1- الاصطفاء والاختيار والتفضيل إنما يكون من الله عز وجل أو رسوله فلا يمكن لمسلم أن يتجاوزهما في ذلك. وربك يخلق ما يشاء ويختار وما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون [القصص:68]. الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس [الحج:75].
2- الله عز وجل اصطفى من الليالي ليالي رمضان العشر، وفضل إحداها فجعلها خيراً من ألف شهر إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر [سورة القدر]. - واصطفى من الأيام عشر ذي الحجة ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام)) [رواه البخاري ح969]. - وفضل أحدها على سائرها، وهو يوم عرفة ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة)) [رواه الترمذي ح3585] - وفضّل من أيام الأسبوع يوم الجمعة، قال : ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة)). - فضل من الأذكار لا إله إلا الله ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله)) [رواه الترمذي ح3383، وابن ماجه ح3800]. - وفضل من المساجد ثلاثة: المسجد الحرام والأقصى ومسجد النبي ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) [رواه البخاري ح2289، ومسلم ح1397]. - واصطفى بني آدم من بين مخلوقاته لحمل الأمانة إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً [الأحزاب:72]. - وهكذا يفضل الله ما يشاء فيجعله محلاً لرحمته وفضله.
3- لكن الناس يأبون إلا أن يشرعوا لهم مواسم وعبادات محدثة ما أنزل الله بها من سلطان كالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في 27 رجب، وهو تاريخ لا دليل عليه، ولو ثبت فليس لهذه الليلة مزية، بل هو محض اتفاق، إذ لابد أن يقع الإسراء في ليلة من الليالي. ومن ذلك الاحتفال بليلة المولد النبوي، وهي أيضاً من هذا الباب. - وكذلك توجد عبادات محدثة كصلاة الرغائب – العمرة الرجبية -. - وكذلك أعياد محدثة كعيد الميلاد – (الكرسمس) – عيد عاشوراء – وعيد خُم.
4- ليلة النصف من شعبان هل هي مما أحدثه الناس أم مما خصصه الشرع؟ للإجابة عن هذا السؤال نرجع إلى القرآن والسنة. أ- لم يرد في القرآن أي ذكر لليلة النصف من شعبان، وإن كان عكرمة (من التابعين) يرى أنها الليلة التي قال الله فيها إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين [الدخان:3]. ولكنه قول مردود بنص القرآن إذ الليلة المقصودة بالآية هي ليلة القدر كما قال الله: إنا أنزلناه في ليلة القدر [القدر:1]. ب- وردت في السنة أحاديث كثيرة في فضل ليلة النصف من شعبان ولكن يغلب على هذه الأحاديث الوضع أو الضعف، ومن هذه الأحاديث الضعيفة ما روي عن علي مرفوعاً: ((إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها..)) [رواه ابن ماجه ح1388]. وهو حديث ضعيف جداً، فيه ابن أبي سبرة وهو راوٍ متهم بالوضع. ومنها ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة مرفوعاً: ((إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد غنم كلب)) [رواه الترمذي ح739، وابن ماجة ح1389، وأحمد ح24825، وفي إسناده حجاج بن أرطأة وهو مدلس]. وقد ضعف البخاري هذا الحديث. - وأصح ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ما رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم وابن حبان عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) [رواه ابن ماجه ح1390، وأحمد ح6353،وابن أبي عاصم ح512، وابن حبان ح1980]. وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم منهم عامة أهل الحجاز وأصحاب مالك وابن دحية. وقال زيد بن أسلم: ما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان ولا يرون لها فضلاً على من سواهاً. وهؤلاء العلماء الذين ضعفوا الحديث يعتبرونها كسائر الليالي، ويرون أن من الابتداع تخصيصها بشيء، إذ لم يصح فيها شيء. - لكن جماهير كثيرة من أهل العلم صححوا الحديث، وأثبتوا لهذه الليلة خصوصيتها ومزيتها على سائر الليالي، ومنهم الإمام أحمد والأوزاعي وابن تيمية وابن رجب كما صححها الشيخ الألباني رحمة الله على الجميع قال ابن تيمية: "الذي عليه أكثر أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء آخر" (اقتضاء الصراط المستقيم 2/626).
5- ما الذي يجوز ولا يجوز في هذه الليلة. أ-أجاز من صحح الحديث أن يخصها المسلم بقيام لأنها محل لنزول رحمة الله، على أن يكون ذلك في خاصة الرجل لا أن يجتمع الناس لها في المساجد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أو في جماعة خاصة كما كان يفعل طائفة من السلف فهو أحسن، وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة، فهذا بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة". وقال أيضاً: "فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف، وله فيه حجة، فلا ينكر مثل هذا" [الفتاوى 23/132-133]. -كما في الحديث دعوة لكل مسلم لمراجعة أمرين اثنين: أولهما : مقدار توحيده لله، وخلوصه من الشرك، الخفي منه والجلي، الأصغر منه والأكبر. ومن ذلك ترك عبادة القبور والاستغاثة بالأضرحة والأولياء، وسؤالهم ما لا يقدر عليه إلا الله. وأيضاً تجديد النية وتحريرها من الرياء وطلب الأجر من المخلوقين. ثانيهما: سلامة صدره على المؤمنين وسلامة صدر المؤمنين عليه، فينبذ وإخوانه ومعارفه الشحناء وأسبابها من كذب وغيبة ونميمة وظلم و..... ، وتكون هذه الليلة ميلاداً متجدداً للأخوة الإسلامية الصحيحة.
ب-ولم يجز العلماء بحال من الأحوال: أ- الاجتماع لها في المساجد كهيئة الصلوات المفروضة. ب- صلاة الألفية وهي صلاة من مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات، والحديث الوارد فيها موضوع لا يصلح الاحتجاج به، بل هي بدعة أحدثت في القرن الخامس، ولم ترد عن أحد في السلف. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع". قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية: "فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة كهذه الصلوات المسئول عنها (ومنها صلاة الألفية) فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإٍسلام كما نص على ذلك العلماء المعتبرون، ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع، وفتح مثل الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله" [الفتاوى 23/414]. ج- صيام نهارها إذ لم يرد في نهارها أي فضل، ولم يصح عن أحد من السلف صوم هذا اليوم، ويدخل هذا اليوم في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان)) [رواه أحمدح9330، وابن ماجه ح1651وغيرهما]. د- ما يصنعه بعض الناس من احتفال وغناء وتمايل، فهذا ليس من طاعة الله في شيء. |