أما بعد: عباد الله، نواصل التعليق على هذا الحديث العظيم يقول عليه الصلاة والسلام تتمة للحديث: ((وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)) فالرسول عليه الصلاة والسلام يخاف على أمته من الأئمة المضلين، وهم الداعين إلى البدع والفسق والفجور، وكيف لا يخاف عليه الصلاة والسلام على أمته من الأئمة المضلين وهو يعلم خطورة ذلك، إذا كان من ينظر الناس إليهم بعين الاحترام والتقدير، ويقتدون بكلامهم وأفعالهم كانوا هم ضالين في أنفسهم أو كان فيهم بدع هوى وفسق وفجور، فكيف يكون حال من تبعهم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) متفق عليه. ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة))، وهذه هي قاصمة الظهر، ووالله إنه ليقع كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنذ وضع أول سيف في الأمة لم يرفع حتى الآن، ولن يرفع حتى قيام الساعة، فإن لم يكن في بلد يكون في بلد آخر، وقد ابتدئ في زمن معاوية رضي الله عنه، ولا يخلو عنه طائفة من الأمة، والحديث كما يقول العلماء مقتبس من قوله تعالى: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ والناظر اليوم في حال البلاد الإسلامية يرى مصداقية هذا الحديث، فلا يكاد يخلو بلد من بلدان المسلمين من القتل فإن لم يكن في بلد كان في بلد آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان)) فالرسول عليه الصلاة والسلام يخبر عن قبائل وليس الأمر عبارة عن حالات فردية بل قبائل من هذه الأمة تلحق بالمشركين وقبائل تعبد الأوثان ويكون ذلك بعد ما عرفوا الإسلام لأنه قال: ((من أمتي)). وقد وقع بعض ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه، وهذا أمر يستدعي الحذر أيها الإخوة فإن المشركين والكفار لهم حيل وأساليب وألاعيب متنوعة لا تنتهي عند حد ومحاولة الإيقاع بالمسلمين أمر لا يخص على أحد، وهم يودون لو أن المسلمين كلهم لحقوهم، لا مجرد قبائل معدودة وقد استطاعوا تحقيق شيء مما يريدون، وما هؤلاء العلمانيون في زماننا هذا إلا تلامذة الاستعمار ممن رضعوا من ألبانهم وتربوا في أحضانهم، ولحقوا بالكفار منذ زمن، والآن يحاولون أن يلحقوا غيرهم معهم، لكن بإذن الله عز وجل تذهب تدابيرهم وتخطيطاتهم هباء منثوراً، فإنهم يخططون ويحسبون ويرسمون ويدبرون ويوقعون ويمكرون ويكيدون كيداً، وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً. ثم قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: ((وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي))، وحصل شيء من هذا في حياته عليه الصلاة والسلام، فادعى النبوة رجل يقال له الأسود العنسي، وكان ذلك في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد مقدمه من حجة الوداع لكن سرعان ما أخمد الله فتنته ولم يظهر إلا ثلاثة أو أربعة أشهر. وأيضاً ممن ادعى النبوة في حياته عليه الصلاة والسلام طليحة بن خويلد الأسدي وتبعه كثير من العرب عصبية، وتوفي الرسول صلى عليه وسلم وكان لا يزال يدعي النبوة، فسير إليه الصديق رضي الله عنه جيشاً بقيادة خالد بن الوليد، فالتقى الجيشان بمكان يسمى بزاخة بأرض نجد، فكانت الدائرة على طليحة وجيشه، ففر بعدها مع زوجته إلى الشام ثم تاب بعد ذلك وأسلم وحسن إسلامه وبعث بقصيدة إلى الصديق رضي الله عنه يقول فيها: فهل يقبل الصديق أني مراجع ومعط لما أحدثت من حدث يدي وإنـي من بعد الضلالة شاهد شهادة حق لسـت فيها بملحـد وممن ادعى النبوة مسيلمة الكذاب في أرض اليمامة، فأرسل له الصديق رضي الله عنه كتائب الإيمان بقيادة خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وشرحبيل بن الحكم، وقتل مسيلمة بيد وحشي رضي الله عنه. وادعى النبوة أيضاً المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي وادعى النبوة الحارث بن سعيد، وادعى النبوة بيان بن سمعان، وادعى النبوة أيضا المغيرة بن سعيد العجيلي وأيضاً أبو منصور العجيلي وأيضاً أبو الخطاب الأسدي، وممن من ادعى النبوة أيضاً على بن الفضل الحميدي واستولى على أجزاء كثيرة في اليمن وصل بعدها إلى زبيد وصنعاء، وهناك أعلن مذهبه ومعتقده السيء وبعد أن دخل صنعاء صعد المنبر وقال قصيدته المشهورة التي ادعى بدعوة النبوة فيها، وهذا مطلعها: خذي الدف ياهذه وأضربي وغنـي هزارك ثم اطربي تولى نبـي بنـي هاشـم وجـاء نبي بني يعــرب أحل البنات مع الأمهـات ومن فضله زاد حل الصبي لكـل نبي مضى شرعـة وهذي شريعة هذا النبـي إلى آخر ما جاء في القصيدة من الكفر والإلحاد، حتى إن مؤذنه كان يقول في آذانه أشهد أن علي بن الفضل رسول الله، وبعد فترة قاسية عاشها أهل اليمن أهلكه الله عز وجل على يد أحد الأطباء، فأراح الله منه البلاد والعباد. أما بالنسبة لحركات ادعاء النبوة في العصر الحديث فأمر مروراً سريعاً كالسابق على ثلاث من أهم وأخطر هذه الحركات في عالمنا الإسلامي، فبعدما فشلت الحروب الصليبية ضد الإسلام رغم الضعف الذي وصل إليه المسلمون فكروا بأساليب أخرى للنفوذ في العالم الإسلامي، فأدخلوا إليه أفكاراً منحرفة كالشيوعية والقومية وغيرها من المذاهب، كما أوجدوا بعض الشخصيات القيادية باسم النبوة والوحي. فمن هؤلاء علي بن محمد رضا الشيرازي وقد ادعى النبـوة عام 1260هـ وعمره آنذاك 25 سنة، وبعد ظهوره لقب نفسه بالباب، وتسمى دعـوته البابية. وادعى النبوة أيضاً حسين بن علي المازنداري وكان يلقب بالبهاء وسميت دعوته البهائية، وهي في حقيقتها البابية السابقة لكن في طورها الجديد، ومرت دعوة البهاء بثلاث مراحل: ففي المرحلة الأولى ادعى أنه المسيح بن مريم، وفي الثانية ادعى نزول الوحي عليه، وفي الثالثة نسأل الله العافية ادعى الربوبية. وأخيراً وفي أوائل القرن الرابع عشر هجري في قاديان من أرض الهند ادعى النبوة غلام بن أحمد بن غلام مرتضى، وعرفت حركته بالقاديانية يقول عن نفسه: أخاطب جهرا لا أقول كخافـت فإني من الرحمن أوحي وأخبـر تخيرني الرحمن من بيـن خلقـه له الحكم يقضي ما يشاء ويأمر يا معشر الأعداء توبوا واتقـوا والله إنـي مرسـل ومقـرب أعوذ بالله من هذا الكفر الصريح. ولكن أيها الأخوة مع وجود هذه الحركات ومع وجود هذه الطامات التي تنخر جسم الأمة فقد ختم رسول الله عليه وسلم حديثه بأعظم المبشرات والتي تثلج صدر المؤمن إذا سمعها والتي تزيده طمأنينة وثقة بهذا الدين، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى)). فمهما حدث يا عباد الله مما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من مظاهر غربة الدين من البلاء والافتراق والقتال وفساد الحكام وضياع معالم الدين عند الكثير من الفئات والطوائف حتى يلحق بعضها بالمشركين في الأفكار والمبادئ والمعتقدات والولاءات حتى يعبد بعضها الأصنام الحسية والمعنوية. فإنه لا تزال طائفة من هذه الأمة لا يضرهم من خالفهم، ولو خالفهم أهل الأرض كلهم حتى يأتي أمر الله تعالى. أسأل الله عز وجل بأسمائه أن يجعلنا من هذه الطائفة وأن يثبتنا على ديننا وأن يختم بالصالحات أعمالنا. اللهم إن أردت فتنة... |