سؤال يطرح نفسه: ما الذي أدّى بكثير من شبابنا وفتياتنا إلى الوقوع في هذه المعصية الكبيرة والجريمة الخطيرة؟ فشبابنا من البلاد سافروا، وفتياتنا من البيوت هَربوا. عباد الله، لعل من أهم الأسباب: أولا: قلة الوازع الديني، فوالله لو عظّمنا الله وخِفنا عقاب الله ما وقعنا في معصية الله، ولكننا نسينا أو تناسينا وغفلنا أو تغافلنا نظَرَ المولى جل وعلا إلينا. فتاة تعلق قلبها بشاب، وتواعدا على معصية الله على مسمع ومرأى من الله، ركبت معه السيارة ضاحكة لاهية، لكنّها كانت حذِرة خوفا من الناس، أما رب الناس فكانت منه في مأمن، وبعد أن أقنَعَها المجرِم بأنه قد شغفها حُبًّا وأخذ يقنِعها أنّ السيارة لا تصلح للّقاء فالناس من حولهم، وبعد الخوف والتردّد وإلحاح المجرم وافقت، ولكن بشرط أن يذهبا إلى مكان آمن؛ لأنها تحسّ بخوف، تريد مكانا لا يراهما الناس فيه، فاستغلّ تلك المبادرة وقال مستهترا وبثقة: "والله، لآخذنَّك إلى مكان ـ ثم تبرّأ منه لسانه ـ والله لآخذنك إلى مكان لا يرانا الله فيه". انظروا إلى أين أوصَله الشيطان، رُبَّ كلمة يقولها المرء لا يلقي لها بالا يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه. فسمعه من؟ سمعه الله جبار السماوات والأرض، الذي حرك قلبه وأجرى دمه، سمعه الجبار الذي خسف بقارون، سمعه الجبار الذي أغرق فرعون، أطلق الجبار أوامره من فوق عرشه سبحانه، فإذا بمداهمة ليست كالمداهمات، مداهمة تحرّكت من فوق السماوات. لما استخفيا من الناس وأمِنا مكر الله ظنّا أن لا رقيب، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت: 22]. لما خلع ملابسه وبدأ جريمته فإذا به يخرّ مِن طوله، أوقف الله قلبه وأخرس لسانه وعطّل أركانه، فإذا به يخرّ على وجهه منكبًّا عليها، قامت تقلِّبه يمنة ويسرة، تلمس نبضَه تحسّس أنفاسه، لا أنفاس، لا نبض، فإذا بها كالمجنونة تخرج وتنسى نفسَها، وبهستيريا تصرخ بعد أن مات: "يقول: ما يشوفه أخذ روحه، يقول: ما يشوفه أخذ روحه". فكيف وجد تلك النهاية؟ بل كيف انتزعت روحه؟ وعلى أي حال صعدت؟ نسأل الله العافية. عباد الله، ومن أسباب الوقوع في هذه الجريمة ثانيا: الإعلام الإباحي الفضائِحي، فالشاب والفتاة قد حوصِروا ومِن جهاتهم الأربع: دش وإنترنت، أطباق وفضائيات، ومهما طلب قيل له: تفضّل. ومن أسباب الوقوع في هذه الجريمة ثالثا: عضل كثير من الآباء لبناتهن ومنعهنّ من الزواج، فهذا أب له ستّ بنات معلّمات لم يزوّجهن طمعا في مرتباتهن، وهذا لا يريد إلاّ شابا غنيّا، وغيره لا يزوّجهن تكبّرا وترفّعا وهكذا. وفي هذه الأزمنة شمل عضل بعض الآباء حتى الأبناء، يأتي الشاب إلى والده يطلب سيارة فيقال له: تفضل، يطلب إعلاما فضائحيا ممثلا في الدش أو الإنترنت فيقال له: تفضّل، يطلب مبلغًا ضخما للسفر إلى الخارج فيقال له: تفضل. وإذا جاء وعلى استحياء وقال: أريد الزواج والعفة والإحصان، قيل له: لا, وبتجهّم وتأفّف: لا, توظّف. وكما يقال باللهجة العامية: "تسَبَّع وتَعالَ نزوّجك". عباد الله، ولعل من أسباب الوقوع في هذه الجريمة الجفاف والكَبت العاطفي الذي تعاني وَيلاته كثير من الأسر، فهذا أب لم يقبّل أولاده من يوم كذا وكذا، بل قد يهاجمهم بالشّتم والضرب، وهذه أم لم تجلس مع بناتها وفلذات كبدها منذ شهر كذا وكذا، وهذا أخ لم تعلم منه أخته إلاّ الأوامر والشتائم وسوء التقدير، لم يكلّف نفسه يوما أن يخرِجهم في نزهة أو يشاركهم في لعبة. عباد الله، الشباب بنار الشهوة يستعرون، والفتيات بنار الشّوق يكتوون، والآباء والأمهات في نوم عميق، وإلا ما سبب الهروب المتزايد والجرائم المتلاحقة. عباد الله، أخيرًا قضيّة مهمة أختِم بها حديثي معكم عن هذا الموضوع الخطير، وهو أن الزنا دينٌ، الزنا قرضٌ، الذي ينتهك أعراض الناس لا بدّ وأن ينتهك عرضه، الذي يزني بنساء الناس يُزنى بنسائه إذا لم يتب ويرجع إلى الله. كان أحد الدعاة الأخيار يعظ الناس في محاضرة عن الزنا وخطره ومضارّه وهَلَكته وأنه دَين، وكان يردّد: إنّ الزنا دين إن استقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم إن الزنا دين إن استقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم وهكذا... وإذا به يفاجأ بأحدهم يرفع يده، ظن أن لديه سؤالا أو تعقيبا، ولكنه فوجئ بقول الشاب وباللهجة العامية: "يا شيخ، أنا أحبّ البنات، وأجري ورا البنات، وما عندي خوات، ولا أنا متزوّج ولا راح أتزوج، يعني ما عندي بنات، يا الله حلّها"، وضحِك وضحك بعضُ الحضور، فما كان من الشيخ الفاضل إلا أن وعَظَه وحذّره وبعد أن أنهى محاضرته انصرف. تمرّ الأيام وتسير الليالي، وفي ليلة من الليالي يرنّ هاتف الشيخ، يرد: نعم من؟ فإذا به ذاك الشاب الذي اعترَض كلامَه وسخِر منه، إنه يبكي وينتحِب، يا تُرى ما الذي حصل؟ ما الذي جرى؟ يقول الشاب: عدت إلى المنزل وكالعادة في وقت متأخر من الليل، وفي طريقي إلى غرفتي سمعت صوتا خافتا في الغرفة المجاورة، أفتح الباب فإذا بالفاجعة، إنها... نعم، لقد نسي أن له أمّا قد هتك سترها وأذهب حياءَها، فيا للمصيبة. ورحم الله الشافعي حيث يقول: عُفــوا تعف نسـاؤكم فِي المَحـرم وتجنبوا مـــــــــــــا لا يليـــــــق بِمسلــــــم يـا هـاتكًا حُرم الرجـال وتابعًـــــــا طرق الفســــاد فأنــــت غير مُكرّم مـــن يزن في قـوم بألفــــــي درهم فِي أهله يــــــــــزنَى بربــــــع الدرهــــــــم إن الزنــــــا ديــــــــن إن استقرضتـه كان الوفا من أهل بيتك فاعلم لو كنـت حرًا من سلالة مـاجد مـا كنت هتــــــاكًا لِحرمـــــة مسلم من يزن يــــزن به ولـــــــــو بجـداره إن كنـت يا هـــذا لبيبًا فـــــــافهم |