فتوى (ضوابط العدل بين الزوجات )
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله شيخنا الفاضل:
أنا زوجة ولي خمسة أولاد،تزوج علي زوجي وطلق عدة مرات,وقد تزوج مؤخراً وصرف كل ما عنده في هذا الزواج واستلف أيضاً مبالغ طائلة حتى صرت أنا وأبنائي في ضائقة مالية بسبب الديون والأقساط التي تراكمت على زوجي، إذ إنه أعطى عروسه الجديدة مهرا أكبر من مهري (وقد تزوجني بكرا وهي ثيب).. ولم يقم لي حفلاً كبيراً مثلها.. وأعطى والديها ولم يعط والديَّ شيئاً مما اضطرنا إلى تقليص متطلباتنا لأنه خفّض المصروفات الشهرية المعتادة سؤالي يا شيخي:
ما هو حقي أنا في كل هذا؟
أريد أن أعرف أولاً مالي حق فيه أو لا؟
ومتى يبدأ العدل بين الزوجتين؟
وما هي الأمور التي تدخل في العدل بالتفصيل إذا تكرمتم لنعرف نحن النساء مالنا وما علينا, فأنا يشهد الله أنني لا أريد أكثر من حقي الشرعي الذي أكرمني به الله ويكفيني ويرضيني والحمد لله، وما كان ضرورياً أقوم بدفعه من عندي من دخلي الخاص البسيط لأولادي.
وعلى العموم أنا لا أنوي المطالبة بحقوقي الآن حتى التي أعرفها ومتأكدة منها, لعلمي بظروفه ورأفة بحاله, لكني أحب أن أعرف حقوقي وأكون على بينة, لا أشعر بالظلم،وأنا واثقة أن الله _سبحانه وتعالى_ ما شرع شيئاً فيه ظلم لأحد أبداً ولكن الخلق هم الذين يظلمون بسوء التطبيق لشرع الله.
الإجابة:
الحمد لله وحده أما بعد..
العدل في الجملة من أجل العبادات وأوجب الطاعات، والظلم من أقبح الذنوب، ولهذا حرمه الله تعالى على نفسه، والعدل بين الزوجات من أوجب الواجبات؛ لأن المرأة في الغالب لا حيلة لها ولا اختيار تام بسبب ارتباط مصيرها بزوجها، أو لأجل ولدها إن كان لها منه ولد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله” رواه مسلم، ومعنى (عوان) أسيرات. وحذر من عدم إقامة العدل بينهن فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن قال: “من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل” رواه النسائي من حديث أبي هريرة.
والقاعدة في العدل بين الزوجات هو اعتبار ما دل عليه الكتاب والسنة مما يراد به العموم والتشريع، وما لم يرد فيه نص فإن المعتبر في العدل بينهن: ضرورة العقل السليم الذي لا يعارض النقل، وما يكون عشرة بالمعروف، وما يعده الناس عدلاً، وحين اختل فهم هذه القاعدة عند البعض أدخلوا في عشرة الزوج زوجاته ما ليس عدلاً، وأخرجوا بسبب ذلك ما يجب عليه من العدل.
والقسم يبدأ بمجرد البناء بالأخرى، ويقع البناء بها بأخذها من بيت والدها ولو دون وليمة نكاح.
ولا قسم ولا عدل في محبة القلب فقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: “اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”. رواه أحمد وغيره.
ويجب على الزوج العدل في الوطء ما دامت المرأة لا تمانع منه، وما عجز عنه لسبب لا يتمكن معه من القيام به فلا شيء عليه، وإذا كان العلاج ينفع في ذلك وهو لا يضر به وجب عليه ذلك؛ وهذا كله لأن الوطء حق للزوجين وعفاف لهما.
ويجب عليه المبيت ليلاً عند من لها النوبة، وأما المكث في البيت فيعدل فيه ما لم تدع إلى غير ذلك حاجة له أو ضرورة لضرتها، وعليه أن يقسم قضاء حاجاته خارج المنزل أو داخله بما يحقق العدل؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ما لم يقع بسبب ذلك في حرج ومشقة فيعــدل في المستطاع، ويسقط عنه ما سوى ذلك للحرج.
وله الدخول على إحداهن في زمن الأخرى للحاجة، ولو قبَّل أو ضم أثناء ذلك فلا حرج؛ لأنه تبع لدخوله لحاجته، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم؛ فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها. رواه أحمد وأبو داود.
وإذا سافر لحاجته وأراد أخذ إحداهن معه وجب عليه أن يقرع بينهن، وإذا أقرع لم يجب عليه القضاء، وإن كان لدى الأخرى ما يعوقها عن السفر كتعليم أولاد؛ فلا يُقرع ويقضي للمقيمة.
وإذا سافر بإحداهن لحاجتها هي في أمر دين أو دنيا: وجب عليه أن يقضي للمقيمة.
وإذا طال السفر لم يجب عليه أن يقضي للمقيمة دفعة واحدة بل ينجمه بما يدفع الضرر عمن سافرت معه.
وليس له أن يجمع بينهن في سفر نزهة إلا برضاهن؛ فإذا سافر لهذا الغرض مدة وجب عليه أن يعطي الأخرى مثلها؛ ولو في عام قادم.
ويقسم للمريضة كالصحيحة.
ويجب عليه أن يعدل في النفقة أكلاً وشرباً وكسوة، وأولى الأمور: أن تكون نقدية؛ ليحصل التساوي، وإن تعذر هذا لبخل في الزوجة أو تبذير اشترى لكل واحدة برغبتها مثل ما اشترى للأخرى في الثمن.
ولا يلزمه أن يجعل مسكن الضرات متساوياً في السعة والمرافق، وإنما يكون هذا بحسب احتياج كل بيت، أما نوع الأثاث وقيمته فيعدل فيه ما استطاع.
وليس له في العطية المطلقة أن يهب إحداهن دون الأخرى.
وكل أمر معين وقع للزوج فيه حرج إذا أراد العدل فالحرج مرفوع.
ولا عدل فيما يدفع من المهر؛ لأنه يتفق عليه قبل وجوب القسم، ولا يجب عليه أن يعطي أهلها مثل ما يعطي أهل الأخرى؛ ما لم يقصد إغاظتها بذلك.
وعلى الزوجة في كل حال التذرع بالصبر، وأن تحرص في الوصول إلى مقاصدها المشروعة أن يكون ذلك بالحسنى، وبالتلميح لا التصريح، وأن تحذر من التقصي في سعيها إلى حقوقها، وأن تكون متسامحة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً فإن هذا أدعى إلى محبته والقرب من قلبه، وهذا كله لا يمنع هذا من المطالبة بالحقوق، وفي الإشارة ما يغني عن العبارة.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ سليمان الماجد
موقع المسلم