عباد الله: عنوان هذه الخطبة "جيل لن يتكرر" ذلكم الجيل، هو جيله عليه الصلاة والسلام، هو القرن الذي عاش فيه، هم الملأ الذين وضعوا أنفسهم بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، يُعلّم ويُوجّه، يسقي ويروي ما شاء لهذه الأنفس. إنني لن أتحدث اليوم عن البطولات، ولا عن التضحيات، ولا عن العلم، ولا عن الأدب، ولا عن الزهد لذلك الجيل، سوف أتحدث عن جانب آخر، عن طائفة المذنبين والعصاة في هذا الجيل، ثم نقارن بيننا وبينهم على صعيد من الحق والعدل. أشرقت شمس الرسالة على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، ويجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، في المسجد وأصحابه حوله، يجلس كالقمر وسط النجوم في ظلام الليل؛ يُعلّمهم، ويُؤدبهم، ويزكيهم، وإن كانوا من قبل ذلك لفي ضلال مبين، واكتمل المجلس بكبار الصحابة، وسادات الأنصار، وبالأولياء، والعلماء، وإذا بامرأة متحجبة تدخل باب المسجد، فسكت عليه الصلاة والسلام، وسكت أصحابه، وأقبلت تمشي رُويداً حتى وصلت إليه عليه الصلاة والسلام، ثم وقفت أمامه، وأخبرته أنها زنت، وأنها تريد أن يُطهرها. فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل استشهد عليها الصحابة؟ هل قال لهم: اشهدوا عليها؟ هل فرح بذلك لأنها سلّمت نفسها؟ لا، احمرّ وجهه حتى كاد يقطر دماً، ثم حوّل وجهه إلى الميمنة، وسكت كأنه لم يسمع شيئاً. إنها امرأة مجيدة، إنها امرأة بارّة، إنها امرأة رسخ الإيمان في قلبها وفي جسمها، حتى جرى في كل ذرة من ذرات هذا الجسد. هل كانت تظن أن التطهير عنده كلام يُعزرها به؟ أو سياط وينتهي الأمر؟ كلا، إنها تعلم أن التطهير حجارة تتقاذف عليها، تُقطع جسدها فتلحقها بالآخرة!! لا إله إلا الله ما أعظم هذه المرأة!! لقد ارتفع الإيمان عند أولئك العصاة، إلى درجة لا يصل إليها أبرارُنا وأخيارنا هذا اليوم، إن عُصاة ذلك المجتمع المثالي والجيل الراشد، أعظم إيماناً من طائعينا وعُبّادنا وزُهادنا. فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟ حاول أن ترجع المرأة عن كلامها، لم يُرِد أن يأخذها بكلمة صدرت عنها، قد تكون غاضبة حينما قالتها، وقد تكون هناك شبهة، وهو الذي يُروى عنه – صلى الله عليه وسلم – قوله: ((ادرءوا الحدود بالشبهات)) [1]. إنه يمنع التجسس، والتصنت، والاطلاع على عورات المؤمنين، فهو الذي يقول منذرًا ومحذرًا طوائف معلومة: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته)) [2]. أخبرته المرأة أنها حُبلى من الزنا فقال: اذهبي، حتى تضعي طفلك ثم ارجعي، فذهبتْ حتى وضعت طفلها ثم عادت إليه. وفي هذا الموقف بدائع وفوائد، منها: عصمة هذا الجنين، فلا يُقتل معها بغير ذنب لأنه – صلى الله عليه وسلم – يعرف حقوق الإنسان. ومنها: صبرُها، فإنها لم تتغير عن موقفها أبداً، ذهبت وبقيت صابرة محتسبة، أكل الأسى قلبها، وسال الدمع الحار على وجنتيها، وتحرّق فؤادها، تريد أن تتطهر. والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفُسَهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرُ الذنوبَ إلا الله ولم يصرُّوا على ما فَعلوا وهم يعلمون [آل عمران:135]. فاغفر اللهُمَّ ربي ذَنْبَنَا ثم زدْنا من عطاياكَ الجسام لا تعَاقِبْنَا فقد عاقَبَنَـا قلقٌ أسهَرَنا جُنْـحَ الظـلام حملت طفلها تسعة أشهر، ثم وضعته، وفي أول يوم أتت به وقد لفَّته في خرقة، وذهبت به إلى الإمام الأعظم، إلى الطاهر المُطهر، ولم تتأخر خطوة واحدة عن إقرارها الأول، ثم هو لم يَسْتَدعِها عليه الصلاة والسلام، لم يُرسل إليها عسكرًا ولا شرطةً ولا طابورًا مأجورًا معتوهًا، يسحبها من بيتها، ولكن تَرَكَها فأتت بنفسها، تحمل طفلها بين يديها، وقالت: يا رسول الله، طهرني من الزنا، فنظر إلى طفلها، وقلبه يتفطر عليه ألمًا وحزنًا، لأنه كان يعيش الرحمة للعصاة، والرحمة للطيور، والرحمة للحيوان، قال بعض أهل العلم: بل هو رحمة حتى للكافر، قال الله: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء:107]. من يُرضع الطفل إذا قتلها؟ من يقوم بشئونه إذا أقام عليها الحد؟ فقال: ارجعي وأرضعيه فإذا فَطَمْتيه فعودي إليّ، فذهبت إلى بيت أهلها، فأرضعت طفلها، وما يزداد الإيمان في قلبها إلا رسوًّا كرسوِّ الجبال، كل يوم كانت تقترب من الله، ومن جنة عرضها السماوات والأرض، أُعدت للمتقين، وفُتحت للتائبين والعائدين. ثم أتت بالطفل بعد أن فطمته، وفي يده كسرة خبز، وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قالت: طهرني يا رسول الله، فأخذ – صلى الله عليه وسلم – طفلها وكأنه سلَّ قلبها من بين جنبيها، لكنه أمْر الله، العدالة السماوية، الحق الذي تستقيم به الحياة، دستور الدولة المؤمنة، الذي يجعل الناس سواسية حتى في باب العقوبة والسيف والحبس. قال عليه الصلاة والسلام: ((من يكفل هذا وهو رفيقي في الجنة كهاتين)). من الذي يقوم على هذا الطفل، ويُربّيه، ويُطعمه، ويسقيه، وله جائزة؛ أن يكون جار محمد – عليه الصلاة والسلام – في الجنة، فقام أنصاريٌّ، فأخذ الطفل. إنه مشهد مؤثر، مشهد الإمام وهو لا يتنازل عن حق الله، ولكنه لا يتجسس، ولا يُرهب، ولا يُرعب، وإنما يُربي الأنفس، حتى يأتي الإنسان طائعًا، يُسلم نفسه بنفسه إلى العدالة، إنها تربية: وذروا ظاهر الإثم وباطنه [الأنعام:120]. إن القوى العالمية، والكيانات الأرضية، والحكومات، لا تستطيع أن تقول لرعاياها: وباطنه لأن الباطن عند الله، لكن محمدًا – عليه الصلاة والسلام – ربى هذا الباطن، حتى يأتي الإنسان وقد فعل فاحشة، لا يعلم به إلا الله، فيُسلِّم رقبته لتُقطع!!. ذهبوا بالمرأة، فحجّبوها، وجاء بعض الصحابة يشهد إقامة الحدّ وأتت الحجارة عليها من كلّ جانب، ثم أقبل خالد بن الوليد، فرمى رأسها بحجر فتنضّح الدم [3] على وجهِ خالدٍ، فسبَّها، فسمع - النبي صلى الله عليه وسلم – سبّه إياها، فقال: ((مهلاً يا خالد!! فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة، لو تابها صاحب مكس [4] لغُفِر له)) [5]. إنها تابت توبة نصوحاً، فلا يحق لك أن تسُبّها يا خالد، لأن من تاب تاب الله عليه، وغَفر له، وبدّل سيئاته حسنات. وفي رواية أن النبي – صلى الله عليه وسلم –: ((أمر بها فَرُجمت، ثم صلّى عليها، فقال له عمر – رضي الله عنه -: تُصلي عليها يا نبي الله وقد زنت!! فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: لقد تابت توبة، لو قُسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى)) [6]!!. هذا هو الإسلام؛ قوةٌ في تنفيذ حدود الله – تعالى – ورحمةٌ إذا نفذ هذا الحدُّ كما أراد الله، وقبولٌ لتوبة المذنب، وشفاعةٌ عند الله – تعالى – يوم القيامة. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن الدين يقوم بتربية ضمائر الناس، وتزكية نفوسهم، وتعميق الإيمان في قلوبهم بأن العدالة لا بد أن تسود، وأن المساواة أمام الشرع، هي من أكبر أسباب بقاء هذه الأمة وقوتها. قصة أخرى؛ أمر عليه الصلاة والسلام بقطع يد امرأة مخزومية، كانت تستعير المتاع وتجحَده، أي أنها كانت تستعير أمتعة الناس وأموالهم. فاهتمت قريش بشأن هذه المرأة، لأنها كانت من قبيلة ذات نسب وشرف، فقالوا: من يُكلّم فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حِبُّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكلّمه فيها أسامة بن زيد، فتلوّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال: ((أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العَشِيُّ، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحدّ، وإني والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها، ثم أمَر بتلك المرأة التي سرقت فقُطعت يدها)). قالت عائشة: فَحَسُنت توبتها بعد، وتزوّجت، وكانت تأتيني بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - [7]. أيها الناس: ليس هناك حصانة لأحد في دين الله – تبارك وتعالى – تمنعه من أن يُعاقب، إذا ارتكب ما يستحق عليه العقاب. إن دين الله تبارك – وتعالى – ليس مُفصلاً على حسب الأمزجة والأهواء، ولا تدخله الشفاعات ولا الوساطات، كما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إذا بلغت الحدود السلطان؛ لعن الله الشافع والمشفع)) [8]. معنى ذلك، أن الشرع لا بد وأن يُطبق على الكبير والصغير، ولا بد أن تُقام الحدود على الشريف والوضيع. لأنه إذا لم يُطبق الإسلام على الناس جميعاً، فما فائدته إذن؟ وما الجديد الذي أتى به، إذا لم يكن الناس كلهم سواسية أمام الشريعة الإلهية؟! وهذا رجلٌ آخر، كان يشرب الخمر في عهده عليه الصلاة والسلام، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد جلده في الشراب، فأتى به يوماً، فأمر به، فَجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به!! فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلعنوه، فو الله ما علمت، إنه يحبُّ الله ورسوله)) [9]. إنه مجتمع قد امتلأ بالحب لله ورسوله، شاربهم يحمل الحب لله ورسوله، ولا تمنعه معصيته من أن يُقدّم روحه رخيصة للواحد الأحد. إن العصاة في مجتمعنا نحن – أيها المؤمنون – ليسوا كما يتصورهم البعض أنهم انسلخوا من الدين، أو أنهم خَلَعوا لا إله إلا الله، أو أنهم لا يؤمل فيهم صلاح، هذا ليس بصحيح، فعندهم خيرٌ كثير، وإني أعلم أناساً يجلسون في المقاهي والمنتديات، وقد يسهرون الليالي، ومع ذلك لو سمع أحدهم سبًّا للدين، أو استهزاء بالرسول – عليه الصلاة والسلام – كان على استعداد أن يُقاتل ذلك المستهزئ، وربما قدم دمه ونفسه دفاعًا عن الدين وعن عِرض محمد – عليه الصلاة والسلام –. فقصدي أن نستثير هذا الأصل في نفوس الناس، وأن نُنمّي هذه الفطرة في قلوبهم، حتى يزدادوا من الخير، ويتركوا ما هم عليه من المعصية. أيها الناس: ننتقل بعد ذلك إلى العهد العمري المجيد، فنجد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – خليفة على المسلمين، يحكم بحكم الله ورسوله، ولا زالت الأمة راشدة، متماسكة، خائفة من الله – عز وجل – يعترض البدويُّ على عمر وهو على المنبر، ثم يذهب إلى بيته، في أمان وسكينة وهدوء وراحة، لأنه محميٌّ، عنده حصانة الحوار والعدل. أتى شابّان إلى عمر وكان في المجلس، وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال عمر: ما هذا، قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا قتل أبانا، قال: أقتلت أباهم؟ قال: نعم قتلته، قال كيف قتلتَه؟ قال دخل بجمله في أرضي، فزجرته، فلم ينزجر، فارسلت عليه حجراً، وقع على رأسه فمات. قال عمر: القصاص.. الإعدام.. قرار لم يكتب. وحكم سديد لا يحتاج مناقشة، لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل، هل هو من قبيلة شريفة؟ هل هو من أسرة قوية؟ ما مركزه في المجتمع؟ كل هذا لا يهم عمر – رضي الله عنه – لأنه لا يحابي أحداً في دين الله، ولا يجامل أحداً على حساب شرع الله، ولو كان ابنه القاتل، لاقتص منه، وقد جلد ابناً له في بعض الأمور. قال الرجل: يا أمير المؤمنين: أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض، أن تتركني ليلة؛ لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية، فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني، ثم أعود إليك، والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا، قال عمر: من يكفلك أن تذهب إلى البادية، ثم تعود إليَّ، فسكت الناس جميعاً، إنهم لا يعرفون اسمه، ولا خيمته، ولا داره، ولا قبيلته، ولا منزله، فكيف يكفلونه، وهي كفالة ليست على عشرة دنانير، ولا على أرض، ولا على ناقة، إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف. ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله؟ ومن يشفع عنده؟ ومن يمكن أن يُفكر في وساطة لديه؟ فسكت الصحابة، وعمر مُتأثر، لأنه وقع في حيرة، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل، وأطفاله يموتون جوعاً هناك، أو يتركه فيذهب بلا كفالة، فيضيع دم المقتول، وسكت الناس، ونكّس عمر رأسه، والتفت إلى الشابين، أتعفوان عنه؟ قالا: لا، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين، قال عمر: من يكفل هذا أيها الناس، فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده، وصدقه، قال: يا أمير المؤمنين، أنا أكفله، قال عمر: هو قَتْل، قال: ولو كان قتلاً، قال: أتعرفه؟ قال: ما أعرفه، قال: كيف تكفله؟ قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين، فعلمت أنه لم يكذب، وسيأتي إن شاء الله، قال عمر: يا أبا ذرّ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك ! قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين، فذهب الرجل، وأعطاه عمر ثلاث ليالٍ؛ يُهيئ فيها نفسه، ويُودع أطفاله وأهله، وينظر في أمرهم بعده، ثم يأتي، ليقتص منه لأنه قتل. وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد، يَعُدّ الأيام عداً، وفي العصر نادى في المدينة: الصلاة جامعة، فجاء الشابان، واجتمع الناس، وأتى أبو ذر، وجلس أمام عمر، قال عمر: أين الرجل؟ قال: ما أدري يا أمير المؤمنين، وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها، وسكت الصحابة واجمين، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله. صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد، لكن هذه شريعة، لكن هذا منهج، لكن هذه أحكام ربانية، لا يلعب بها اللاعبون، ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها، ولا تنفذ في ظروف دون ظروف، وعلى أناس دون أناس، وفي مكان دون مكان. وقبل الغروب بلحظات، وإذا بالرجل يأتي، فكبّر عمر، وكبّر المسلمون معه، فقال عمر: أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك، ما شعرنا بك، وما عرفنا مكانك، قال يا أمير المؤمنين، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى!! ها أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ الطير، لا ماء ولا شجر في البادية، وجئتُ لأُقتل، فوقف عمر وقال للشابين: ماذا تريان؟ قالا وهما يبكيان: عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه، قال عمر: الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته. جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما، وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته، وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك، وجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين لعدلك ورحمتك. أيها الناس: إن هذا الدين وإن كنا نتحدث عنه كثيراً، إلا أننا لم نره إلا قليلاً، لكن الإسلام كله، لا زال عند عمر، بقي معهم في المدينة، كما قال أحد المحدثين: والذي نفسي بيده، لقد دُفِنت سعادة الإيمان والإسلام في أكفان عمر!!. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
[1] ضعفه الألباني، كما في ضعيف الجامع، رقم ( 258 )، وعزاه السيوطي لابن عدي، وابن السمعاني. [2] أخرجه أبو داود ( 4 / 270 )، حديث رقم ( 4880 ) والترمذي ( 4 / 331، 332 )، حديث رقم ( 2032 )، وقال : حديث حسن غريب، وصححه الألباني، كما في صحيح الجامع، رقم ( 7984، 7985 ). [3] تَنَضّح : ترشرش وانصب. [4] صاحب المكس : من يُعاون الظلَمة في أخذ أموال الناس بالباطل. [5] أخرجه مسلم ( 3 / 1323، 1324 )، حديث رقم ( 1695 ). [6] أخرجه مسلم ( 3 / 1324 )، حديث رقم : ( 1696 ). [7] أخرجه البخاري ( 8 / 16 )، ومسلم ( 3 / 1315، 1316 )، حديث رقم : ( 1688 ). [8] قال الهيثمي في المجمع : ( 6 / 262 ) رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وفيه أبو غزية، محمد بن موسى الأنصاري، ضعفه أبو حاتم وغيره، ووثقه الحاكم، وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف. [9] أخرجه البخاري ( 8 /14 ). |