شكوى من زوجة معدد ، وبيان لطائفة من مسائل فقهية في التعدد السؤال: أنا امرأة متزوجة منذ 20 سنة ، ولي خمسة أبناء ، وأقيم أنا وزوجي وأولادي في المدينة التي يعمل فيها زوجي ، وهي بعيدة عن إقامة أهلي وأهله ، حرمت نفسي كل هذه السنوات من معظم كماليات الحياة ( من لباس وطعام وحلية … ) من أجل أن يجمع زوجي المال الكافي لشراء سيارة نستطيع أن نسافر بها إلى أهلنا بدون عناء . وبعد كل هذه المدة تزوج زوجي بامرأة ثانية تقيم بهذه المدينة ، وأنجب منها ولدين ، وأسئلتي في أمور مختلفة كالتالي :
- هل يجوز لزوجي أن يستعمل سيارتنا ليسافر مع زوجته الثانية والتجول معها وقضاء حاجياتها ؟ .
- هل يجوز له إن أردت الذهاب لزيارة أهلي أن يجعل هذا السفر بالتداول مع الزوجة الثانية ، أي : أنه لا أستطيع السفر إلى أهلي مرة تلو الأخرى حتى يسافر معها في السيارة لأي غرض ما ثم بعد ذلك يأتي دوري في السفر ، وهذا حتى ولو كنت مدعوة لوليمة أو زفاف أو غيرها من الأسباب ، مع العلم أن الزوجة الثانية تقيم أمام أهلها وتزورهم متى شاءت ، أما أنا فبعيدة عن أهلي ، فهل هذا عدل ؟ . والآن أصبح زوجي يرغمني على استعمال وسائل النقل العمومية للسفر مع أولادي الصغار ، ولا يريد استعمال سيارتنا التي طالما ضحيت من أجل أن نشتريها لكي تسهل علينا شقاء السفر ، ( وذالك ليتفادى المشاكل ) ، هل يجوز له ذلك ؟ .
- هل يحق لزوجي بأن يأخذ أشياء من بيتي لكي يستعملها في بيته الثاني ، مع العلم أن هذه الأشياء أردنا في وقت ما أن نبيعها لنشتري أغراض أخرى تحتاج إليها العائلة ؟ وهل يحق له أن يشتري آلات جديدة لزوجته الثانية دون أن يفكر في تغيير آلاتنا القديمة ( التي يوما تعمل ويوما لا تعمل ) .
- هل عدل من زوجي أنه عندما يشتري كمية من الطعام أوالفاكهة التي تكفي أسرته الثانية المتكونة من الأبوين و طفلان لم يتجاوزا 3 سنين فإنه يشتري نفسالكمية لأسرتنا المتكونة من الأبوين و 5 أشخاص يتراوح عمرهم بين سنتين و 23 سنة ؟ .
- هل يجوز لزوجي بأن يدخل زوجته الثانية في بيتي وهذا في غيابي وبدون موافقتي ويسمح لها بتغيير أشياء من موضعها ؟ . وأخيرا أشكركم على هذا الموقع الإسلامي ، وعلى الفتاوى القيمة ، وبارك الله فيكم .
الجواب
الحمد لله
أولا:ً
نشكر الأخت السائلة على ثقتها بموقعنا
، وعلى حسن ظنها به ، كما نشكر لها سؤالها عن دينها وتحريها حكم الله ، وهو يدل –
إن شاء الله – على دين وعقل رزقها الله إياهما ، فنرجو الله تعالى أن يوفقها
لالتزام حكمه ، وأن يوفقها لما فيه رضاه ، وأن يجمع لها بين سعادة الدنيا والآخرة .
ثانيا:ً
وقوفك أيتها الزوجة السائلة مع زوجك ،
وتوفيرك للنفقات من أجل شراء سيارة : مما يشُكر لك ، ويثُنى عليك من أجله ، لكن هذا لا يجعل السيارة التي اشتراها زوجك ملكا لك ، ولا هي شراكة بينك وبينه ، وإنما
يكون لك من الملكية فيها بقدر ما دفعت من ثمنها ، ولم تذكري شيئا من ذلك ، فتكون
السيارة ملكا شرعياّ لزوجك ، وهو قبل أن يتزوج بأخرى لا بدَّ أنه كان يقضي بها حوائج لنفسه ، ولا نظن أنك كنت تنكرين ذلك عليه بحجة أنك وفَّرت من كمال معيشتك لأجل شراء السيارة ، والظاهر أنك لم تفعلي هذا إلا بعد أن تزوج ! وهذا أمر نعرفه في عالم الزوجات . وعليه : فالسيارة ملك له ، ولا حرج من استعمالها في توصيل زوجته الثانية بها ، وليس ثمة مجال للإنكار عليه .
ثالثا:ً
سفر الزوج المعدِّد ليس فيه قسمة بين زوجاته ، وهو على حالين :
الأول : أن يكون سفرا مطلقا ، وهنا يجب عليه أن يقُرع بين نسائه اللاتي يرغبن بالسفر معه ، واللاتي يمكنهن ذلك حقيقة ، فمن خرجت قرعتها سافر بها ، ولا يقضي للتي بقيت ، ويفعل هذا في كل سفر يسافره حتى لو تكرر خروج القرعة لواحدة بعينها أكثر من مرة .
الثاني : أن يكون سفرا لحاجة إحدى نسائه ، كأن ترغب في السفر إلى أهلها ، أو للعلاج ، أو لحاجة غير ذلك ، فهنا يسافر بها ، ويقضي للتي بقيت . وإن سافرت وحدها – دون زوجها – لحاجتها : فلا تحُسب مدة سفرها لها ، وليس عليه أن يقضي لها أيام سفرها لها إن رجعت . وعليه : فليس للزوج أن يمتنع من السفر بك إلى أهلك بحجة أن يسافر بالزوجة الأخرى أولا ، وليس هذا من العدل الواجب عليه ، بل إنه يجلب مضرة وظلما ، فيسافر بك إلى أهلك إن استطاع وتيسر له ذلك ، ويقضي للأخرى الأيام التي يقضيها معك في السفر ، وإن أوصلك ورجع ، أو سافرت مع أحد غيره : فليس لك مطالبته بالأيام التي غبت فيها في سفرك ذاك . والعدل الواجب على المعدِّد هو : أن يعدل في نفقته على نسائه ، وفي المبيت ، وفي السكن ، وفي الكسوة ، وتجدين تفصيل هذه الثلاثة في جواب السؤال رقم : (10091) .
وانظري جواب السؤال رقم (102446 )
ففيه ذكِر شيء من أحكام السفر للمعددين .
رابعا:ً
ولا يجوز لزوجك أن يسمح بسفرك مع أولادك الصغار فقط ، إذا كانوا جميعا دون سن البلوغ وليس لك أن تفعلي ذلك ؛ فسفرك إن لم يكن فيه معك محرمَ من الرجال : كان سفرا محرَّما ، وأثمت فيه أنت زوجك .وفي أجوبة الأسئلة : (316 )
و (9370 ) و (4523 ) و (9708 ) و (5207 ) تجدين ذكر هذه المسألة ، فلتراجع .
وفي جواب السؤال () ذكرنا شروط المحرم ، فلينظر .
خامسا:ً
والأغراض التي في بيتك إن كان شيء منها لك تملكينه على الوجه الشرعي : فلا يحل لزوجك أخذه إلا بإذنك ، وعن طيب نفس منك ، وأما إن كانت تلك الأغراض ملكا له : فهو يتصرف بها كما يشاء ، لكن لا يتصرف على وجه يكون فيه ظلم أو حيف ، وليس من العدل أن ينَقْصُ من أغراض بيت لحساب بيته الآخر، بل ينبغي أن يكون تصرفه خاليا من الظلم والميل ، ويكون وفق المصلحة وعلى حسب القدرة ، ومن الطبيعي أن تكون أغراض البيت الأول أقدم من أغراض البيت الثاني بسبب قدمَ الزواج الأول وحداثة الزواج الثاني ، لكن لا يعني هذا أن لا يجدد أغراض البيت
الأول إن تعينت الحاجة لذلك ، ولا يعني أن ينَقْصُ منه ما يحتاجونه منها ، وعلى كل
حال : فالمسألة تحتاج لتقوى ، لا لفتوى ، ففروع هذه المسائل كثيرة ومتعددة ، ومن
كان من الأزواج المعددين صاحب تقوى : عرفَ ما أوجبه الله عليه فالتزم به ، وما نهاه
عنه فانتهى ، وتصرف في أموره الأخرى وفق المصلحة وعلى حسب القدرة دون أن يكون في
تصرفه ميل لجهة دون أخرى ، ولا هضم لحق واحدة على حساب الأخرى .
سادسا:ً
مما يجب على الزوج المعدد : النفقة على
زوجاته باعتباره زوجا ، وعلى أهل بيته باعتباره أبا ، ونعني بالنفقة الواجبة : أن
ينُفق على كل بيت ما يحتاجه أهله ، ولا شك أنه سيحصل تفاوت في تلك النفقة تبعاً
لحجم الأسرة ، وأعمار أفرادها وحاجتهم ، والمهم في ذلك أن يوفِّر لكل بيت حاجته من
الطعام والشراب وضروريات الحياة ، ولا مانع أن يزيد في النفقة لبيت دون الآخر بشرط
أن يكون هناك مسوغ لهذه الزيادة ، كأن يكون استقبال ضيوفه في ذلك البيت ، أو يكون أفراد الأسرة أكبر حجما ، أو تكون الزوجة أو أولادها يطرق بابهَم زوار كثُر يحتاجون لضيافة ، وهكذا في أسباب كثيرة متعددة تجعل صاحب البيتين يقدِّر حاجة بعضهم أكثر من الآخرين .
وننصح الأخت السائلة أن تتعالى عن التفتيش والبحث فيما يحضره زوجها لبيتها الثاني ، وأن تطلب منه حاجة بيتها هي وأولادها ، دون النظر إلى ما يأتي به للأخرى ؛ فإن هذا أدعى لسلامة قلبها من المرض ، ولعقلها من الانشغال بتوافه الأمور ، وأدعى لتجنب المشكلات بينها وبين زوجها .
سابعا:ً
إذا أراد الزوج تجنب المشكلات في حياته الزوجية : فلا نرى أن يدُخل إحدى زوجتيه على بيت الأخرى إلا بإذنها ، وأما أن يدُخلها ويجعلها تغيِّر في أثاث البيت وترتيبه : فليس له ذلك ، وهو بفعله ذلك يكون ظالما لصاحبة البيت ؛ فالبيت هو مملكة الزوجة ، وهي ترتبه وتعتني به ، فدخول ضرتها عليه دون علمها ، وتغييرها في ترتيبه : ينَقصُ من قدرها ، ويوقع الظلم عليها ، فليتجنب الزوج فعل ذلك ولا يفتح على نفسه أبوابا مغلقة من المشكلات مما هو في غنى عن الانشغال بها ، ومما يوقع العداوة والبغضاء بين زوجتيه وقد يؤثر ذلك مستقبلاً على علاقة أولاده من كلٍّ منهما بعضهم ببعض ، فيحصل بينهم – لا قدَّر الله – عداوة وبغضاء .
ونسأل الله أن يصلح حالكم وبالكم ، وأن
يوفقكم لما يحب ويرضى .
والله أعلم
موقع الاسلام سؤال وجواب