قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 26، 27]. أيها الأحبة في الله، إنها لنعمة عظمى, امتن الله تعالى بها على عباده أن أنزل عليهم لباسًا يواري سوءاتهم, ويحفظ أعراضهم, ويحصن الحياء في نفوسهم. فكان من شرعه وأمره سبحانه وتعالى أن تستر العورات, ولا يبدي منها إلا ما أباحه, ليبقى الحياء قائدًا في الناس, وتبقى الأعراض في حصن حصين دون العبث والانتهاك. فشرع للرجال عورة تناسبهم, وشرع للنساء عورة تناسبهن, لا يجوز لأي الطائفتين أن يتجاوز حدود ما أمر به, وإن أي تجاوز لذلك لهو الخطوة الأولى إلى ميادين اللاحياء. أيها المسلمون، وحين نتأمل في الآية السابقة نرى أن الدعوى الأولى التي بدأ بها إبليس مسيرته في إضلال العباد, كانت إلى نزع اللباس, وإبداء العورة, وهو لم يبدأها بالأمر بها صراحة؛ لأنه موقن أنها كذلك لن تنال قبولاً, ولكنه زين لها القول, وذلل لها الطريق, وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 20، 21]، فأظهر لهما من نفسه حال المشفق الناصح الذي لا يريد لهما إلا ما يعود بالخير عليهما, وقاسمهما على ذلك, فكان ما كان من مخالفة أمر الله تعالى, مما نتج عنه إخراج من الجنة وإهباط إلى هذه الأرض. أيها الأحبة في الله، وتلك الدعوة الأولى لإبليس في إظهار العورات, حمل على عاتقه بثّها بعد آدم في ذريته, وجنّد لذلك جنوده, لإدراكه بما تقود إليه, وإصابتها الأهداف التي يريدها فكانت دعوته للمجتمعات التي استجابت له هاوية مهلكة, ولججًا مظلمة في بحار الخنا والرذيلة. أما المجتمعات التي استمسكت بأمر بها فهي في حصن حصين دون سهامه وشباكه, وهو لم ييأس في بث دعوته إليها بين الفينة والفينة, فإن ضعف استمساكها بشرع ربها, كان ذلك ثغرًا ينفذ منه الشيطان وجنوده سمومهم, فإن أدرك الخطأ, وسورع إلى سد الثغر عادت تلك السموم غصصًا في أجواف أصحابها. وإن طغت الغفلة, فإن الثغر سيزيد, والخرق سيتسع على الراقع, ويكون للشيطان أبوابًا مشرعة إلى أنواع ضلالاته. أيها الأحبة في الله، وإن الحديث عن العورات وسترها لهو من الأهمية بمكان عظيم, لما لها من الأثر في مسيرة المجتمعات, وخاصة فيما يتعلق بالنساء, لما لهن من أثر وفتنة على الرجال, وبالتالي على المجتمع بأسره, فبصيانتها صون للمجتمع, وبإضاعتها إضاعة له, وقد حذر النبي من فتنة النساء فقال: ((واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)). ولذا سأخص الحديث عن حجاب المرأة الذي هو عزها وجمالها وحريتها الحقيقية, التي تتحرر بها من كل شهوة ودعوة إلى الأغلال. أيها المسلمون، إن الله تعالى أراد من المرأة أن تكون في عزة وصيان, فشرع لها الحجاب, وأمرها به, لتكون في حمىً منيع, وحصن حصين, ولئلا تكون حقًا مشاعًا تتقلب في الاستمتاع بها كل عين, وتتأمل في جمالها كل نفس, بل إنها جوهرة مصونة, ودرة مكنونة, محفوظة أن تعبث بها الأيادي, ومستورة أن ترسل إليها السهام المسمومة, هكذا هي, حين تمسّك بأمر ربها. وتصون حجابها. وأنعم من بنت صالحة, وأخت ناصحة, وزوج حافظة, وأم مربية, تظهر بصمات الخير التي أسدتها نورًا على جبين الجيل الذي تخرج على يديها. أيها الأحبة في الله، ولا يخفى عظيم ما يتركه الحجاب من أثر في المجتمعات, من طهر وصيانة, وحفظ للأعراض وطمأنينة للنفوس, والنهوض إلى الغايات السامية. ولقد أدرك إبليس وجنده خطر ذلك الحجاب عليهم, ووقوفه عائقًا أمام مخططاتهم وأهدافهم التي يصبون إليها, فسعوا جاهدين في نزعه وإحلال السفور مكانه. متبعين بذلك طريقة قائدهم الأول إبليس في تزيين القول وتنميقه, فلا تراهم يدعون إلى السفور صراحة, ولا إلى الأغلال مواجهة, ولكن يدعون إليه باسم التقدم والحضارة, وباسم الحرية الشخصية, وباسم المساواة بين الرجل والمرأة, وهكذا يدقون على أوتار حساسة في النفوس الضعيفة حتى تنساق إلى دعوتهم, وتبارك خطوتهم. أيها المسلمون، وإن المتأمل في تاريخ الصدمات التي وجهها الغرب الكافر إلى كثير من ديار المسلمين يرى أن قضية السفور ونزع الحجاب من أولويات القضايا التي يبذلون لها كل جهد, ويجعلونها أساسًا في تحطيم كل مجتمع إسلامي, حتى قال بعضهم: "لا تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة, ويغطى به القرآن". وبهذه الطريقة نجحوا في كثير من مخططاتهم ووصلوا عن طريقها إلى كثير مما يصبون إليه, وهم لم ينتظروها ثمرة تقر بها أعينهم ما بين عشية وضحاها, ولكن خططوا لها على مدى سنين طوال. ومن الأمثلة الصارخة بذلك ذلك المجتمع الذي كان الحجاب سائدًا على جميع نسائه, فأدرك الغرب أنهم لن يصلوا إلى نتيجة بالدعوة الصريحة إلى السفور, فكان أن أخذوا من أبناء ذلك المجتمع من يتربى في أحضانهم, ويستعظم حضارتهم الزائفة وتقدمهم المادي, حتى عاد أولئك الأبناء إلى مجتمعهم, ليكونوا أصواتًا تنعق باسم الغرب الكافر, وأقلامًا تكتب على حسابه, يعظمون في النفوس حضارته, ويباركون للناس خطاه, وأنه لن يكون هناك تقدم وتطور إلا بالأخذ بهديه وسبيله, وكانت قضية السفور هي أهم القضايا التي نالت أصواتًا في ندواتهم, وأقلامًا في صحفهم, حتى اغتر بذلك كثير من نساء ذلك المجتمع, ومع مرور الوقت أصبحن ينتظرن إشارة واحدة لينزعن الحجاب. وهذا ما كان, لما أن جاء أحد أبناء ذلك المجتمع وهو زعيم فيه من ديار الغرب الكافر, وقد أخذت تلك التقاليد الغربية بمجامع قلبه, وكان في استقباله جموع من الرجال والنساء, فكان الرجال في سرادق خاص بهم, والنساء في سرادق آخر. فنزل من الباخرة, وأخذ طريقه إلى سرادق النساء وهن محجبات, فلما دخل عليهنّ استقبلته إحدى دعاة التحرير المزيف بحجابها المزوّر, فمدّ يده, فنزع الحجاب عن وجهها, تبعًا لخطة معينة, وهو يضحك, فصفقت تلك المرأة, وصفقت النساء لهذا الهتك المشين, ونزعن الحجاب, ومن ذلك اليوم أسفرت المرأة في ذلك المجتمع, حتى وصل إلى ما لم تحمد عقباه. أيها الأحبة في الله، وهكذا قلما قلّب المرء النظر في المجتمعات يرى أن ذلك الحجاب تحاربه أيدٍ مسمومة باسم التقدم والحضارة, وبأنه قيدٌ للمرأة, وذل لها. حتى تجرأ أحدهم بخطاب إلى المرأة المسلمة يقول فيه: مزقيه.. ذلك البرقع.. وارميه.. مزقيه... أي شؤم أنت فيه؟! أي ليل أنت فيه؟! أي ذل أنت فيه؟! أي قبر أنت فيه؟! حطميه... حطمي الخوف بعنف لا تأني. حطمي الصمت وقولي وتمني. حطمي السجن وقضبان التمني. هكذا يرسمونها خُطًى مشؤومة في طريق المرأة لتنساق بضعفها إلى زينة القول, وزخرف الطريق, فإن لم تدرك حقيقة الأمر في بدايته, وانساقت وراء تلك الدعايات, فإنها ستدركه حتمًا حين تصل إلى نهاية الطريق, حين ترى عزتها نزعت من يديها, وأضحت ألعوبة, تتدافعها كل يد, ويتقلب فيها كل نظر. أما المرأة المسلمة, المستمسكة بأمر ربها, فإنها كسرت كل يد امتدت لنزع حجابها, وصفعت كل وجه نادي إلى سفورها, وصدعت بما امتلأ به قلبها, فقالت: قالوا ارفعي عنك الحجابـا أوَما كفاك به احتجابًا؟! واستقبلـي عهد السفـور اليـوم و اطرحي النقابا عهد الحجاب لقد تبـاعد يومـه عنـا وغـابـا فأجبتهم والضحك مـلء فمي ولم أعـدم جوابًـا مهلاً فمـا هـذا الـذي قد غركـم إلا سرابـا أولا تـرون الغرب كيف غدا الرجال بـه ذئابًـا أولا تـرون بـه عـرى الأخلاق تنشعب انشعابًا كم نظرة للوجه تـورث في الحشا جمـرًا مذابـا إن ترغبـوا لنسـائكـم صونًا وعيشًـا مستطابًا فدعوا السفـور لأهلـه وارخوا عليهن النقابـا |