أهمية الموضوع: · كثرة القيل والقال من التكفير. · خطورة الكلام عن الموضوع. · أهمية الكلام عنه لأنه من بيان الحق وإظهاره في الأمة.
المباحث: 1- خطورة الكلام في التكفير. 2- ضوابط التكفير. 3- موانع التكفير. 4- كيف تقام الحجة.
1) خطورة الكلام في التكفير: أشاع المبتدعة التكفير بعضهم لبعضً، وأهل السنة يخطئون ولا يكفرون: * يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً . *روى البخاري عن أبي ذر مرفوعاً: ((لا يرمي الرجل رجلاً بالفسق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)). *روى البخاري عن ابن عمر مرفوعاً: ((أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)). آثار السلف: قال ابن دقيق العيد عند حديث ابن عمر (وهذا وعيد عظيم لمن أكفر أحداً من المسلمين، وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث، لما اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم). وقال ابن تيمية: (إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قامت عليه الحجة الرسالية..). قرر ابن الوزير تواتر الأحاديث في النهي عن تكفير المسلم. ثم قال: (وفي مجموع ذلك ما يشهد لصحة التغليظ في تكفير المؤمن، وإخراجه من الإسلام مع شهادته بالتوحيد والنبوات، وخاصة مع قيامه بأركان الإسلام، وتجنبه الكبائر). وقال: (وقد عوقبت الخوارج أشد العقوبة، وذمت أقبح الذم على تكفيرهم لعصاة المسلمين مع تعظيمهم في ذلك لمعاصي الله تعالى). وسئل أبو المعالي عن تكفير الخوارج فقال: (بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين). قال الشوكاني: اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية عن طريق جماعة من الصحابة أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. وقال محمد بن عبد الوهاب: وبالجملة فيجب على من نصح نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه، واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من الإسلام، أو إدخاله فيه من أعظم أمور الدين،. . . وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم). نواقض الإيمان القولية 7، 8، 9.
2) ضوابط التكفير: 1- الكفر العام لا يستلزم دائماً كفر المعين. روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله، إذا مات فحرقوه، ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال: لمَ فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له)). قال ابن تيمية: فقد يكون الفعل أو المقالة كفراً، ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا فهو كافر أو من فعل ذلك فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة. [الفتاوى 35/165]. قال ابن أبي العز: وأما الشخص المعين إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر؟ فهذا لا نشهد عليه ألا بأمر تجوز معه الشهادة، فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار. [الطحاوية: 357، 358].
2- الرضى بالكفر كفر: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم . قال القرطبي: إنكم إذاً مثلهم، من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضى بالكفر كفر، فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نُعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين . قوله: إن نعف عن طائفة منكم قيل: أنها نزلت في رجل اسمه مخاشن بن حمير، كان يسير مجانباً للمستهزئين، ولم يمالئهم في الحديث، لكنه ضحك لهم ولم ينكر عليهم... وفي أبي داود قال : ((إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها)). الرضى عمل قلبي لا يعرف إلا بالقرائن: وهي نوعان: قرائن لفظية: يعبر عن نفسه من غير إكراه. قرائن عملية: 1- الجلوس معهم، قال سليمان آل الشيخ: فهو كافر مثلهم، وإن لم يفعل فعلهم لأن ذلك يتضمن الرضى بالكفر، والرضى بالكفر كفر. وقال خالد بن الوليد: يا مجاعة تركت اليوم ما كنت عليه بأمس وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه وأنت أعز أهل اليمامة، وقد بلغك مسيري، إقراراً له ورضاءً بما جاء به. 2- الاستهزاء بالدين ولو كان على سبيل الخوض واللعب. 3- إظهار الكفر من غير إكراه. من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم . قال ابن تيمية: (إذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها صدراً).
3) اعتبار الظاهر في الإيمان والكفر. روى الشيخان ابن عمر مرفوعاً: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا في دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله)). قال ابن تيمية: (أي معناه أني أمرت أن أقبل ظاهر الإسلام وأكل بواطنهم إلى الله، فالنبي لم يكن يقيم الحدود بعلمه ولا بخبر الواحد ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحق ببينة أو لا إقرار). وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد: ((بعثنا رسول الله في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال : لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقال لا إله إلا الله وقتله ؟ قال قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا . فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ قال فقال سعد : أنا والله لا أقتل مسلماً حتى يقتله ذو البطينة (أي أسامة) ..)). قال ابن تيمية (لا خلاف بين المسلمين أن الحربي إذا أسلم عند رؤية السيف وهو مطلق أو مقيد يصح إسلامه وتقبل توبته من الكفر.. وإن كانت دلالة الحال تقتضي أن باطنه خلاف ظاهره). وفي البخاري قال عمر: إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة. قال الطحاوي: ولا تشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى. [الطحاوية 378]. إذا تعارض إيمان ظاهر، مع كفر ظاهر: يحكم بكفر صاحبه لأنه قد ناقض الإيمان. من أسلم تحت السيف يحكم بإسلامه فإن رفض الشرائع كفر.
4- قول الكفر كفر، وفعل الكفر كفر. من كفر الله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان . ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب . يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم . وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون . إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم . قال الكشميري: من تلفظ بلفظ الكفر يكفر، فكل من استحسنه أو رضى به كفر. قال ابن عابدين: إن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً، كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده. ونقل الإجماع على قتل من سب الله ورسوله والآيات. قال ابن راهويه: أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئاً مما أنزل الله أو قتل نبياً من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله.
5- الكفر العملي الأصغر لا يقال به إلا بقرنية شرعية تدل عليه. أمثلة: 1- مانع الزكاة: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون .فالظاهر كفر تارك الزكاة.روى مسلم في صحيحه: قال: قال ((ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره، حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار)). 2- كفران النعمة: ((تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن وبم ذلك يا رسول الله ؟ قال : تُكثرن اللعن.. وتكفرن العشير..)). 3- القاتل المتعمد، الزاني، السارق شارب الخمر.
6- الإسلام الصريح، لا ينقضه إلا الكفر الصريح. يا أيها الذين آمنوا إذا خرجتم في سبيل الله.فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً . قال ابن جرير: (يقول فتأنوا في قتل من أشكل عليكم أمره فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا من ألتبس عليكم أمره، ولا تقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقينا حربا لكم ولله ورسوله). وفي الحديث المتفق عليه من حديث عبادة بن الصامت: ((دعانا النبي فبايعناه، فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة من منشطنا ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)). قال ابن بطال: من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين.
7- العبرة بالخواتيم: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله . إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملئ الأرض ذهباً ولو افتدى به . إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم . وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار . ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة . وروى مسلم عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: ((لا ينفعه إن لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)). وفي الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود: ((فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل يعمل أهل النار فيدخلها)).
8- من كفر مسلماً فقد كفر. في الحديث المتفق عليه ابن عمر: أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر. وروى مسلم عنه أنه قال: ((من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه)). والذي يقدم على تكفير المسلم أربعة: مستحل، هازل، متأول مخطئ، مجتهد مخطئ. أما الأول: فكافر. أما الثاني: فكافر. أما الثالث: فهو آثم. أما الرابع: فلا حرج عليه.
9- من لم يكفر الكافر، أو شك في كفره فقد كفر. قال محمد بن عبد الوهاب: (من لم يكفر المشركين، أو يشك في كفرهم، أو صح مذهبهم كفر إجماعاً). وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم الرسول المستنقص له كافر، ومن شك في كفره وعذابه كفر.
3) موانع التكفير: أ- أ- الجهل: أدلة العذر بالجهل: جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة: ((كان رجل يسرف على نفسه...)). قال ابن تيمية: فهذا الرجل قد وقع له الشك، والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أحرق وذري، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك. ومثل ذلك قال ابن عبد البر، ابن القيم وابن حزم، والوزير. متى يعذر بالجهل: 1- اتفق الأئمة على أن حديث عهد بالإسلام أو من نشأ ببادية بعيدة يعذر بجهل الأحكام الظاهرة المتواترة كوجوب الصلاة ونحوها. 2- أن من أنكر هذه الأمور في دار الإسلام وعلم ولم يكن حديث عهد بإسلام فإنه يكفر بمجرد ذلك. 3- من أنكر بعض المتواتر من العامة لجهلهم ليس كمن أنكرها من العلماء إذا كان مثله لا يجهلها. 4- يقاس على حديث العهد، من نشأ ببادية من نشأ في بلد فيه انحراف في العقيدة. قال ابن تيمية: (وإن ذلك من الشرك الذي رحمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى نبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه). وقال محمد بن عبد الوهاب: لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه وسيفه وسنانه فلم تقم عليه الحجة ولا وضحت له المحجة. |