| موضوع: الكهان الإثنين 23 فبراير 2015 - 16:28 | |
| | عنوان الخطبة | الكهان | اسم الخطيب | محمد بن محمد المختار الشنقيطي | رقم الخطيب | 69 | رقم الخطبة | 1662 | اسم المسجد | قباء | تاريخ الخطبة | |
| | | | ملخص الخطبة | 1- علم الله يشمل الشهود والغيوب ، الصغير والكبير. 2- لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. 3- مستلزمات الإيمان بعلم الله لكل شيء. 4- حكم تصديق السحرة والكهان. 5- الضار والنافع هو الله وحده. 6- القرآن رقية مباركة من الأمراض والأسقام. 7-آداب الرقية الشرعية. | | الخطبة الأولى | | أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل. عباد الله: ومن صفات الحي القيوم, الذي لا تأخذه سنة ولا نوم, أنه بكل شيء عليم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [غافر:19]. أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد, يحصي عليه ثم يبدئ ويعيد, وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [الأنعام:59]. لو أن نملة سوداء, على صفاة ملساء, في ليلة ظلماء, لعلم الله حالها وشأنها, لا تخفى عليه خافية, فالسر عنده علانية, ما من ثلاثة إلا هو رابعهم, ولا خمسة إلا هو سادسهم, ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا, يعلم سبحانه قطرات المطر, يعلمُ سبحانه ما في البر والبحر, يعلم سبحانه دفقات الرياح العاتية, وقطرات الأمطار والأنهار والعيون الجارية, سبحان من لا تخفى عليه خافية, يعلمُ ما كان وما لم يكن, أن لو كان كيف يكون, ويعلم ما هو كائن, جل جلاله كل ذلك علِمَه ربُّنا. ومن عقيدة المسلم في ربه أن يعلمَ علم اليقين أن علم الغيب له سبحانه وتعالى لا يعلم الغيب إلا الله, ولا يعلم الأحداث والأخطار والأخبار وما سيكون في ظلمات الليل وضياء النهار غير الواحد القهار, لذلك لا يجوز للمسلم أن ينسب هذا العلم لغير الله, أو يعتقده في أي شيء سواه, لا يعلم الغيب إلا الله, فلا يعلمه السحرة, ولا المشعوذون, ولا الكهنة, ولا العرافون, يعلمه سبحانه وحده هو المطلع على الأمور, الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فإذا علم المؤمن ذلك كله اطمأن قلبه بالله, وقويت عقيدته في الله, وفر من الله إلى الله, قال : ((لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك)) [1]. إذا علمنا ـ عباد الله ـ ذلك فينبغي أن يكون لهذا العلم أثر في سلوكنا وأعمالنا, فإذا علمنا أن علم الغيب لله, فلا يجوز للمسلم أن يقف على باب أحد سواه, لماذا نقف على أبواب السحرة والمشعوذين؟ لماذا نقف على أبواب الكهنة والعرافين؟ أطردنا عن باب الله, حتى نقف بباب من سواه؟ هل بيننا وبين الله حجاب؟ هل بيننا وبين الله واسطة تحول بيننا وبين إجابة الدعاء وكشف البلاء وإزالة العناء؟. لذلك عباد الله من اعتقد في غير الله فقد خسر وضل ضلالاً مبينًا, من اعتمد على السحرة والمشعوذين ووقف بباب الكهنة والعرافين خذله الله في الدنيا والآخرة, ألبسه الله لباس الخوف ولباس الضيعة ولباس الخسارة في الدنيا والآخرة. لذلك عباد الله يقول النبي يشير إلى هذه العاقبة الوخيمة: ((من أتى عرافًا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))، ((من أتى عرافًا أو كاهنًا)) في رواية أحمد في مسنده ((فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) [2]. أي ضل الضلال البعيد كأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق [الحج:31]. ذلك بأن الله لم يكن مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [الأنفال:53]. حتى يغيروا العقيدة في الله ويتعلقوا بما سواه, فعندها يكون الخذلان والخسارة من الله. لذلك عباد الله اعتبر العلماء إتيان الكهان, والسحرة, والمشعوذين, ومن يدعي علم الغيب, وتصديقهم في جميع ذلك, كفرًا بالله ورسوله , لا يشترط أن تقف على باب الساحر أو المشعوذ, بل إن الإنسان ربما يقف هذا الموقف الوخيم بعقيدته, حينما يفتح صفحة من المجلة؛ لكي ينظر إلى برجه وطالعه, فإذا نظرت إلى الطوالع, والبروج, وما يذكرون فيها من الأمور, يقولون إذا كنت من مواليد برج كذا وكذا, فسيكون من أمرك كذا وكذا, فإن صدقت كلمة واحدة فقد كفرت بما أنزل على محمد , وإن وقفت أمام إنسان لكي يقرأ الكف أو الفنجان, فاعلم أنها الخسارة العظيمة في الدنيا والآخرة, إن وقفت أمام إنسان يقرأ الكف أو الفنجان, فاعلم أنك أمام عدو لله ورسوله , وأن إن وقع في قلبك شيء مما يقول فإنها الخسارة الأبدية, والعاقبة الوخيمة السرمدية, فتوبوا إلى الله واستغفروه. عباد الله: إن أصابتنا الهموم والأحزان, وقفنا بباب الرحيم الرحمن, إن نزلت بنا الخطوب والكروب, فررنا إلى علام الغيوب, وقفنا بباب أرحم الراحمين, وعذنا بالله وهو رب العالمين ومن يتوكل على الله فهو حسبه [الطلاق:3]. فما السحرة والشياطين يملكون لك ضرًا أو نفعًا من دون الله رب العالمين, الله أكبر يوم يأخذ بالنواصي والأقدام, الله أكبر هو السلام ومنه السلام. وقف موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام أمام أمة من السحرة, كانوا أقوى الناس في السحر, وأعلم الناس في السحر في زمانهم, وقف أمامهم مؤمنًا بالله, متوكلاً على الله, واثقًا بالله جل جلاله قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا... [الأعراف: 115-116]. قالها بإيمان وعقيدة في الرحمن, فلما ألقوا حبالهم وعصيهم فإذا هي حياتٌ تسعى, وإذا بكل عصاة كالأفعى, فلما رأى هذا المنظر العظيم دخله ما دخل فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى [طه: 68-69]. ألق العصاة بأمرنا, وفوض الأمور إلينا, فالله هو الحسيب, وهو الرقيب, فألقى عصاة ضعيفة, ألقى العصاة الهزيلة فإذا بها تلقف جميع ما صنعه السحرة, فغلبوا هنالك وانقلبوا خاسرين, فلما رأوا إلى عظمة الله جل جلاله خروا ساجدين, قالوا: آمنا بالله رب العالمين. ليس عند أحد غير الله نفع ولا ضر, النفع من الله, والضر من الله, فتوكلنا على الله وحسبنا الله, ومن عاذ بالله أعاذه, ومن لاذ بالله كان الله له سبحانه وتعالى, لو كادته السموات والأرض ومن فيهن, لجعل الله له من بين أطباقها فرجًا ومخرجًا, فطوبى للعبد المسلم الذي إذا أصابته الضراء علم أنه ما أصابه من سوء إلا من نفسه, فأناب إلى الله, وتضرع لله, واستغفر الله, وتاب إلى الله, حتى فرج الله كربه, وأزال الله همه وغمه. اللهم اجعل فقرنا إليك, وغنانا بك, وتوجهنا إليك. اللهم املأ قلوبنا إيمانًا, اللهم ثبت قلوبنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنك على كل شيء قدير, وبالإجابة قدير. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه البخاري في كتاب الدعوات, باب ما يقول إذا نام (11/117) فنح, ومسلم في كتاب الذكر والدعاء, باب الدعاء عند النوم (17/33) بشرح النووي, عن البراء بن عازب. [2] رواه أحمد والبيهقي في كتاب القسامة, باب تكفير الساحر وقتله إن كان ما يسحر به كلام كفر صريح والحاكم عن أبي هريرة. | | | الخطبة الثانية | الحمد لله رب العالمين, يجيب دعوة المضطرين, وأ شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إله الأولين والآخرين, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى الأمين صلى الله عليه وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين, وعلى جميع أصحابه الغر الميامين, ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الحشر والدين. أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل. عباد الله إن الله أنزل هذا الكتاب رحمة بعباده المؤمنين, وشفاء لما في الصدور من الله رب العالمين, أنزله رحمة بعباده وبركة وخيرًا للعبد في دينه ودنياه ومعاده. ومن بركات هذا القرآن التي جعلها الله جل وعلا فيه أنه جعله رقية لمن استرقى, جعل فيه الشفاء من الأدواء, ومن العلل والأسقام والمتاعب والآلام, فكم بدد الله به من أحزان, وكم أزال به من هموم وغموم وأشجان, فهو كلام رب العالمين, وموعظة إله الأولين والآخرين, قرأ بعض أصحاب النبي الفاتحة قرأها على مجنون فأصبح عاقلاً [1], وقرأها على لديغ فأصبح سليمًا مشافى [2], كل ذلك بإذن الله جل جلاله, فما أعظم الخير الموجود في كتاب الله عز وجل, إن في كتاب الله غناء لمن استغنى, وفيه كفاية لمن استكفى, فالرقية الشرعية هي الرقية بكتاب الله جل جلاله, وبما ثبت في سنة النبي من الأدعية المأثورة. كان من دعائه صلوات الله وسلامه عليه: ((أذهب البأس رب الناس, واشف أنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك, شفاء لا يغادر سقمًا)) [3]. كلمات عظيمة لو وزنت بالسماوات والأرض لرجحتهن, كلمات عظيمة إذا قالها المؤمن اطمأن قلبه, وقوي إيمانه, وكان إذا عاد مريضًا صلوات الله وسلامه عليه كان يقول ويأمر أن يقال سبعًا: ((أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك, أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك)) يقولها المؤمن سبع مرات معتقدًا في الله جل جلاله فإنه يشفى, إلا إذا كان الأجل قد حضره, هكذا ثبت عن النبي [4], فيشرع للمسلم إذا أصابه الهم والحزن وأراد أن يسترقي أن يسترقي بالرقية الجائزة المشروعة إذا كانت بما ذكرنا من كتاب الله وسنة النبي , وهكذا إذا كانت بأسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى ففيها الخير الكثير والبركة العظيمة من الله جل جلاله. وإذا أراد المسلم أن يسترقي فإنه يذهب أو يطلب الرقية ممن عرف بصلاح دينه واستقامته لله سبحانه وتعالى, يذهب لمن عرف بالصلاح والاستقامة معتقدًا في الله سبحانه أنه يجعله سببًا وليس شافيًا بذاته, فالشفاء من الله وحده سبحانه وتعالى. وعلى الذي يقوم بالرقية أن ينفع أخاه المسلم؛ لأن النبي لما سُئل عن الرقية قال: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)) [5]؛ فإن المهموم والمغموم, ومن به حزن أو شجى يحتاج منك إلى كلمة تثبته, أو رقية يكون فيها شفاؤه بإذن الله جل جلاله, فإذا أردت أن ترقي الناس فانصح لهم, ولتكن رقياك بما ثبت عن النبي . وعلى من يقوم بالرقية أن يتقي الله جل جلاله؛ فإن بعض الناس قد توسع في هذا الأمر إلى أمر لا تحمد عقباه, فبعض الذين يقومون بالرقية يدخلون الوسوسة على الناس, فبمجرد أن يأتيه المريض ويقرأ عليه فيغشى عليه جعل يفسر ذلك بالعين والسحر, وهذا أصابته عين من الإنس, وهذا أصابته عين من الجن, وهذا به مس ظاهر, وهذا به مس طائر, إلى غير ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا الله جل جلاله, ينبغي للمسلم أن يكون عنده من الورع وخوف الله جل جلاله أن يتكلم بدون علم, الأرواح والشياطين أمر من الغيب ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي [الإسراء: 85]. اقرأ على أخيك المسلم وتوكل على الله أنه يشفيه, وأنه يذهب ما به من العناء والبلاء, ولا تدخل على الناس الوسوسة حتى ولو علمت أنه مسحور, أو شعرت أنه مسحور فليس من الحكمة أن تدخل عليه الوسوسة, فإن من النصيحة أن تخفي ذلك عنه؛ حتى تقوى نفسه, ويستجم فؤاده, فهذا هو خير الدين, وهو العقل والحكمة التي ينبغي لمن نصح أن يفعلها, أما أن نقول به عين أو سحر, لكي يتردد علينا, ويدمن الوقوف بأبوابنا, فذلك يخالف ما قصد من الرقية الشرعية. وينبغي على من استرقى فوجد النفع في الرقية أن يعتقد في الله, ولا يعتقد في المشايخ, فما المشايخ إلا سبب من الله سبحانه وتعالى, إن شاء الله العافية كانت, وإذا لم يشأ لم تكن, فالفضل كله لله وجل الله. وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا . وقال : ((من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه بها عشرًا)).
[1] أخرجه أحمد (5/ 210), وأبو داود (2/95) وغيرهما عن خارجة بن الصلت عن عمه. [2] أخرجه البخاري في كتاب الطب, باب الرقى بفاتحة الكتاب (10/208) فتح, ومسلم في كتاب السلام, باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرأن (14/187) بشرح النووي, عن أبي سعيد الخدري. [3] رواه البخاري في كتاب المرضى, باب دعاء العائد للمريض (10/136) فتح, ومسلم في كتاب السلام, باب استحباب رقية المريض (14/181) بشرح النووي, عن عائشة. [4] رواه الترمذي في كتاب الطب عن ابن عباس, انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري (6/259). [5] رواه مسلم في كتاب السلام, باب استحباب الرقية من العين (14/186) بشرح النووي عن جابر. | | | |
|
|