تفسير قوله تعالى ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم)
تفسير قوله تعالى :
}الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (2) سورة المجادلة {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (3) سورة المجادلة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد…
يلجأ بعض الناس أن يوقعوا أنفسهم في أمور هم في غنى عنها إذ جعل الله لكل أمرا مخرجا يخرج به من هذا المأزق بإذن الله عز و جل فتجد الرجل يتلفظ بألفاظ تنغص عليه أمور حياته إذ زين له الشيطان أن هذا هو الحل الذي من خلاله نستطيع حل مثل هذه المشكلة فيقوم بتدمير العلاقات الزوجية بعبارات جاهلية مقيتة قبيحة كما بينها ربنا سبحانه وتعالى ليضع نفسه بعد ذلك في موقف شرعي محرج يأتي بعده ليطلب من الشرع الحنيف أن يتحمل أخطاؤه التي وقع فيها وقد كان في سلامة من هذا كله.
وكان إحدى تلك الكلمات التي تؤذي مشاعر الزوجة ويحس بندمها الزوج بعد إطلاقها ويثلم رابطة الصلات الزوجية هو الظهار المظاهرة من الزوجة: أن يقول الرجل لزوجته: “أنت علي كظهر أمي” أو غيرها من محارمه، أو “أنت علي حرام” ، فيحرم على نفسه وطئ زوجته وقد جعله الله له حلالا قبل هذا لأمر حدث بينه وبين زوجته ، كما وقع هذا في عهد النبي في حادثة خويلة بنت ثعلبة كما رواها الإمام أحمد وابو دواد وحسنه الألباني عندما قالت : فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة, قالت: كنت عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه, قالت: فدخل علي يوماً فراجعته بشيء, فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي. قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة, ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قالت: قلت كلا, والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إِلي, وقد قلت ما قلت, حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه, قالت: فواثبني, فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني, قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثياباً, ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه, فذكرت له مالقيت منه وجعلت أشكو إليه ماألقى من سوء خلقه, قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ياخويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه».
) قالت: فو الله ما برحت حتى نزل في قرآن, فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه فقال لي: «يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآناً ـ ثم قرأ علي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ـ إلى قوله تعالى ـ وللكافرين عذاب أليم} قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «مريه فليعتق رقبة» قالت: فقلت يا رسول الله ما عنده ما يعتق, قال «فليصم شهرين متتابعين» قالت: فقلت والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام قال «فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر» قالت: فقلت والله يا رسول الله ما ذاك عنده, قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإنا سنعينه بعَرَقٍ من تمر» قالت: فقلت يا رسول الله وأنا سأعينه بعَرَقٍ آخر قال «قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً» قالت: ففعلت.
فقبح الله سبحانه هذه اللفظة وأنكر على كل من أطلقها قوله على نفسه ذلك إذ أن (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ) حقيقة فكيف يتجرءون على إطلاق مثل هذا الكلام فيشبهون حرمت أزواجهم في الوطء كما تحرم عليهم أمهاتهم (اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ )؟ قبح قولا فاحشا شنيع وكذبا من هذا الذي يظاهر زوجته وهذا من حرصه سبحانه على استمرار الحياة الزوجية بعيدا عن مثل هذه الأخطار. ولكن من رحمة الله أن يتجاوز عن المخطأ ويعفو عن المقصر ويتوب على من تاب فيبشر الله عباده مخبرا عن نفسه بقوله (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ )
فإن وقع في هذا الأمر الشنيع وأسقط نفسه في تكاليف الكفارات الذي أوجبها هو على نفسه بالسقوط في مثل هذا الجرم عقوبتا وردعا من الله سبحانه وتعالى له وأراد بعد ذلك أن يعود لوطء زوجته وعزم على العودة لها فعليه وجوبا تحرير رقبة سواء كانت ذكر أو أنثى بشرط أن تكون سالمة من العيوب الضارة بالعمل.
فإن أعتق رقبة – وهذا هو الشرط الأساسي الأول في الترتيب – جاز له العودة إلى وطء زوجته بعد العتق وهذا من قوله سبحانه ( مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ). فهذا حكم الله يعظكم به سبحانه ترهيبا من الوقوع فيه وترغيبا بالابتعاد عنه ولذلك رتب الله العتق على من وقع فيه فعندما يذكر الرجل هذه العقوبة كف نفسه عنها. وذلك من كمال علمه سبحانه بما يصلح أحوالكم وأنه خبير بما يزين أمركم وهذا من إخباره سبحانه عن نفسه بقوله (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
ثم يخفف سبحانه على من لا يطيق ذلك بأن يصوم شهرين متتابعين فإن عظم عليه أمر الصيام وصعب عليه ولحقه مضرة فيه فله بعد ذلك إطعام ستين مسكينا إما بأن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم، كما هو قول كثير من المفسرين،
وإما بأن يطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطرة، كما هو قول طائفة أخرى.
والله تعالى أعلى وأعلم،،،