أيها الإخوة: لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم المثل الأعلى في اتباعهم وتضحيتهم بأموالهم وأنفسهم وأهليهم في تحقيق محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وطاعتهم له، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يُضرب عند الكعبة ضرباً مبرحاً حتى أُغمي عليه، وحينما فاق كان أول كلمة قالها: ماذا فعل رسول الله؟ أين رسول الله؟ فأخبره أهله بسلامة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بخير، ولكنه يطلب منهم حمله إليه ليراه بعينيه، فحينما رآه سالماً أعيد إلى بيته وإلى فراشه، ما اطمأن بالجواب الشفوي من أهله، لم يطمئن إلا بعد رؤيته له سالماً عندها تهون النفس وتهون كل المصائب. وتلك المرأة التي جاء ذكرها في السير، وهذه القصة ثابتة صحيحة، حينما جاءها الخبر عن قتل ثلاثة من أقاربها، الوالد والولد والزوج، ولكنها لا تكترث للخبر بل تسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال لها: هو سالم صالح، ولكنها تنطلق إلى رسول الله لتراه بعينيها سالماً، فحينما رأته كذلك قالت: كل مصيبة بعدك جلل، أي ما دمت سالماً يا رسول الله فكل مصيبة هينة، فقد الوالد والولد والزوج يهون مادمت سالماً يا رسول الله. وبالرجوع إلى كتب السنة والسيرة الصحيحة نرى العجب العجاب أمثال هذه المواقف التي تمثل أسمى معاني الحب الحقيقي وكذلك الطاعة والاتباع مثل موقف علي رضي الله في امتثاله لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أعطاه الراية ليقود الجيش في فتح خيبر حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((امش ولا تلتفت)) فحينما ركب علي رضي الله عنه على حصانه وسار قليلاً، أراد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلتفت بل رفع صوته ليسمعه النبي صلى الله عليه وسلم. انظروا أيها الإخوة لهذا الموقف الذي يمثل منتهى الطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، سأل ولم يلتفت تنفيذاً لأمر النبي حينما قال له: ((لا تلتفت)). ومثله فعل الصحابة رضي الله عنهم في قصة الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار حبهم له وطاعتهم الخالصة، حيث لا يتوضأ صلى الله عليه وسلم وضوءاً إلا ابتدروه، ولا يبصق بصاقاً إلا أخذوه، ولا يسقط من شعره شيء إلا استبقوا إليه - وهنا وقفه أقولها للتذكير. إن التبرك بجسم النبي أو ببعض ما في جسمه كالشعر والعرق والبصاق، أو بموضع فيه صلى الله عليه وسلم، أو بنعله ولباسه ثابت وصحيح، ولكن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وفقد كل ما بقي من ملابسه أو شعره أو عرقه، لم يثبت التبرك بآل بيته الطيبين الطاهرين، فلم يفعل أحـد من الصحابة والتابعين شيئاً من ذلك، لا بالحسن ولا بالحسين ولا بعلي رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك لا بالعباس ولا بأولاده، ولا بأولاد جعفر رضي الله عنهم أجمعين، ونحن نسير على نهجهم ونسلك طريقهم في ذلك والله المستعان. أيها الإخوة: كان الصحابة رضي الله عنهم .لا يتكلم أحدٌ منهم حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أنصتوا كأن على رؤوسهم الطير، لذلك قال عنهم أحد القرشيين - حينما رآهم يفعلون ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم -: يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، والله ما رأيت ملكاً قط مثل محمد في أصحابه، لقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء – هؤلاء هم الصحابة الذين أمرنا الله باتباعهم وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباعهم. أما أمر الله فيتمثل في قوله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً . فقد فسر كثير من أهل العلم، بأن المقصود بسبيل المؤمنين في هذه الآية هم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيتمثل في قوله: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)). هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أفضلهم، بل أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر صاحب رسول الله في الغار، ورفيقه في الهجرة والخليفة الأول رضي الله عنه، ثم عمر الفاروق رضي الله عنه الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كان نبي بعدي لكان عمر)) وثالثهم عثمان رضي الله عنه، صهر رسول الله، ذو النورين، من تستحي منه الملائكة ورابعهم من كانت منزلته من رسول الله منزلة هارون من موسى عليهما السلام، غير أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، إنه أبو السبطين، علي رضي الله عنه، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة وبقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، منهم الحواري الزبير بن العوام، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة، وسيد الشهداء حمزة ومن جمع له النبي أبواه فقال له: ((ارم فداك أبي وأمي)) سعد بن أبي وقاص، وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومن اهتز له عرش الرحمن يوم وفاته سعد بن معاذ، ومن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس، ومن حمل لواء العلم والفقه أبي بن كعب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو هريرة، وغيرهم. ومنهم من حمل السيف مجاهداً في سبيل الله سيف الله المسلول خالد بن الوليد، أو جاهد بلسانه وهو مؤيد بروح القدس حسان بن ثابت، وفيهم أصحاب الشجرة، والمهاجرون والأنصار وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، هؤلاء هم سلفنا، وهم قدوتنا في إظهار حب النبي صلى الله عليه وسلم وفي تحقيق المتابعة له، وطاعته وامتثال أوامره، فهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، ورأوا التنزيل وعرفوا مراد ربهم، وعرفوا مراد نبيهم، فبهداهم نقتدي وعلى نهجهم نسير. أسال الله العلي العظيم أن يحشرنا معهم في الفردوس الأعلى إنه سميع مجيب. |