أسباب الاختيار: 1- أن هناك دعاة من أبناء المسلمين إلى وحدة الأديان. 2- أن هذه الدعوة تمس عقيدة المسلم وضرورة البراء من المشركين. 3- أن هناك مؤسسات وجمعيات تدعو إلى وحدة الأديان وقد انتشرت عموم العالم الإسلامي. 4- لفت النظر حول هذه القضية الخطيرة. يدور الموضوع حول المباحث الآتية: الأول: معنى وحدة الأديان. الثاني: مظاهر الدعوة إلى وحدة الأديان. الثالث: نشأة الدعوة إلى وحدة الأديان والجذور. الرابع: آثار الدعوة إلى وحدة الأديان. الخامس: فتاوى أهل العلم حول هذه الدعوة. السادس: شبهات تؤيد صحة هذه الدعوة والرد عليها. المبحث الأول: معنى الدعوة إلى وحدة الأديان: هي دعوة مشبوهة تدعو إلى وحدة الأديان وصهرها في بوتقة واحدة بهدف إلغاء الفوارق الدينية بين الناس لينصهروا جميعاً في بوتقة الإخاء الإنساني. المبحث الثاني: مظاهر الدعوة إلى وحدة الأديان: لم يعلن صراحة من قبل الدعاة إلى هذه الدعوة بإزالة دين الإسلام بل انطلقوا من مفاهيم شرعية لدعوتهم المشبوهة. المظاهر: 1- الرفض لتقسيم الناس إلى مؤمنين وكفار بحجة أن هذا التقسيم قد ارتبط بالعصور الوسطى وعصور الظلام. 2- جعلوا هذه الدعوة من صميم التوحيد. يقول د/أحمد كمال أبو المجد: "والذين يسرفون في الإلحاح على تميز الإسلام والمسلمين تميزا شاملا مطلقا محجوجون بنصوص القرآن الكريم التي تصف أنبياء الله بوصف الإسلام". وقال: "وهم محجوجون كذلك بحقيقة وحدة الإنسانية، ووحدة مصدر الأديان السماوية". 3- إزالة الفروق بين الأديان ليس خطيرا: وقال محمد عمارة: والفروق بين المسلمين وأهل الكتاب، ليست من الخطر، بحيث تخرج الكتابيين من إطار الإيمان والتدين بالدين الإلهي. العصرانيون 309. 4- لا يوجد شيء اسمه دين: يقول حسن حنفي: لا يوجد دين في ذاته، بل يوجد تراث لجماعة معينة، ظهر في لحظة تاريخية محددة، ويمكن تطويرها لخطة تاريخية قادمة. المرجع 309. 5- أن الجنة لا تخص المسلمين وحدهم: يقول عبد اللطيف غزالي: ِلمَ يعتقد أتباع كل دين أن الله يختصهم بالجنة، ويذر غيرهم وأكثر الناس في النار؟ إن إلهاً هذا شأنه وإن صح – وحاشا إن يصح – لا يكون إله طائفة قليلة بالنسبة لسائر الناس، لأنه ليس ثمة دين يضم أكثر البشر، إن العمل الصالح لهو اليوم أفضل جهاد في سبيل الله. 302-310. 6- أن المتفوقين من الكفار كيف يحرمون من الجنة: يقول محمود أبو رية: كيف سيحرم أديسون مخترع النور الكهربائي من الجنة، وقد أضاء العالم كله، حتى مساجد المسلمين باختراعه. 310. وعندما قيل له: إن أديسون لم ينطق بالشهادتين، قال: إذا كان هذا الرجل العظيم لم يدخل الجنة شرعا، أفلا يمكن أن يدخلها عقلا بفضل الله ورحمته، مادام يؤمن بخالق السماوات والأرض. 310. 7- أن التعايش بين الأديان، والحوار فيما بينها ضرورة ملحة من أجل مواجهة قوى الإلحاد والتيارات المادية. عقد المؤتمرات المكثفة في نواحي شتى ويحضرها مشايخ من المسلمين وقسس ورهبان. وتكون جمعيات تهتم بذلك مزيد الاهتمام. 8- طباعة التوراة والإنجيل والقرآن في غلاف واحد، وبناء مسجد وكنيسة ومعبد في مكان واحد. 9- أنشأ مجلس عالمي للأديان وأهداف هذا المجلس : أ- المناداة بوحدة الإنسانية. ب- منح الاحترام الواجب للتراث الإنساني المختلف. ج- دعوة الناس من كل الأديان إلى نوع من الوحدة الروحانية واحترام خصوصيات كل دين. د- تشجيع الفهم المتبادل والتعاون بين المقتصرات الدينية في العالم. هـ- أن هؤلاء المتطلعين إلى إيجاد تناسق وانسجام بين الأديان والمساعدة في التعاون في وحدة الدينية. و- حل وجهات النظر الدينية في حل المشكلات الإنسانية العامة. ز- حقوق الإنسان بما في ذلك حق حرية المعتقدات الدينية وممارستها. ح- التأييد العلمي للطموحات الفردية الخاصة بالمعتقدات الدينية عن طريق وضع برامج من شأنها تخفيف المعاناة وتحسين حال البشرية. المبحث الثالث: نشأة الدعوة إلى وحدة الأديان والجذور. فكرة قديمة: وجدت عند ملاحدة الصوفية. كابن سبعين: واسمه عبد الحق بن إبراهيم بن محمد الرقوطي، اشتغل بالفلسفة فأصابه إلحاد، وحاور بغار حراء راجيا النبوة، هلك عام 669 هـ. وابن هود: واسمه حسن بن علي المغربي الأندلسي، متصرف فليسوف، له صلة باليهود، صاحب شطح وذهول، هلك عام 699هـ. والتلمساني: واسمه أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله العابدي، شاعر نحوي، نسب إليه حلول واتحاد وزندقة، هلك عام 690 هـ، نواقض 378. قال ابن تيمية: "كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يجعلون أفضل الخلق، (المحقن)، عندهم وهو القائل بالوحدة أو إذا وصل إلى هذا فلا يضره عندهم أن يكون يهوديا أو نصرانيا، بل كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام ويجعلون هذه طرقا إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين". [انظر المجموع 14/165]. وجدت هذه الدعوة أيضا بعد ذلك عند التتار: قال ابن تيمية "وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب عند المسلمين" [28/523]. ثم وجدت هذه الدعوة لدى جمال الدين الأفغاني: في أواخر القرن الثامن عشر، قال محمد عمارة: لقد راودت الأفغاني أحلام السعي لتوحيد المؤمنين بالدين، وأبناء الشرائع السماوية الثلاث، سدا للثغرات أمام الأعداء، وتعبيرا عن اتحاد مقاصد الشرائع السماوية نحو الخير والحق والعدل. ومن أقوال الأفغاني: لقد لاح لي بارق أمل كبير: أن يتحد أهل الأديان الثلاثة، مثلما اتحدت الأديان في جوهرها وأصلها وغايتها، وبهذا الاتحاد يكون البشر قد خطوا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة. وقال: إن الأديان الثلاثة الموسوية والعيسوية والمحمدية على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية وإذا نقص في الواحد شيء من أمور الخير المطلق، استكمله الثانية. . وعلى هذا لاح لي بارق أمل كبير أن يتحد أهل الأديان الثلاثة. قد تأثر بهذه الدعوة تلامذة الأفغاني، وعلى رأيهم الشيخ محمد عبده، إذ قد دعا إلى التقريب بين الأديان، وكان ذلك بإيعاز من الأفغاني، فقد اتصل الشيخ محمد عبده برجالات الدين النصراني، وتفاوض معهم منذ عام 1883م، عندما كان منفيا في بيروت، ثم أخذت هذه الدعوة شكلا عمليا وكان هذا الجانب العملي في الآتي : أ- اتصل محمد عبده بالقس (إسحاق تيلور) وكتب له رسالتين بهذا الخصوص، ثم قال القس: بأن تفسير الإمام يمهد له الطريق لإثبات الوحدة بين الديانتين، في وسط يلتقي فيه المؤمن بالقرآن والمؤمن بالإنجيل. ب- ولما قامت ثورة 1919م بقيادة سعد زغلول، اتحد الصليب والهلال وخطب شيوخ الأزهر في الكنائس واعتلى القسس منابر الأزهر. ج- ثم ظهرت هذه الدعوة من جديد في السنوات الأخيرة حية، قام جماعة من المعروفين بميولهم الصهيونية بعد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانية في بيروت عام 1953 ثم في الإسكندرية عام 1954م، وقد اصدر الحاج أمين الحسيني بيانا أثبت فيه صلة القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية. د- ومن آخر المؤتمرات المؤتمر المنعقد في موسكو تحت عنوان (الإسلام والتفاهم بين الأديان والشعوب في العالم المتغير) في الفترة من 26-28 مايو/1995م تحت رعاية منظمة اليونسكو ومشاركة العديد من الهيئات الدينية. وأوصى المؤتمر بدعوة المسلمين في العالم عامة، وفي روسيا الاتحادية، ودول الكومنولث على وجه الخصوص لمواصلة دورهم الحضاري الفاعل، والتفاعل الايجابي مع أصحاب الديانات الأخرى وتحقيق السلام الاجتماعي والتضامن الوطني في بلدانهم . الجذور: 1- اليهود: باعتبارهم أقلية مفسدة، يسعون دائما لبث دعاوي إذابة الفروق بين العقائد مما يمهد الطريق لهم ليتغلغلوا في شعوب الأرض ويكونوا هم المستفيدين في النهاية على حساب الأديان الأخرى جميعا. 2- وهذه الدعوة تدور في فلك الحركات المسخرة لخدمة الصهيونية العالمية، إذ أن التشابه بين هذه الحركات يدل على أنها ذات أصل واحد وتعمل لهدف مشترك واحد. 3- الغلاة من الصوفية. 4- العقلانيين وأصحاب الفكر المستنير. 5- الغرب بأجمعه حيث أنشأ النظام العالمين الجديد من أجل أن يحتكم إليه ويفرض هيمنته على الآخرين. المبحث الرابع: آثار الدعوة إلى وحدة الأديان: 1- هدم عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين، بل وإزالة شيء اسمه دين في اعتقاد المرء. 2- تصحيح مذاهب الكافرين والسكوت عليها. 3- السماح للدخول في اليهودية والنصرانية دون أي حرج. 4- إلغاء الفارق العظيم بين المسلمين وغيرهم، والذي عليه محور الصراع بين الحق والباطل. 5- جعل دين الإسلام كسائر الأديان المحرفة من حيث اتباعه، وأنه لا ميزة له على سائر الأديان. 6- هدم الإسلام في قلوب أصحابه لأن الذي يرضى أو يدعو إلى وحدة الأديان فإنه يمسخ عن دينه ولا يتنازل أولئك عن ديانتهم لأنهم هم الذين يرعون الدعوة إلى وحدة الأديان. 7- عدم الدعوة إلى الإسلام لأن المسلم إذا أراد أن يدعو إلى دينه فإنه مضطر لبيان حال الكافرين ضرورة شرعية وضرورة كونية، وإذا لم يفعل ذلك وأقر بجواز الدخول في أي دين فإنه لم يعد داعيا إلى الإسلام بحقيقة التي أنزله الله على نبيه محمد . المبحث الخامس: فتاوى العلماء حول هذه الدعوة: أ- القاضي عياض: ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده، واعتقد كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك. [النواقض 380]. ب- ابن تيمية: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب" [المجموع 28/524]. ج- فتوى اللجنة الدائمة: المبحث السادس: شبهات تؤيد صحة هذه الدعوة والرد عليها: 1- أن أصل الديانات من الله سبحانه وتعالى: أقر هؤلاء أن الديانات الثلاثة منزلة من الله إذاً مصدر التلقي في هذه الديانات هو الله سبحانه وتعالى وهذا صحيح، ولكن: - عيسى جاء مصدقا برسالة موسى وكتاب التوراة، وجاء بالإنجيل والذي فيه نسخ بعض ما في التوراة قال تعالى: ومصدقا بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم . - محمد جاء بشريعة ناسخة لكل الشرائع وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً . - قال الشوكاني ومهيمنا عليه أي: شاهدا بصحة الكتاب المنزلة، ومقررا لما فيها مما لم ينسخ، وناسخا لما خالفه منها، ورقيبا عليه، وحافظا لما فيها من أصول الشرائع. فاحكم بينهم بما أنزل الله في القرآن ولا تتبع أهواءهم ، أي أهواء الملل السابقة ولا تعدل ولا تنحرف. عما جاءك من الحق : أي الحق الذي أنزل الله عليك، فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه، وما أدركوا عليه سلفهم، وإن كان باطلا منسوخا، أو محرفا عن الحكم الذي أنزله الله على الأنبياء، كما وقع في الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب الله. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً : أي جعل التوراة لأهلها، والإنجيل لأهله، والقرآن لأهله، وهذا قبل نسخ الشرائع السابقة بالقران، وأما بعده فلا شرع ولا منهاج إلا ما جاء به محمد . 2- ولو سلمنا بصحة تلك الشرائع السابقة فإن أهلها مأمورون باتباع شريعة الإسلام. قال تعالى: إذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول وصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه . عن علي قال: (لم يبعث الله نبينا آدم فمن بعده، إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه). ولهذا شهد اليهود والنصارى بنبوة محمد وضرورة اتباعه. والذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أنباءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون . ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . قال الشوكاني: فلا دين بعد بعثة محمد إلا دينه، ولا نجاة يوم القيامة لأحد لم يدن بدين الإسلام. [زبدة التفسير 77]. الشبهة الثانية: أن وحدة الأديان والدعوة إليها هي من السماحة التي دعا إليه الإسلام وخاصة مع النصارى. قال تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى . الرد عليها: 1- قال سيد قطب: إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب، ولكنه نهى عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم، وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب. [الظلال 2/910]. ولا شك أن الاعتراف بدينهم أكبر بكثير من الموالاة لهم. 2- علينا أن نكمل باقي الآية، وأن المدح للنصارى لأن منهم قسسين ورهبانا، وليس فيهم كبر وقد آمنوا بالنبي . يقول ربنا آمنا فاكبنا مع الشاهدين . الشبهة الثالثة: أن الدعوة إلى وحدة الأديان إنما هي من أجل الوقوف في وجه المادية والإلحاد. الرد عليها: 1- قال سيد قطب: وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السذج منا في هذا الزمان وفي كل زمان، حين يفهمون أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض للوقوف في وجه المادية والإلحاد، بوصفنا جميعاً أهل دين، ناسين تعليم القرآن كله، وناسين تعليم التاريخ كله، فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً . وأهل الكتاب هم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة، وكانوا لهم درعا ورداء. وهم الذين شنوا الحملة الصليبية خلال مائتي عام. وهم الذين شردوا العرب المسلمين في فلسطين، وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس. الظلال 2/ 910 بتصرف. 2- من الذي دعا إلى المادية والإلحاد وشجع عليها؟ أليسوا أهل الكتاب من اليهود وتبنى الفكرة فيما بعد النصارى فكيف نحارب الإلحاد بمن أنشأ الإلحاد؟ وبعد رحيل الإلحاد أليس الصراع قائم بيننا وبين أهل الكتاب، وإنهم يعتبروننا الآن العدو الأول لهم. |