| موضوع: دروس في سورة يوسف الأربعاء 25 فبراير 2015 - 22:08 | |
| | عنوان الخطبة | دروس في سورة يوسف | اسم الخطيب | عبد الله الهذيل | رقم الخطيب | 84 | رقم الخطبة | 1646 | اسم المسجد | فيحان | تاريخ الخطبة | 30/7/1416 |
| | | | ملخص الخطبة | 1- منزلة يوسف عند أبيه وأثرها في إخوته. 2- عفة يوسف في بلاط العزيز رغم قوة الدوافع الداعية إلى الخنا. 3- يوسف يفضل السجن على الفتنة. 4- يوسف يدعو إلى الله في سجنه. | | الخطبة الأولى | | الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا إن الشيطان للإنسان عدو مبين وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق إن ربك عليم حكيم لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين. روى الإمام أحمد والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)). سلسلة مباركة مصطفاة, انتظمت خيار عباد الله تعالى, الذين بلغوا ما أنزل إليهم من ربهم, وجاهدوا في الله حق جهاده, فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله. ولقد قص الله تعالى علينا نبأهم, لننهل من معين سيرهم ما يُثبت به الفؤاد, ويُجَدّ به السَيْرَ, وتطيب الحياة بالاقتداء أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. ومن هنا سنعيش وقفات مع أحسن القصص, نتذاكر فيها, وأي قصص أحسن مما في كتاب الله تعالى؟! روى ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا؟ فنزلت نحن نقص عليك أحسن القصص. أيها الأحبة في الله: إن المرء ليقرأ السورة من القرآن ثم يعود إليها مرة بعد مرة, وكلما عاد يرى وكأنها أول قراءة له فيها, وينفتح له من معانيها ما يشعر أن لم يكن في قراءة سابقة. وقد سمعتم صدر سورة يوسف, فمن لم يقرأها؟!, ومن لم يقف مع معانيها أو أكثرها؟! أكاد أجزم أن لا أحد, ولكن ليُعد قراءتها مراتٍ, ويكرر النظر في معانيها, ليدرك حقيقة ما سبق. أيها الأحبة في الله: وإن تدارس ما في تلك السورة من معاني, مما لا يسعه هذا المقام, ولن يوفيه حقه ما نقول, كيف وقد قال قال سبحانه: لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين. ولكن سنقضيها دروسًا نغترفها من عين معين عذبة طيبة, لعلّ إيمانًا يزيد, ويقينًا يملأ القلوب. أيها الأحبة في الله: فالدرس الأول: عند قوله تعالى: إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين الآيات بعدها. أولئك كان منهم ما كان, ولكنهم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا, وقبل الله تعالى منهم, وخصهم بالفضل بعد ذلك. لذا سنتدراس الفعل ودوافعه, أما أعيان فاعليه فشأنهم أعلى. إن الفضل الذي خص به يوسف عليه السلام مما جعل أباه عليه السلام تبلغ محبته غاية في قلبه, إن ذلك وغيره لم يقبله اخوته, ولم يطيقوه, فتحركت في قلوبهم دوافع الحسد والغيرة, فسعوا في ضره والتخلص منه, ولو بالقتل, ولكن اجتمع أمرهم على أن يلقوه في غيابة الجب, فاستأذنوا أباهم وأصروا عليه وطمأنوه حتى أخذوا يوسف بحجة الاستئناس واللعب. قال ابن كثير: وذكر السدي وغيره أنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه, ثم شرعوا يؤذونه بالقول من شتم ونحوه, والفعل من ضرب ونحوه, ثم جاؤا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه, فربطوه بحبل ودلوه فيه, فكان إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشتمه, وإذا تشبث بحافات البئر, ضربوا على يديه, ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة, فسقط في الماء فغمره, فصعد إلى صخرة تكون في وسطه" يقال لها الراغوفة فقام فوقها". أيها المسلمون: إن دافع الحسد عندما يطغى على القلوب, يفسد عليها عيشها, فلا تقر لها عين على أي حال, فتسعى جهدها في إضرار عباد الله تعالى, ممن فتح الله عليهم بالخير, وكم نشاهد ممن امتلأت قلوبهم غيظًا وحسدًا على من شُهد له بالخير والفضل, فتراه لا ينام بليل, ولا يهنأ بعيش, فينفس عن بعض ما يغلي به الفؤاد بهمز ولمز وافتراء, وما شابه ذلك, بل يسعى جهده ووقته في الإضرار. فمساكين أمثال هؤلاء, لم يلتفتوا إلى مصالح أنفسهم, وأشغلوا أنفسهم بما لازم ثمرته خلاف ما يريدون, وهم وإن قضوا أيامًا شفوا فيها بعض ما في الصدور, ولكن سرعان ما تعود عليهم الأمور أضعاف ما كان. فليراجع كلٌ نفسه, ولينظر أي القلوب يختار, ولتصدق أقواله وأعماله حقيقة الاختيار. أيها المسلمون: والدرس الثاني: عند قوله سبحانه وتعالى: وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون. لما أن ألقاه إخوته في البئر جاءت سيارة تستسقي الماء, فأرسلوا الدلوا فتعلق به يوسف, فاستبشروا به, فباعوه واشتراه عزيز مصر, وكان يوسف عليه السلام ذا جمال شديد, بل قد جاء في الصحيح أنه أوتي شطر الجمال, فلم تتمالك امرأة العزيز نفسها لما رأت فيه ذلك الجمال حتى راودته عن نفسه, فأبى عليها. وقد حفظه الله تعالى وصرف عنه السوء والفحشاء كما قال سبحانه ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه, كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين. فالهم الذي هم به يوسف هو خطرات حديث النفس, وقوله سبحانه لولا أن رأى برهان ربه قال ابن جرير: والصواب أن يقال: إنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان هم به, وجائز أن يكون صورة يعقوب, وجائز أن يكون صورة الملك إلى أن قال: فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى. اهـ. وتأملوا قوله سبحانه: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء فكأن السوء والفحشاء هي التي كادت تأتي إليه, ولم يقدم هو عليها, فصرف الله تعالى ذلك السوء عنه. وشاهد الدرس في هذا: أن تتأملوا واقع الحال: دعوة من امرأة ذات منصب, واختيار العزيز لها زوجة دليل على جمالها, وهي سيدة في بيتها, وقد هيأت المكان وتهيأت في وحدة غلقت الأبواب دونها. وشاب في ريعان الشباب, بالغ في الجمال غايته, غريب الدار والوطن, كفي مؤونة الطلب, ولم يرَ في الزوج غيرة تُذكر, هذا وغيره, أليس دافعًا إلى الإنسياق وراء تلك الشهوة؟ نعم.. إذا كان القلب متخبطاً في ظلماته, لم يهتم بنور الإيمان, بل إن أقل من ذلك بكثير يجعله يسعى إليها سعيًا حثيثًا. أما يوسف عليه السلام, فالمطلب عنده أعلى, والغاية أسمى, كيف لا, وقد اجتباه الله تعالى واصطفاه. فمع كل تلك الدوافع, لم يجب يوسف عليه السلام امرأة العزيز إلى أدنى ما تريد, فضلاً عن أن يجيبها إلى أصل ما تريد. وذلك موضع, الصبر فيه من أعظم الصبر, لذلك كان أشباه يوسف عليه السلام في ظل الله تعالى غدًا يوم لا ظل إلا ظله. فأين أشباه يوسف عليه السلام؟! وأنت ترى شبابًا بل وشيبًا من المسلمين, ليس الحال فيهم أن يعرض عليهم الطلب بلا تقصد منهم إليه, بل إنهم يسعون إليه سعيًا حثيثًا في شرق وغرب, ويستعرضون المفاتن فيما يشاهدون ويسمعون, فإلى أي هاوية ينحدر أمثال هؤلاء؟ وأي حر وشدة سيعيشونها في حين يقضي غيرهم ـ ممن ترك شهوة حاضرة لوعد غيب لم يره ـ في ظل ظليل. ذلك الفضل من الله, وكفى بالله عليمًا. فانظر لنفسك أيها الأخ الحبيب: أي الفريقين تختار, وأي الشبهين تريد أن تلحق, شبيه يوسف عليه السلام. أم شبيه من تعلم ممن حكوا معاني الفساد والخنا. أيها الأحبة في الله: والدرس الثالث عند قوله تعالى: قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه, وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين. لما لم تجدِ طريقة الترغيب والإغراء وعرض الطلب مرارًا, لم يعد عند الظالمين إلا التهديد والتعذيب والإيذاء, فسعت هذه المرأة لما لها من منصب في طريق الترهيب ليوسف عليه السلام, فأبت إلا أن يسجن ويؤذى, وتحسب أن السجن سيغير من الأمر شيئًا, ولكن تظهر الصدمة لها, لما أن يكون السجن حبيبًا عند خصمها في سبيل مرضاة الله عز وجل. قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه. فمن يحب السجن؟ ومن يحب الأذى؟ لا أحد. ولكن عندما تتعارض المطالب, ويكون السجن حتمًا, عندما يسعى المرء فيما يرضاه عنه ربه عز وجل... حينئذ يكون السجن حبيبًا, والعذاب عذبًا, والأذى لذةً, عندما يستشعر العبد أن ذلك كله في الله ولله. وهكذا هددوا يوسف عليه السلام, ولكن ما حيلتهم فيه عندما عاد ذلك السجن والتعذيب عذوبةً يجد حلاوتها في قلبه, وإن ضاقت به الجدران, فهو في عيش فسيح لما أن ربط القلب بخالقه عز وجل...
وطغى الهول فاقتحم ثابت القلب والقدم تثنــه شـدة الألم نورهـا بـدد الظلم باركي وطأة القدم لا ولا سافكًا لدم ينشر الخير في الأمم سوف تغويه في الظلم عالي القدر في القمم برأ الخلق من عدم ولـه الله مـنتـقـم |
| عبس الخطب فابتسم رابط الجأش والهنى لم يبال الأذى ولم جنـة في فــؤاده يا عرى السجن هللي من أتى ليس مجرمًا إنما ذاك مصلح حسبوا أن روعة ما دروا أنه فتىً وجه الوجه للذي فـله الله نـاصـر |
وذاك الطريق طريق الأنبياء واتباعهم في كل ما يؤذون فيه ويعادون من أجله. ثم لما أن أدخلوا يوسف السجن, هل غاب عنه الهمّ الذي كان يحمله, فضاقت نفسه بما هي فيه وانشغل عن كل مطلب؟َ! لا والله... بل كان داعية إلى الحق وهو في سجنه, فعم خيره من في السجن. وتأملوا ذلك في قول الله تعالى عنه يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فالدعوة إلى الله تعالى هو طريق الأنبياء وأتباع الأنبياء. فطوبى لمن كانت أكبر همه, فما تراه في صغير ولا كبير إلا ويسعى جهده في تبليغها. أيها الأحبة في الله: والحديث يطول, والمعاني لم توف حقها.. ولكن غيض من فيض. ولدروس أخر من هذه السورة حديث إن شاء الله تعالى. | | الخطبة الثانية | لم ترد. | | |
|
|