت، فيجب أن تكون الصلاة مما يمكن جمعها مع التي تليها؛ مثل الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء [من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله].. فلينتبه لهذا الركن.
2- الاختلاط والخلوة.. وما أدراك ما الخلوة! أمرها مفجع؛ فيختلي الرجل بالمرأة بأي شكل من الأشكال وبأي صورة من الصور بسبب هذه المهنة، وكأنها أصبحت من المسلَّمات في الدين.. ومع أن الحديث الوارد صحيح صريح في بيان حرمته، إلا أنه في المستشفيات قد عمَّ وطمَّ؛ قال
:
{ ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان } [صححه الألباني].. وما نسمع من المصائب إلا بسببها.. فالحماية مطلوبة من المرأة والرجل؛ فالمرأة تخفي مفاتنها وتعف نفسها، والرجل يبعد عن مواطن الفتن ويغض بصره ولا يرضى بالخلوة أبدًا؛ لأن الشيطان يكون حاضرًا فتحصل المفسدة ويقع ما لا تحمد عقباه..
3- ما نلاحظه من عدم الاهتمام بالأمانة التي طوقتما بها حين أديتما القسم الذي أقسمتموه بعد التخرج بأن تنصحا للمريض.. ومع ذلك نجد صورًا كثيرة تخل بالأمانة ومنها: ما أن يخرج المريض من غرفة العمليات ينسى.. إلى أن يأتيه الفرج من الله، فلا تتابع حالته ولا يسأل عنه، وكذلك عدم سؤال المريض السؤال الكافي لتشخيص حالته؛ فقد يعطى دواءً يضره ولا ينفعه، فكم سمعنا وشاهدنا من حالات الشلل أو العمى أو الوفاة بسبب الإهمال!؛ فقد يكون بسبب استخدام إبرة قد انتهت مدة صلاحيتها، أو أنها لا تناسب المريض، وكذلك عدم الاهتمام بالمريض إلا إذا كان من الشخصيات الكبيرة أو من له واسطة، وهذا من الخطأ.
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ... [النساء:135].
4- انشغال بعض الأطباء والطبيبات الكبار بالدنيا انشغالًا يخل بعملهما الرئيس؛ فتؤخَّر المواعيد، ويُهمل المرضى، وتتفاقم مشاكلهم المرضية بسبب التعاقد مع مراكز خاصة.. فمن أراد الموعد العاجل، فليحضر في المراكز الأهلية، ومن لا يستطيع الدفع؛ فليصبر حتى يأتيه الفرج..
5- التهاون في ستر العورات.. فمن الملاحظ عدم الاهتمام بمسألة ستر العورات قال
:
{ لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد } [رواه مسلم وأحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
وهنا قاعدة شرعية: كل ما حرم الشرع النظر إليه حرم لمسه. قال تعالى:
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31]؛ فيجب أن تراعى هذه القضية ولا يكشف من الجسد إلا ما احتيج لعلاجه؛ فلو كان مرض المرأة في أذنها وطبيبها رجل فلا حاجة في أن تكشف وجهها..
وعلى هذا المثال تقاس مسائل العورات.
6- اللامبالاة بنفسية المريض.. والقسوة عليه.. مما يسبب ردة فعل سيئة لدى المريض.. وهذا ظاهر في طلاب التطبيق؛ فقد يفرح الطلاب ويستبشرون بالحالة التي يطالبون بالتطبيق عليها؛ فقد يترك المريض ولا يعطى المهدئات؛ حتى يستطيع الطلاب مشاهدة الحالة بشكل جيد.. لذا يجب عليكم توجيه الطلاب بضبط حركاتهم وفرحهم مراعاةً لشعور المريض.. وكذلك في حالات الولادة؛ فالمرأة في حالة كرب وشدة، ومن حولها في ضحك وأنس؛ وهذا أمر غير لائق.
7- التهاون بأوقات العمل في عدم التقييد بالحضور والخروج، وتضييع الوقت فيما لا فائدة فيه للعمل..
وهذا لا يجوز؛ لأن المال الذي تتقاضونه إنما هو لأجل قيامكم بالعمل على الوجه المطلوب.
8- عدم التحلي بالصبر والحلم والأناة.
9- ضعف مراقبة الله، والسعي في طلب رضاه أولًا.. فلا يكون المدير أو المشرف هو جل همك؛ فإذا غاب فعلت ما تشاء.. فأين عظمة الله في قلبك؟!
10- سماع الأغاني وما حرم الله؛ قال تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6]، وأقسم ابن مسعود
أن لهو الحديث: هو الغناء.. ويدخل في ذلك نغمات الجوال الموسيقية..
11- الحقد والحسد والغيرة والغيبة والنميمة والوشاية وغيرها من الأمراض التي تفسد شرف المهنة وتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. وتشغل القلب وتصيبه بالهموم والأمراض.
12- إقامة علاقة محرمة بين الطبيب والطبيبة، أو الطبيب والممرضة، وبين الطبيبة والممرض، والضحك والمزاح والكلام غير اللائق.
13- تعليق التمائم قال
:
{ من علق تميمة فلا أتم الله له } [رواه أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، المحدث: الهيتمي المكي، إسناده جيد]. وقال:
{ من علق شيئًا وكل إليه } [رواه أحمد والترمذي، حسنه الألباني]. بل يجب التوكل على الله، ومن توكل على الله كفاه.. قال تعالى:
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23].
14- تعليق الصور ذوات الأرواح قال
:
{ لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة } [رواه مسلم والنسائي وأبو داود عن ميمونة رضي الله عنها].
15- مسألة إخبار المريض بمرضه.. فقد لا تراعى نفسية المريض أو أهله بصدمهم بالمرض الخطير الذي يعانيه بطريقة جافة وقاسية.. أو بالعكس يكتم المرض عن المريض، وهذا فيه هضم لحقه؛ فقد توافيه المنية وهو لم يؤد ما عليه من ديون أو حقوق تبقى في ذمته.. ففي هذه الحالة -وما دام المرض خطيراً- يجب أن يخبر بمرضه بطريقة غير مباشرة -وقد سبق بيان هذه المسألة- أما إذا كان المرض غير خطير؛ فليخبر بمرضه؛ فهو من حقه.
16- عمليات التجميل.. وهذه مسألة تحتاج إلى بسط ولا تسمح هذه العجالة ببسط مسائلها.. لكن الذي يجب التنبيه عليه: هو أنه يجب مراعاة ثلاث حالات لعمليات التجميل: الضرورات والحاجيات والتحسينيات..
أ- فالضرورات: هي التي يخشى على المريض من الهلاك إذا ترك ولم تعمل له هذه العملية.. مثل لو لم تسحب الشحوم من جسم المريض لأثر ذلك على قلبه مما يودي بحياته..
قال تعالى:
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]..
ب- والحاجيات: هي التي يحتاجها المريض لإرجاع عضو إلى الخلقة التي خلق الله عليها البشر.. ولا تهلك النفس بتركه.. قال تعالى:
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] مثل من خلق وأنفه مائل فلا حرج في تعديله للحاجة.. وكذلك الشفة المشقوقة.. فهاتان الحالتان -وغيرهما- لا بأس بعمل العمليات فيهما.. فالشريعة أتت لدفع الضرر..
ج- أما التحسينات: فهي طلب الزيادة في الحسن والجمال وهذا هو المحرم.. ويحرم عليكما إجابة طلب من طلبها قال تعالى:
وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119].
عن ابن مسعود
قال: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله
، وهو في كتاب الله؟ ) [رواه البخاري والترمذي]، لأن طالب هذا الأمر لم يرض بخلقة الله له، ويمكن رد هذا المريض إلى أطباء القلوب من العلماء؛ لأنك مهما لبَّيت له طلبه فلن يرضى؛ بل سيعود مرة أخرى ويطلب المزيد والمزيد من العمليات.. كما قال علماء النفس.. فالقضية هنا قضية إيمانية روحية..
17- عدم الاستئذان عند الدخول على المريض أو المريضة فقد يكون الواحد منهما في حالة لا يرضى أن يطلع عليه أحد.. فمن الأدب الإسلامي.. الاستئذان.. حتى يصلح المريض من حاله..
18- إحياء تحية الإسلام بدل التحيات الأجنبية.. فلك بها ثلاثون حسنة إن أتيت بها كاملة فلا تفوت على نفسك هذا الأجر العظيم سواءً عند الدخول أو عند الخروج..
المخالفات التي يقع فيها بعض الأطباء وغيرهم
1- لبس خاتم من ذهب.. قال
:
{ الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها } [رواه أحمد عن أبي موسى رضي الله عنه، المحدث: الألباني، رجاله ثقات].
2- عند كشف الطبيب على المريضة في الحالات التي تتطلب تدخل الطبيب.. لا يهتم بانكشاف عورتها وقد تكون في حالة لا تشعر بنفسها.. وقد يطلب كشف ما لا يحتاجه في علاجها ومعلوم أن المرأة كلها عورة..
3- إسبال الثوب أو البنطال.. قال
:
{ ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار } [رواه البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه].
4- حلق اللحية.. قال
:
{ خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى } [رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه].
5- التدخين.. وأعتقد أنك أعلم الناس بمضاره وحرمته.. فاتق الله في نفسك وفي الناس من حولك لأنك قدوة..
6- التشبه بالكفار بالمظهر أو الملبس أو الكلام..
المخالفات التي تقع فيها بعض الطبيبات وغيرهن
1- كشف الوجه وإظهار الزينة والمبالغة في إظهارها.. وهي معرضة لنظر الرجال إليها بسبب الاختلاط.. قال تعالى:
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، والنهي هنا للتحريم..
2- التعطر.. عن أبي موسى الأشعري
قال: قال
:
{ أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية } [رواه النسائي، صححه الألباني].
3- لبس البنطال.. قال
:
{ صنفان من أهل النار لم أرهما -وذكر منهم- ونساء كاسيات عاريات } [رواه مسلم]، وقد فسَّره أهل العلم: بلبس الضيق والخفيف والقصير.
4- لبس المعطف الضيق الذي يحدد مفاتن الجسم.. وهذا محرم.. للحديث السابق.
5- لبس العباءة المتبرجة.. وقال كبار العلماء حفظهم الله: ( إن من ترتديها تكون من المائلات المميلات )..
6- النمص.. قال
:
{ لعن الله النامصة والمتنمصة } [رواه أحمد، صححه الألباني].. واللعن هو الطرد من رحمة الله فهل تباع الجنة بشعيرات؟! ولما فيه من التغيير لخلق الله.. والإضرار بالجسد قال تعالى:
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].
7- الخلوة مع السائق عند الحضور للمستشفى.. قال
:
{ لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنه، واللفظ للبخاري]..
وختامـاً
أخي الطبيب.. أختي الطبيبة.. ما أجمل أن نختم بحديث
{ خير الناس أنفعهم للناس } [حسنه الألباني] فهو حديث عظيم لمن تأمله..
فهل تريد أن تكون من خير الناس؟
إذاً.. فكن من أنفع الناس للناس.. انفعهم ببذل ما يحتاجونه عندك.. أنفعهم بكلامك.. أنفعهم بفكرك.. أنفعهم بمالك.. أنفعهم ببدنك.. أنفعهم بعملك.. أنفعهم بمنصبك.. أنفعهم بكل ما تستطيع لتحظى بهذه المكانة الرفيعة..
وإذا لاقيت من الناس صدوداً ونكراناً فتذكر قوله تعالى:
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان:9-12].
فاللهم وفِّق أطباءنا وطبيباتنا لما تحب وترضى.. واجعل ما قدموه للناس من نفع ثقلًا في موازين حسناتهم.. واحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن..
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.