أما بعد: أحبابنا في الله: أخرج مسلم: (202) في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال أن النبي تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [إبراهيم:26]. وقال عيسى عليه السلام: إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ [المائدة:118]. فرفع يديه، وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله بما قال – وهو أعلم – فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك. الحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة خير الأنام، نعم إن الله سيرضيه في أمته، ولا يسوؤه، وذلك فضل الله، تفضل به على هذا الحبيب وعلى أمته، وذلك يكون بشفاعته التي تنال أمته ، وهي أنواع عدة ذكرها أهل العلم في ذلك، فمنها شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة، فإنه أول داخل لها. أخرج مسلم: (196) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي : ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)). وفي رواية لمسلم: (197) ((فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)). اللهم أدخلنا الجنة في زمرته. ومن شفاعته شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار، فيخرجون منها، وقد تواترت الأحاديث على ذلك، روى المنذري: (5340) بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي قال: ((خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة))؛ لأنها أعم وأكفى، أما إنها ليست للمؤمنين المتقين، ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين، وفي الحديث: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) [أخرجه أحمد]. وصفة ذلك أن رسول الله يشفع إلى مولانا الرحيم الكريم في أن يخرج من النار أمته الذين قد دخلوها، فيأذن الله له في ذلك، أخرج البخاري بسنده: (7440)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث طويل، منه قال : ((فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرج فأدخلهم الجنة))، وقال قتادة: ((فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيُحد لي حداً، فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن)) أي وجب عليه الخلود، الحديث. حتى أنه من كثرة شفاعته يقول له خازن النار: يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة. [الترغيب: 5337]. هكذا يشفع لأمته، إنه الرحمة المهداة، صلوات الله وسلامه عليه حتى أن الله يناديه: أرضيت يا محمد، روى المنذري: (5338) بإسناد حسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أشفع لأمتي حتى يناديني ربي تبارك وتعالى، فيقول: أقد رضيت يا محمد؟ فأقول: أي رب، رضيت)). ومن شفاعته في ذلك اليوم شفاعته لعمه أبي طالب، أخرج مسلم في صحيحه: (212) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين، يغلي منهما دماغه)). وفي ذلك اليوم العظيم تتوالى الشفاعات رحمة من الله بعباده، يقول : ((يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء)) [رواه ابن ماجه: 4313]. وأخرج أحمد بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر))، فقال رجل: يا رسول الله، أو ما ربيعة من مضر، قال: ((إنما أقول ما أقول)). وما زالت الشفاعة في ذلك اليوم حتى يتفضل الرحمن الرحيم، الحنان المنان، الرؤوف الرحيم – سبحانه – فيخرج من النار أناس قد استحقوا العذاب، فيدخلهم الجنة برحمته. أخرج مسلم: (183) بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – في حديث طويل – قال رسول الله : ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتُحرم صورهم على النار، فيُخرجون خلقاً كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل)) الحديث، إلى قوله : ((يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)). فاتقوا الله – عباد الله – واسلكوا نهج نبيكم حتى تكتب لكم السعادة والجنات، اللهم أدخلنا الجنة بسلام، وتفضل علينا بباب الريان، واشملنا برحمتك وعفوك وعتقك من النيران، اللهم أصلحنا قبل الموت، وارحمنا عند الموت، واغفر لنا بعد الموت. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم. |