فإن الله سبحانه وتعالى جعل للإنسان منهاجاً يسير عليه وطريقاً يستقيم عليه في حياته الدنيوية ليترسم الخطة التي رسمها الله له، ليكون على بصيرة وبينة من أمره، ليكون في سلوكه مع الله ومع خلقه في غاية الاستقامة على المنهج الذي ارتضاه الله لعباده، وجعله رسول الله مشاعاً بين الناس، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في محكم كتابه فقال: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]. والانحراف عن هذا الصراط والاعراض عن هذا المنهاج يجعل الإنسان في حيرة وشك في تخبط واضطراب، ولذلك كان كثير من الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم في تيه وشك وفي حيرة وضلال. فهذا واحد منهم بعد انحرافهم عن الكتاب والسنة ومناج سلف الأمة عبر عن سعيه بالضلال فقال: نهايــة إقـدام العقـول عقــال وأكثر سعي العالمين ضـلال وأرواحنا في وحشـة من جسومنا وغايـة دنيـانـا أذى ووبال ولم نستنفد من بحثنا طول عمـرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وقال آخر: لعمري لقد طفت العوالم كلها وسيرت طرفي بيـن تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقـن قـارعـاً سـن نادم وثالث يخبر عمن تاه في بيداء الظلام يقول مخبراً عن شكهم وعدم يقينهم بالبعث فيقول: قال المنجم والطبيب كلاهمـا لا تبعث الأمـوات قلت إليكمـا إن صح قولكما فلست بخاسر وإن صح قولي فالخسار عليكما ورابع ممن أشرب الضلال والزندقة يتردد في القطع والجزم أن دين الإسلام أصح من دين النصارى فيقول: في اللاذقية ضجة بين أحمد والمسيح هذا بناقوس يـدق وذاك بمئذنة يصيح كلاً يروم هدايـة والله أعلم بالصحيح وخامس ممن أعمى الله بصيرته عن نور الحق لا يدري ما سر وجوده في هذه الحياة وما هي الغاية التي لأجلها خلقه الله فيقول في قصيدته التي عنون له بالطلاسم. جئـت لا أعلـم مـن أيـن ولكنـي أتيـت ولقـد أبصـرت قدامـي طريقـاً فمشـيت وسأبقـى سـائـراً شـئت هـذا أم أبيـت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري أقديم أم جديـد أنـا فـي هـذا الوجــود هـل أنـا حـر طليـق أم أسـير في قيود هل أنا قائد نفسـي فـي حياتـي أم مقـود أتمنـى أننـي أدري ولكـن لسـت أدري ولمـاذا لسـت أدري. . . لســت أدري فهو لا يدري لماذا هو في الحياة، لكفره ولحيرته واضطرابه. أما نحن المسلمون فنعلم الغاية التي لأجلها خلقنا وهو أن نكون عبيداً لله، عابدين له خاضعين لا نشرك به شيئاً، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فحيرة هؤلاء وشكهم نابع عن انحرافهم عن صراط الله وبعدهم عن أسباب الهداية الإلهية، فلما حادوا عن منهج الله وصراطه تفرقت بهم السبيل والأهواء فضلوا وأضلوا. فعن عبد الله بن مسعود قال: خط رسول الله خطاً مستقيماً، وخط عن يمينه خطوطاً وعن شماله خطوطاً ثم قال مشيراً إلى الخط المستقيم: ((هذا سبيل الله))، وقال وهو يشير إلى الخطوط التي عن يمينه وعن شماله: ((وهذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه)) ثم قرأ : وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ الآية [الحديث رواه الدارمي بإسناد صحيح]. فيا أيها المسلمون: إن الاستقامة على منهج الله الذي ارتضاه الله لعباده وجعله رسوله مشاعاً بين الناس هو الكفيل بتحقيق السعادة في الدارين والبعد عن أسباب الشقاء والضلال. فمن أراد أن يحقق لنفسه الأمان من الزيغ والضلال فعليه بأن يستقيم على منهج الله ورسوله ويبتعد عن طرق أهل الزيغ والكفر والفساد، فعن النواس بن سمعان عن رسول الله قال: ((ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس: ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتفرجوا، وداع يدعو في جوف الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه – أي تدخله-، والصراط: الإسلام، والسوران حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله عز وجل، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم)) [رواه أحمد بإسناد صحيح]. أيها المسلمون: إن الاستقامة على منهج الله قولاً وعملاً ظاهراً وباطناً من شأنها أن ترتقي بالإنسان إلى درجات التقوى والإيمان. فبالاستقامة على منهاج الله وشرعه يحفظ الإنسان دينه ونفسه من كل عوامل الزيغ والإذلال والانحراف، فلا يتطرق إليه الشك ولا الفساد، فيصون نفسه عن كل الرذائل وسفاسف الأمور. وإذا ضعفت الرغبة على الاستقامة عند العبد أدى به إلى ضعف الإيمان والانقياد الكامل لله في كل شؤون الحياة فلا تجده مقبلاً على الخير، نافراً من الشر إنما على العكس من ذلك تكون نفسه قابلة للشر والانحراف ضعيفة الاقبال على الطاعة والخير، ولذلك أولى الإسلام الاستقامة عناية فائقة، واهتم بها اهتماما بالغاً ولذلك قال الله تعالى: فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112]. وإن من رحمة الله بعباده المؤمنين أنه يتولى هدايتهم إلى الاستقامة قال الله تعالى: وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الحج:54]. ورسول الله جعله الله هادياً إلى الاستقامة وذلك بسنته القولية والعملية قال الله تعالى عن نبيه: وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلاْمُورُ [الشورى:51-52]. ولذلك كان القرآن الكريم كتاب هداية إلى الصراط المستقيم ليحقق للمسلمين الاستقامة على المنهاج الرباني، كي يعيشوا في وئام وأمان وفي سعادة واطمئنان قال الله تعالى: الر كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ وَوَيْلٌ لّلْكَـٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [إبراهيم:1-2]. فيا عباد الله: هذا هو منهج الإسلام ممثلاً بكتاب الله وسنة رسوله وسبيل الصحابة المؤمنين الأوائل، فاستقيموا عليه واتبعوه تنجوا من الزيغ والضلال ومن الفساد والانحراف فتمسكوا بالصراط المستقيم وعضوا عليه بالنواجذ، فإن الاستقامة عليه تقودنا إلى الفوز برضوان الله والجنة والنجاة من سخطه ومن النيران. أسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم في النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين النصارى، آمين، ادعوا الله واستغفروه. |