مسائل في الطلاق على الإبراء وحصوله في الحيض وإنكار نسب الولد
السؤال :
لو أن زوجاً لا يقوم بواجباته ومسئولياته تجاه زوجته ، بل بدلاً من ذلك يسيء إليها لفظياً وذهنياً وفعلياً ، وبدلاً من أن ينفق عليها يقوم بأخذ مالها ويصرفه على أموره الخاصة ، فأجبِرت بعد كل هذه المعاناة على طلب الطلاق منه ، ولكنه امتنع ، ثم عندما تدخلت أسرتها قال : بأنه سيطلقها لكن بشرط أن تعفيه من المهر ، فوافقت أسرتها على ذلك وكتبت ورقة بالنيابة عنها تُقر فيها بأنها متنازلة عن المهر إن طلّق ، وفي نفس اللحظة تلك قام هو بكتابة ورقة كتب فيها "بالنظر إلى طلب عقلاء الأسرة ولسوء الفهم الذي كان يحدث بيني وبينها ( أي زوجته) فإني أطلقها ثلاثاً، ، وأنه لن يكون هناك أي علاقة بيني وبينها في المستقبل ، وأنه ليس لي منها أي طفل ، مع أنه كان قد نام معها قبل ذلك بيومين ، ويعلم أنها حامل منه . إذاً الاسئلة هي: - هل هذا طلاق أم خُلع ؟ - واذا كان خلعاً فهل له نفس حكم الطلاق فيما يتعلق بالرجعة ؟ أي هل هناك فرصة في الإرجاع ؟ - واذا كان طلاقاً فهل هو طلاق بائن ولا تتأتى الرجعة إلا بعد أن تتزوج رجلاً أخر ؟ أم أن تلك الطلقات الثلاث لا تُعتبر إلا طلقة واحدة وبالتالي فله حق الإرجاع ؟ - وإذا كان طلاقاً فماذا عن المهر الذي أجبر أسرتها على التنازل عنه ؟ أيجب عليه الدفع رغم ما كُتب من تنازل ؟ فالذي نعرفه أن الزوج يُعفى من دفع المهر إن كانت الزوجة هي المطالبة بالفراق دونما سبب ، أمّا وقد أجبرها هو على ذلك بسوء سلوكه وعشرته فأظن الحكم يختلف ، هذا بالطبع إذا ما أعتبرنا الحالة هنا خلعاً ، أما إن كانت طلاقاً فمن باب أولى أن يدفع ، أليس كذلك؟ ومما علمناه أيضاً أن الطلاق يجب أن يكون في حالة طُهر تام لم يمسسها قبله ، وأنه يتعين عليه أن ينتظر شهراً بعد ذلك، وهكذا في كل طلقة حتى يستنفد الطلقات الثلاث ، ثم بعد ذلك يقوم بدفع المهر، أمّا إن قال الطلقات الثلاث دفعة واحدة فإنها لا تُعتبر إلا طلقة واحدة ، لكنَّ هناك من العلماء من قال : إنها تقع ثلاثاً ، وبالتالي فهو طلاق نهائي . فما القول الصحيح في كل هذه التفاصيل؟ أرجو منكم التوضيح ، فنحن أناس ذوو علم قليل ، ولا نجد من نعتمد عليه في مثل هذه المسائل الحساسة إلا أنتم ، فعلى حدّ علمي أن الله يكره الطلاق ، ولهذا فقد أتاح للرجل ثلاث مرات يراجع فيها نفسه وزوجه ، فلعل الغضب طغى عليه في الأولى فعندئذ له أن يراجع ، لكن بعض علماء أهل السنة هنا يقولون إن الطلاق طلاق ، وإنه يقع بأي حال ، فطالما أنه تلفّظ به ثلاثاً فإنه يقع ثلاثاً، ويستدلون على ذلك ببعض الأحاديث . فنرجو منكم الإفادة في هذا الجانب . - أخيرا ، لقد كتب الزوج في تلك الورقة بأن ليس له منها ولد، في حين أنها تحمل في أحشائها ولداً منه وستضع هذا الجنين بعد سبعة أو ثمانية أشهر من الآن ، فما الأحكام المتعلقة به؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا شك أن هذا الزوج ـ متى كان قد فعل ذلك حقا ـ ظالمٌ لزوجته ، مضيِّع لحقوقها ، مخالفٌ لما أمره الله تعالى به من المعاشرة بالمعروف , وقد كان من الواجب عليه أن يحسن إلى زوجته وأن يوفيها حقوقها ، فإن كرهها فارقها بمعروف , امتثالا لقول الله تعالى: ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) الطلاق/ 2 ، وهذا الزوج لا بالمعروف أمسك ؛ لأنه ظالم لزوجته معتدٍ عليها مضيّع لمالها , ولا بالمعروف فارق ؛ لأنه كان من الواجب عليه إذا أراد الفراق أن يوفي زوجته حقوقها من الصداق والمتعة ، ولكنه ضارها وضيق عليها ، ومنعها حقها– دون موجب للعضل منها – حتى تفتدي منه , وقد نهى الله سبحانه عن هذا المسلك الذميم بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/ 19.
ثانيا :
هذا الطلاق الذي حصل من الزوج يسمى : (طلاق على الإبراء) وهو نوع من الخلع كما بيناه في الفتوى رقم : (198920).
وقد اختلف الفقهاء في توصيف الخلع - ومثله الطلاق على الإبراء - فعند جمهور الفقهاء هو طلاق بائن , قال الخرشي المالكي " الطلاق البائن إنما يكون بلفظ الخلع , أو الإبراء , أو الافتداء , أو الطلاق إلا أنه مع الدراهم" .
انتهى باختصار من " شرح مختصر خليل للخرشي " (4 / 17).
ومن أحكام الطلاق على عوض : أن الزوج لا يملك في العدة ارتجاع زوجته , جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (22 / 108) عند ذكر شروط الرجعة " الشرط الخامس : ألا يكون الطلاق بعوض ، فإن كان الطلاق بعوض فلا تصح الرجعة ؛ لأن الطلاق حينئذ بائن ، لافتداء المرأة نفسها من الزوج بما قدمته له من عوض مالي يُنهِي هذه العلاقة مثل الخلع والطلاق على مال" انتهى.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الخلع - ومثله الطلاق على الإبراء - فسخ وليس بطلاق , وهو الراجح كما بيناه في الفتوى رقم : (126444) .
وعلى هذا القول الراجح : فإن ما حدث من هذا الرجل فسخ وليس بطلاق أصلا , فلا يملك معه ارتجاع المختلعة في العدة , ولو أراد زواجها فيمكنه ذلك بعقد ومهر جديدين ، إذا قبلت هي بذلك أيضا .
ثالثا:
إذا ثبت أن هذا الذي حدث من باب الخلع : فلا يضر حصوله في الحيض ، أو في طهر جامعها فيه ؛ لأن الراجح من كلام أهل العلم أنه لا حرج في الخلع أثناء الحيض ، أو في طهر حصل فيه الجماع .
جاء في " المغني " لابن قدامة (7 / 324) : " ولا بأس بالخلع في الحيض ، والطهر الذي أصابها فيه ؛ لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه ، وذلك أعظم من ضرر طول العدة ، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما ، ولذلك لم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - المختلعة عن حالها ، ولأن ضرر تطويل العدة : عليها ، والخلع يحصل بسؤالها، فيكون ذلك رضاء منها به ، ودليلا على رجحان مصلحتها فيه " انتهى .
وقد سبق تفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم : (186809) .
رابعا:
بخصوص المهر الذي تنازلت عنه الزوجة : فلا تملك الرجوع في ذلك , لأنها تنازلت عنه باختيارها ، بعد أن عرض عليها الزوج الطلاق مقابل التنازل عن المهر ، فوافقت , وكان بوسعها أن ترفض وترفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليطلقها منه للضرر , وكانت ـ حينئذ ـ تستطيع الحصول على كامل حقوقها.
خامسا:
أما إنكار الزوج لهذا الحمل وقوله (ليس لي ولد منها) فهذا منكر وَزُور , ويُخشى عليه أن يدخل في الوعيد المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : " وأيما رجل جحد ولده ، وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه ، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين " أخرجه أبو داود (2263) ، وابن ماجه ( 2743) ، وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1427) .
وقد ذكر الفقهاء - رحمهم الله تعالى - أن ما أتت به المرأة لستة أشهر فأكثر ، بعد عقد النكاح وإمكان حصول الوطء بعده : فهو لاحِقٌ بالزوج .
والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457) .
قال النووي رحمه الله " وأما قوله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) فمعناه : أنه إذا كان للرجل زوجة ، أو مملوكة صارت فراشا له ، فأتت بولد لمدة الإمكان منه : لحقه الولد ، وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة " .
انتهى من " شرح النووي على مسلم" (10 / 37).
وأما ما كتبه ، أو حتى كتبته هي أو أولياؤها ، من أنه لا ولد له منها : فهو لاَغٍ ، لا قيمة له ، ولا أثر له ؛ وإذا قدر أنه ليس له منها ولد حين الكتابة ، ولم يتبين حملها ـ حينئذ ـ فهذا لا يمنع أن يولد له منها ولد بعد ذلك ، في زمن الإمكان ، كما سبق ، أو يتبين حملها منه ، ويلحق كل ذلك بوالده ، ولا يحل له أن ينتفي منه ، ولا يحل لها أيضا أن تكتم ما خلق الله في رحمها من زوجها ، وإن كرهته .
والله أعلم.
موقع الإسلام سؤال وجواب