أحكام السقط
د. خالد بن علي المشيقح .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل لله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:
قال عليه الصلاة والسلام : ( والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته ) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .
معنى (احتسبته) بعني احتسبت أجره عند الله ،وصبرت لمصابها .
فهذه جملة من أحكام السقط التي تهم المرأة المسلمة ،وهي تشمل على مسائل :
المسألة الأولى : تعريف السقط في اللغة والاصطلاح :
السقط في اللغة : هو الولد الخارج من بطن أمه لغير تمام ، ويقال ، أسقطته أمه فهي مسقط .
وفي الاصطلاح : هو الجنين الذي يسقط من بطن أمه ميتاً.
والجنين يمر في بطن أمه بثلاث مراحل بينها الله عزوجل في كتابه { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الآية .
وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه المراحل في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد) والحديث رواه البخاري ومسلم .
فلا تنفخ فيه الروح إلا بعد انتهاء مائة وعشرين يوماً ، والمدة التي يتبين فيها خلق الإنسان في الحمل ثلاثة أشهر غالباً ، وأقلها واحد وثمانون يوماً.
المسألة الثانية : حكم إسقاط الحمل عمداً (وهو ما يسمى بالاجهاض) :
موقف الشريعة الإسلامية من (الاجهاض) التحريم بالجملة وأنه لا يجوز ، وقد أجمع العلماء على تحريم (الاجهاض) بعد نفخ الروح .
وأما قبل نفخ الروح فتقدر كل حالة بقدرها ،ويرجع في ذلك إلى العلماء لشرح كل حالة بصفة خاصة مستقلة .
المسألة الثالثة: الأحكام المترتبة على سقوط الحمل ، وهي كما يلي :
أولاً: إذا سقط الحمل في مرحلة النطفة ( في الأربعين يوما الأولى) أو في مرحلة العلقة ( الأربعين يوماً الثانية) ، ففي هذه الحالة على المرأة أن تتلجم ( يعني تضع على فرجها ما يمنع خروج الدم إلى الملابس مما هو مستعمل عند النساء) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس رضي الله عنها لما ولدت في ذي الحليفة أن تتلجم . رواه مسلم .
ويجب عليها أن تستمر في صلاتها ، وصيامها إذا كانت صائمة ، ويجوز لزوجها أن يجامعها ويعاشرها وطئاً واستمتاعاً.
والدم الخارج بسبب الإسقاط في هذه المرحلة الأقرب من أقوال أهل العلم أنه لا ينقض الوضوء ،ولا بجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة إلا إذا خرج منها خارج معتاد كالبول أوالغائط أو الريح ونحو ذلك.
ثانياً : أن يسقط الحمل بعد أن تم له ثمانون يوماً ، فعلى المرأة أن تنظر في هذه المضغة إن تمكنت أو تسأل الطبيب أو الطبيبة الثقة هل خلقت خلقت هذه المضغة أو لا ؟
يعني: هل بدأ فيها تخليق الإنسان ولو خفياً كتخطيط بط أو رجل أو رأس ونحو ذلك ؟
فإن كانت هذه المضغة لم يتبن فيه خلق الإنسان ، بعني قطعة لحم وليس فيها تخطيط ،ولو خفياً كيد أو رجل أو رأس أو نحو ذلك فإن المرأة تأخذ أحكام القسم الأول :
تتحفظ وتصلي وتصوم وتحل لزوجها ،ولا بجب عليه الوضوء لكل صلاة إلا إذا خرج مها بول أو غائط أو ريح ونحو ذلك.
وإذا كانت المضغة قد بدأ فيها تخليق الإنسان ولو كان خفياً كتخطيط بد أو رجل او رأس ونحو ذلك فإن المرأة تأخذ أحكام النفاس :
لا تصلي ، ولاتصوم ، ولا بجوز لزوجها أن يجامعها حتى ينقطع عنها الدم أوالصفرة أوالكدرة، أو حتى تبلغ أربعين يوماً إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصفرة أو الكدرة . فإذا بلغت أربعين يوماً فإنها تغتسل وتصلي وتصلي وتصوم وتحل لزوجها.
ثالثاً : إذا سقط الحمل بعد ثمانين يوماً ولا تعلم المرأة هل خلق هذا الحمل الذي سقط أولا ؟ وجهلت أمره ، فهذا السقط لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى : إذا كان الحمل الذي سقط قد تم له تسعون يوماً فإن المرأة تأخذ أحكام النفاس :
لا تصلي ،ولاتصوم ، ولا بجوز لزوجها أن يجامعها حتى ينقطع عنها الدم أوالصفرة أوالكدرة، أو حتى تبلغ أربعين يوماً إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصفرة أو الكدرة . فإذا بلغت أربعين يوماً فإنها تغتسل وتصلي وتصلي وتصوم وتحل لزوجها.
الحالة الثانية : إذا لم يتم له تسعون يوماً، وجهلت المرأة أمره هل خلق أو لا ؟ فإن المرأة تتحفظ تضع على فرجها ما يمنع من خروج الدم على ملابسها ،وتصلي وتصوم وتحل لزوجها ،والدم الخارج منها لا ينقض الوضوء ولا بجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة إلا إذا خرج منها خارج معتاد كالبول أو الغائط أوالريح ونحو ذلك كما تقدم.
مسألة مهمة: إذا سقط الحمل بعد وفاته في الرحم بمدة ، مثاله :
إذا سقط الحمل بعد ثلاثة أشهر ،وتبين أنه قد توفي قبل سقوطه بشهر،فإن الحمل في هذه الحالة يكون عمره شهرين فقط وتأخذ المرأة أحكام القسم الأ,ل (تتحفظ وتصلي ، وتصوم وتحل لزوجها ..إلخ) فالعبرة بمدة حياة الجنين في الرحم ،وليس زمن إسقاطه.
رابعاً : أن يسقط الحمل بعد تمام أربعة أشهر ( بعد نفخ الروح) فالمرأة تأخذ أحكام النفاس :
لا تصلي ، ولاتصوم ، ولا بجوز لزوجها أن يجامعها حتى ينقطع عنها الدم أوالصفرة أوالكدرة، أو حتى تبلغ أربعين يوماً إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصفرة أو الكدرة . فإذا بلغت أربعين يوماً فإنها تغتسل وتصلي وتصلي وتصوم وتحل لزوجها.
والجنين الي سقط في هذه المرحلة ( بعد نفخ الروح ) وتم له أربعة أشهر يغسل ،ويكفن ،ويصلى عليه ،ويقبر في مقابر المسلمين ،وتذبح عنه العقيقة في اليوم السابع من سقوطه.
وإذا اعتدي عليه وأسقط فإنها تجب فيه الكفارة المغلظة ،وتجب الدية وهي غرة .
وإذا اعتدي عليه وأسقط لوقت يعيش لمثله بأن يكون سقوطه لستة أشهر فأكثر ، وسقط حياً حياة مستقرة ، فديته دية المولود حياً (يعني مائة من الإبل ) .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً كثيراً.