أهمية الموضوع: غربة الدين: الجهاد، الأمر بالمعروف، الحكم بشرع الله، الولاء والبراء. التأصيل للغربة الأولى والثانية والربط بينهما. معرفة الوسائل التي تدفع الغربة الثانية.
تعريف الغربة: لغة: البعد: اغترب إذا بعُد. النزوح: عن الوطن. والغريب: من ليس من القوم. شرعا: غربة الدين. ما روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود: ((كنا مع النبي في قبة فقال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم قال: أترضون أن تكون ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء وفي جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر)).
غربة أهل السنة: وروى اللالكائي عن سفيان الثوري: استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء. وقال: إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة وآخر بالمغرب فابعث إليهما السلام، وادع لهما، ما أقل أهل السنة والجماعة. وروى اللالكائي عن أبي بكر بن عياش قال: السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان. وفي المدارج يقول ابن القيم: فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس، وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا، فوليه الله ورسوله والذين آمنوا وإن عاداه أكثر الناس وجفوه.
أسباب الغربة الأولى: ضعف تأثير النبوات أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوماً ما آتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون . العصبية للآباء والأجداد: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون . بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون . موقف أهل الكتاب: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً . والتأثير البالغ لقريش على سائر العرب:روى البخاري عن عمرو بن سلمة: كانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم. وقوف المؤمنين تحت التعذيب: فكانت الهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة
الغربة الثانية: روى الترمذي عن عمرو بن عوف قال: قال ((إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي)). روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال ((قلت: يا رسول الله ومن الغرباء قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولا يمارون في دين الله ولا يكفرون أحدا من أهل التوحيد بذنب)). روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال ((..أحب شيء إلى الله الغرباء، قيل: ومن الغرباء، قال: الفرارون بدينهم يبعثهم الله عز وجل يوم القيامة مع عيسى بن مريم)). روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال ((..فقيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)).
صفات الغرباء: يصلحون، لا يمارون في دين الله، رحماء بالخلق، لا يكفرون إلا بدليل، يفرون بدينهم من الفتن، طريقهم طريق الأنبياء، قليل، لا يسمع لهم. والناس حولهم: يفسدون، يمارون في دين الله، لا يرحمون الخلق، يكفرون، يقعون في الفتن، طريقهم طريق الشيطان، كثير، يسمع لهم.
مظاهر الغربة الثانية: 1- غربة الدين: غياب شرع الله أن يحكم في بلاد المسلمين إلا في بعض النواحي على مستوى الحكومات والشعوب. التراجع عن كثير من المفاهيم مثل الولاء والبراء والجهاد ونصرة المؤمنين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. استيراد الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين كالاشتراكية والديمقراطية. الدعوة للمؤاخاة الإنسانية من قبل المسلمين مع غيرهم. تحكم اليهود والنصارى في بلاد المسلمين ومن ذلك تنفيذ مخططاتهم في الاقتصاد والسياسة. تنفيذ مخططاتهم في محاربة الدعاة المسلمين ومحاصرة الأنشطة الإسلامية. 2- غربة المسلمين: الاستسرار بالدعوة. قلة الاتباع. الاضطهاد والتعذيب والسجن. محاربة الصالحين ورميهم بالتهم وعقد المؤتمرات لذلك. مناوئ الأحزاب العلمانية والوطنية والباطنية ضد دعاة الإسلام.
أسباب الغربة الثانية: الجهل المتفشي بين المسلمين وغياب المفاهيم الصحيحة. وقوع المسلمين تحت السلطات التي تحكم قوانين البشر. التأثير البالغ لعلماء السوء التي تغير الحقائق وتخرج كل ضلالة. موقف اليهود والنصارى العدائي مع إخوانهم في الداخل. ضعف تأثير أهل السنة والجماعة في أوساط المجتمع.
وسائل دفع الغربة: أولا: الجهاد: روى أحمد عن ابن عمر قال: قال : ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد وسلط الله عليمك ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)). روى أحمد عن ثوبان قال: قال : ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت)).
أثر الجهاد في دفع الغربة: رفع الفتنة عن المؤمنين وجعل الدين كله لله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . إقامة دولة إسلامية ثم الحفاظ عليها. ويبرز من خلاله المؤمن الصادق من الكاذب ما كان الله ليذر المؤمن على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب . ويبرز من خلاله المؤمن المنافقون فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت . وبالجهاد يتقوى أيمان المؤمن ويتخلى عن الرذائل من بخل وشح وهلع وجبن.
ثانيا: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون . وفي حديث النعمان بن بشير قال: قال : ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)).
أثره في إزالة الغربة: إزالة المنكرات الكبرى كتحكيم القوانين الوضعية - تعطيل شعيرة الجهاد. إزالة المنكرات في الجانب الاقتصادي كالربا والغش والاحتكار. إزالة المنكرات في الجانب التعليمي القائم على الوطنية والعلمنة. إزالة المنكرات في الجانب الاجتماعي: تغيير الإعلام، منع الفاحشة ولو باسم السياحية، منع كثرة السفر إلى الخارج دون حاجة حتى لا تنتشر الفاحشة، منع انتشار المخدرات والخمور. إزالة المنكرات في الجانب الإداري القائم على المحسوبية والرشوة ومنع الظلم وهضم الحقوق.
ثالثا: الصبر على الابتلاء: وذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض . آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين . روى مسلم عياض بن حمار قال: قال : ((يقول تعالى: إنما بعثتك لأبتليك وابتلي بك)). روى الترمذي عن أنس قال: قال : ((يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)). ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين .
أثره الصبر: الصبر على الدين، وعدم تقديم التنازلات وعدم الركون إلى الظالمين، وعدم أخذ وسائل التغيير من أعداء الإسلام. الصبر على أذى المشركين والمنافقين والفاسقين فلا يخرج عن طوره ولا يدعوه التسرع أو التهور أو الاستعجال إلى المواجهة قبل وقتها. الصبر على الدعوة والجهاد والإنفاق في سبيل الله والتضحية بالمال والنفس. الصبر على المنكرات الموجودة وعدم الوقوع فيها. الصبر على ما يلقاه المسلم من إخوانه في الصف لأن النزاع يؤدي إلى: تخلل الصفوف. ضعف العزائم. ضعف الأتباع. تناقض الجهود. الإخلاد إلى الراحة. |