حديث القرآن عن العلاقة الزوجية .. إعجاز وبيان
للفقهاء والأصوليين حديث عن الزواج تغلب عليه اللغة القانونية؛ لغة الحقوق والواجبات، ولغة الأحكام الشرعية، حيث الوصف بالحل والحرمة ونحو ذلك، وللدعاة حديث أيضا تغلب عليه روح الإصلاح، واستدامة الحياة، واستبقاؤها بين الزوجين، في غير نسيان للتذكير بالحقوق المتبادلة بينهما، وسبل تفعيلها.
وقد وجدت في القرآن مذاقا خاصا وطعما حلوا ومعاني متفردة حين تحدث عن الزواج، ذلك الرباط الوثيق والميثاق الغليظ، وتلك العلاقة العجيبة.. فكيف تحدث القرآن عنها؟
1- الزواج آية من آيات الله تستحق التفكر، قال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة…} (الروم: 21)، فهل هناك أسمى من أن يجعل الله الزواج آية من آياته تستحق التفكر والتدبر والتأمل لما فيها من عجائب وغرائب يلحظها كل سليم الفطرة عميق الفكر بعيد النظر؟! أما أصحاب الفطر المطموسة المنكوسة فليسوا من ذلك في شيء؛ ولهذا ختمت الآية بقوله تعالى {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
2- الزوجة مخلوقة من نفس الزوج، كما في آية سورة الروم السابقة {من أنفسكم} وكما في قوله تعالى {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها…} (النساء: 1) وقوله {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة…} (الأنعام: 98) فانظر إلى دلالة: {منها} فهي توحي بأن الزوجة جزء من الزوج، والزوج جزء من الزوجة، فكأن الأصل أن هذه العلاقة غير قابلة للانفصال إلا إذا انفصل الجزء عن الكل، أو انبتر العضو من البدن، وهو ما لا يتصور إلا بمرض خبيث، نسأل الله العافية.
وأيضا فيها دلالة أخرى، وهي أن المرأة من طينة الرجل، فيها ما فيه من ضعف ونقص وخطأ، فلا ينبغي أن يفترض فيها الكمال، والأمر كذلك بالنسبة له، إنهما من الطينة نفسها.
3- الزواج سكن للزوجين، كما في قوله تعالى {… وجعل منها زوجها ليسكن إليها} (الأعراف: 189) وقوله {خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} (الروم: 21) وجعل هذا من آيات الله تعالى، وهذا محسوس ومشاهد في الحياة العملية للأزواج الأسوياء.
وفي كون الزواج سكنا للطرفين يجعل كلا منهما متمسكا بهذا السكن، وهل يفرط في السكن عاقل أو سوي؟! إضافة إلى ما في بنية الكلمة {لتسكنوا} من راحة وروح واطمئنان وهدوء تسكبها في النفس حروف الهمس في الكلمة.
4- المودة والرحمة بين الزوجين فعل إلهي، قال تعالى {وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم: 21) وما دلالة هذا؟
إن من دلالاته أن الله تعالى يريد لهذه العلاقة أن تقوم، وأن تستمر؛ سكنا للزوج، وسكنا للزوجة، ورحمة ومودة متبادلة، ومراعاة للحقوق، وتحقيقا للوفاء لذلك تولاها الله بنفسه وأنشأها جعلاً إلهياً خالصا.
5- الزوج لباس للزوجة والزوجة لباس للزوج، قال تعالى {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} (البقرة: 187) هل في هذا التعبير من جمال أو فوائد؟! الجواب: نعم، بلا شك، فهو تعبير يوحي بأن كلا منهما حريص على الآخر كما يحرص المرء على لباسه، ولنا أن نسأل هنا: ما وظيفة اللباس؟ إذا تدبرنا وجدنا أن وظيفته تتلخص في ثلاثة أمور: الحماية، والستر، وإبراز الحسن. فكأن القرآن يريد أن يقول لنا: إن الرجل حماية لزوجته من الرياح الهوج، ومن أتربة الحياة، وزعازع الدهر، وأنواء الزمان، وكذلك المرأة حماية لزوجها في أسراره وماله وأولاده وعرضه وشرفه، وإن كلا منهما يجب أن يكون سترا على الآخر، فلا يبرز عيوبه إلا على سبيل الإصلاح والتجويد والتحسين، لا من باب التشهير والتجريح والإساءة، فإن هذا يتعارض مع هذا التعبير اللطيف.
6- الزوجات حرث للأزواج، قال تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم…} (البقرة: 223) فكلمة الحرث تجعل الزواج رمزا للنماء والبركة لا وسيلة للفقر كما يصوره المفلسون، وهو معنى صرح به القرآن، واستخدام القرآن لكلمة الحرث تعبيرا عن الزواج استخدام بديع غير مسبوق، يجعل الخير المتوقع من الزواج كالخير المنتظر من الأرض التي لا قوام للحياة إلا بما تخرجه من زرع.
7- الزواج ميثاق غليظ، قال تعالى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} (النساء: 20-21).
ولم أجد في الإسلام عقدا سمي ميثاقا، ثم وصفته النصوص بأنه غليظ سوى ميثاق الزواج، وكان كافيا أن يصف القرآن عقد الزواج بأنه ميثاق وعهد، فالميثاق كلمة فيها من القوة والتشابك ما يحول بينها وبين التفكك أو التحلل.
هكذا تحدث القرآن عن الزواج ، فهل هناك كتاب إلهي أو قانون بشري تحدث بهذا البيان؟!.
بقلم الكاتب: وصفي عاشور أبوزيد
مجلة الوعي العدد 532