أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى. عباد الله، في صحيح مسلم عنه قال: ((بدأ الدين غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)) [1] وفي بعض الألفاظ: قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: ((الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو يصلحون إذا فسد الناس)) [2]. أيها المسلمون، بعث الله محمداً بالهدى ودين الحق، بعثه رحمةً للعالمين، بعثه وقد عمّ الأرض جهل عظيم، وضلال مبين، نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، بعثه على حين فترة من الرسل، واندراس من العلم والهدى، بعثه وأهل الأرض في ضلال، ما بين أهل كتاب قد حرّفوا كتبهم، وزادوا ونقصوا، وما بين عربٍ عبدة أوثان وأشجار وأحجار، وما بين عبدة النيران من المجوس وأمثالهم، بعث الله محمداً بهذا الدين الحنيف، بعثه بتوحيد الله وعبادته، كما بعث من قبله من الأنبياء والمرسلين، بعثه رحمةً للعالمين برسالة إلى عموم الخلق كلهم، عربهم وعجمهم، إنسهم وجنهم، واختار الله لمبعثه مكة أم القرى شرفها الله، فابتدأ دعوته بقومه العرب يدعوهم إلى توحيد الله، وإخلاص الدين لله، وإفراد الله بجميع أنواع العبادة، فما كان منهم إلا أن أنكروا دعوته، وردوا عليه دعوته وكذّبوه وقالوا: أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ [ص:5]، مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ [ص:7]. نعم، إنه بعثه لقوم ما أتاهم من نذير من قبله، وما عرفوا الحق قبل أن يأتيهم، بعثه ليدعوهم إلى الله، فابتدأ دعوته، وما استجاب له إلا الواحد تلو الواحد، وقومه قد ناصبوه العداوة، لما رأوه عاب أصنامهم، عاب آلهتهم، سب أوثانهم، انتقد ما عليه أسلافهم، من الضلال المبين، فكان الإسلام إذ ذاك غريباً، كان غريباً وحُقَّ له أن يكون غريباً، فالأعداء كثيرون، والمستجيبون قليل، ومن استجاب تحمّل كل الأذى، وتعرّض لأنواع التعذيب من قريش، فمن أسلم آذوه وعذبوه، وألحقوا به أنواع العقوبة. كل ذلك لأنهم لم يؤمنوا بهذا الدين، ولم ينقادوا له، فكان الإسلام إذ ذاك بمكة غريباً، كان غريباً بقلة الأتباع، وقلة الأنصار، ومن يحمي هذه الدعوة ويؤيدها، ومحمد صابر محتسب يصبر على كل الأذى، والله يثبت قلبه ويقول له: وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِى هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ [هود:120]، ويقول له: فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ [الأحقاف:35]. فمضى في دعوته إلى الله سِراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، فما يستجيب إلا القليل، ومن منكر ومكذب، ومقابل بالسوء، وهو صابر محتسب، يرجو من الله هدايتهم وبصيرتهم، جاءه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق على أهل مكة أخشبيها، لما بلغ الأذى منهم ما بلغ، فقال: ((أتأنَّى بهم، فلعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً)) [3]. أذن الله له فهاجر إلى المدينة، وعند ذلك وجد النصرة والتأييد من الأوس والخزرج، فحموه وحموا دعوته، رضي الله عنهم وأرضاهم، وتلقوا المهاجرين، وواسوهم بأنفسهم وأموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فاستقر قراره بالمدينة. ففي المدينة كملت شرائع الإسلام من أول ما قدمها إلى آخر عام من حياته فقد أكمل الله له الدين، وأتم به النعمة، ورضي به الإسلام ديناً، ففرضت الفرائض، وشرعت الأحكام والحدود، وما توفي إلا وجزيرة العرب قد انقادت له بأسرها، وعمّها الإسلام، واختفى الشرك والضلال، وأصبح الإسلام قوياً عزيزاً، ثم حمله أصحابه بعده إلى أرجاء المعمورة، فنصر الله دينه، وأعلى كلمته، وتحقق قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ [الصف:9]. فعاش المسلمون بهذا الدين في قوة وعزة يحكمون شرع الله، ويتحاكمون إليه، ويقيمون حدوده، وينفذون أحكامه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والإسلام في عزة وقوة ومنعة، ولكن ما زال النقص يدب إلى المسلمين قرناً بعد قرن، إلى أن وقع في المسلمين ما وقع من التفريط في دين الله، وتضييع شرع الله، وعدم القيام بهذا الواجب، ولهذا قال : ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، قال: حتى تلقوا ربكم))، قال أنس: سمعته من نبيكم [4]. فما زال الضعف يسري في الأمة، قرناً بعد قرن، إلى أن وقع في الأمة ما وقع من الشرك بالله والكفر به والإعراض عن دينه، وابتغاء نظم غير نظام الإسلام، وقوانين غير أحكام شريعة الله، ولهذا قال : ((وسيعود غريباً كما بدأ))، أي يعود الإسلام غريباً بين أهله، كما بدأ غريباً في مبدئه؛ أولاً غربته لجهل الناس به، وغربته الثانية لإعراض الناس عنه، فلما أعرضوا عنه وتجاهلوه وانصرفوا عن أحكامه، صار الإسلام بينهم غريباً. حقاً إنه غريب بين كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام، الإسلام غريب في كثير من العالم المنتسب إلى الإسلام، الإسلام غريب بينهم، الإسلام لا قيمة له بينهم، الإسلام قد عُزِل عن نظم الحياة، فلا يلتفت إلى أحكامه، ولا يقام وزنٌ لنظمه وآدابه، وإنما اكتفوا بالانتساب إلى الإسلام اسما مع تعطيل أحكامه، وعدم المبالاة به في المعاني، ولا شك أن تلك المصيبة، فغربة الإسلام بين أهله أن لا يحكّم، أن لا تنفذ أحكامه، أن لا تقام حدوده، أن لا يتأدّب بآدابه، أن لا يتخلّق بأخلاقه، أن يبعد عن نظم الحياة وعن الأخلاق والسلوك. إن المسلم وهو يتأمل حال كثير من المسلمين، للأسف الشديد يرى الإسلام غريباً بين أهله، إن جئت في باب توحيد الله وعبادته وإخلاص الدين له، وجدت كثيراً من عالمنا الإسلامي مخالفين لذلك، لو قام قائم يقول لهم: اعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، لآذوه، وقالوا: هذا المبتدع، وهذا الذي أتى بقول خارج عن الخير، وإلى آخر ذلك، ولذا يقول الله: وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45]، فإذا ذكرت توحيد الله، وإخلاص الدين لله، وأن أموات القبور لا ينفعون داعيهم، لا يسمعون دعاءه، ولو سمعوا ما استجابوا له و لا يعلمون حاله، لأنكروا عليك ذلك، وقابلوك بالعداوة والبغضاء، وقالوا: تسبّ الصالحين، وتعيب الصالحين، وتستنقص الأولياء، إلى غير ذلك مما زيّن لهم الشيطان، وحسّن لهم من الباطل، حتى رأوا الباطل حقاً والحق باطلاً، ولا شك أن هذه من غربة الإسلام. إن الإسلام الذي جاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعله خلقاً لهذه الأمة كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110]، وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، إذا ذكرت ذلك عابوك؛ لأنهم يرون المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، قد انقلبت الحقائق، انعكست الفطر، فصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً وتلك المصيبة العظيمة. غربة الإسلام بين أهله، حتى في الصلوات الخمس، فكثير من عالمنا الإسلامي، الصلوات الخمس لا تقام على الحقيقة، مساجد معمورة، ولكنها خراب من قلة المصلين، لا بصيرة ولا علم عندهم بهذه الصلاة، إنما يصليها أفراد من الناس والمعظم معرضون عنها، ولا شك أنها من غربة الإسلام والعياذ بالله. غربة الإسلام أيضاً - أيها المسلمون – غربة الإسلام بين أولئك، إذا نظرت إلى أحكام الشريعة، وقد عُطّلت أحكام الشريعة، وتحوكم إلى القوانين الوضعية، وعوديت أحكام الشريعة عن التحاكم إليها، وإنما يتحاكم الناس ويحكّمون نُظماً غربية، جاؤوا بها من أعدائهم، حكّموها وتحاكموا إليها، فلا حدود تقام، ولا قصاص يقام، ولكنها الأحكام الوضعية المشتملة على الظلم والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل. غربة الإسلام في التعامل، فالمعاملات الإسلامية التي جاء بها محمد ، تلك النظم الخالية من الظلم والغرر والغش والخداع، المعاملات الشرعية المبنية على العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، رأيت الإسلام غريباً بين أولئك، رأيت المعاملات الربوية وما لها من الشأن الكبير، رأيت المعاملات الربوية وكيف سرت في عالمنا الإسلامي، حتى يتصور البعض أنه لا يمكن أن يعيش إنسان بلا ربا، ولا يمكن لأي اقتصاد أن يقوم بلا ربا، ولا يمكن أي مجتمع أن يعيش بلا ربا، فأصبح الربا يرونه ضرورة من ضروريات الحياة، وإذا قلت لهؤلاء: هذا الربا حرمه الله، ولعن النبي آكله ومؤكله وآذن الله أكلته بالحرب، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]، وأن الربا ممحق للبركة يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ [البقرة:276]، وحذرتهم من ذلك، قالوا: أنت إنسان تعيش في قرون ماضية، وقرون خالية، وعقول جامدة، لا تفهم الحياة، ولا تعرف قدرها. لماذا؟ لأنك قلت: الربا حرام، وقلت لهم: إن المعاملات يمكن أن تقوم بلا ربا، بل لو عطّل الناس الربا لرأوا في المعاملات الشرعية ما فيها من العدل والإنصاف، وعموم النفع لكل البشر، ولكن الإسلام غريب بين هؤلاء، يرون الربا أمراً ضرورياً لا بد منه، وأن التخلي عن الربا انعزال عن اقتصاد العالم، وهو [انفصال] عن العالم؛ لأن الإسلام غريب في هذه المعاملات، المعاملات الإسلامية المبنية على العدل والإنصاف تكون غريبة بين المجتمعات الذين لا يريدون إلا معاملةً ربوية قائمة على الظلم والعدوان. إن أولئك إذا ناقشتهم في كل المعاملات الشرعية قالوا: إنك إنسان لا تفهم الحياة، صار الدين غريباً في تلك المعاملات لأنهم عزلوا الإسلام عن نظم الحياة، واستبدلوا بها نظماً جاهلية هي غربية من حيث تأسيسها، فهم لا يرون المعاملات الشرعية، لا يرونها حقاً، وإنما يرونها أموراً انتهت، فأصبح الإسلام غريباً في تلك المعاملات. في باب الأخلاق والسلوك الإسلام غريب بين كثير من عالمنا الإسلامي، الإسلام جاء بالأخلاق الفاضلة، جاء بالفضائل، وقطع أسباب الشر والفساد، وحارب الفساد والمفسدين، ولكن أولئك الإسلام غريبٌ بينهم، إذا قلت لهم: الإسلام حرّم القمار، حرّم الميسر، حرّم القمار لما فيه من الظلم والعدوان، أنكروا عليك وقالوا: تلك أمور لا بد منها، فالإسلام غريب بينهم. إن قلت لهم: إن الإسلام أوجب على المرأة الحجاب لتكون امرأة مسلمة صيّنة عفيفة بعيدة عن الاختلاط بالرجال قالوا: هذا كلام لا يصلح، وأنت عزلت نصف المجتمع، وشللت المجتمع من نصفه، وإن المرأة لا بد أن تشارك الرجال، ولا بد أن تخالطهم، ولا بد أن تعيش معهم، وإن الحجاب يشوّه المرأة، ويقبّح منظرها، فلا بد أن تسفر عن وجهها، ولا بد أن تخالط الرجال، ولا بد أن تسافر وحدها، وتتنقّل وحدها، دون أي رقيب أو ملاحظ عليها؛ لأنهم يرون ما جاء به الإسلام من آداب المرأة المسلمة بإلزامها الحجاب، وحثها على ذلك، وأمرها بالصيانة والعفة والبعد عن هذه الرذائل، يرون ذلك منقصة في حق المرأة، وهواناً للمرأة، طاعةً لأعداء الإسلام الذين يريدون تجريد المرأة المسلمة من كل أخلاقها وقيمها وفضائلها، فالإسلام غريب بين هؤلاء. من يقول إن اختلاط الجنسين ضرر وفساد في الحاضر والمستقبل هو غريب بين من تشبعوا بتلك الأفكار السيئة، والآراء المضللة، الذين يريدون منها مسخ فطرة المسلمة وتحويلها من امرأة مسلمة متمسكة بدينها إلى امرأة غربية منحلة من كل قيم وفضائل. إذا قلت لهم: يا أمة، إن الأمة الإسلامية مطالبة بدين الله، مطالبة بالبعد عن كل لهو عن كل لعب وعن كل باطل، وعن كل ما تقضي الأوقات فيه بلا خير ولا فائدة، قالوا: إنك كتمت حرية الناس، كتمت حريتهم، ولم تعطهم حريتهم المطلوبة. ما هي حرية الناس؟ حرية كل فرد أن يعيش على ما يهوى كان باطلاً أو حقاً، لا رقيب عليه، ولا آمر ولا ناهي، والإسلام جاء بالأخذ على يد السفهاء وأطرهم على الحق أطراً، فالمنادي بهذا غريب بين من يرى تلك الأباطيل والأضاليل. أيها المسلمون: إن غربة الإسلام اليوم بين كثير من العالم الإسلامي بدت واضحة في عدم فهم الإسلام، أو الإعراض عنه مع العلم به، واستبداله بغيره، فتلك والله غربة الإسلام. إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ولكن طوبى للغرباء، طوبى للمتمسكين به، إن فسد الناس فهم على صلاحهم وتقواهم، وهم ساعون في إصلاح المجتمع، ودعوته إلى الخير فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116]، ولكن الله جل وعلا كفل لهذه الأمة المحمدية أنه لا يزال في هذا الدين باقية، ولا تزال أمة من هذه الأمة ينادون بالحق ويدعون إليه يقول : ((ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) [5]، فلا يزال طائفة من هذه الأمة متمسكة بهذا الدين، مقيمة حجة الله على العالمين، وذلك فضله على هذه الأمة. إنما الواجب على المسلم أن يتمسك بدينه، وأن يستعصم بهذا الدين ويتمسك به، ولا يصغي إلى آراء المضللين وآراء المفسدين، وآراء من يصدّون الناس عن دين الله، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ [الأنعام:112-113]. أما المؤمنون بالله حقاً، والمؤمنون بلقاء الله حقاً، فهم لا تروج عليهم تلك الشبه والأباطيل، ولا تخدعهم تلك الأفكار، بل موقفهم منها موقف من يعرف زيفها وباطلها، ويعرف مقصود أهلها، فهو متمسك بدينه، داع إلى الله محافظ على هذا الدين لا يهمّه كثرة المنحرفين وَمَا أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ [الأنعام:116]. فالمسلم متمسك بهذا الدين ثابت عليه، مهما يسمع من أقوال وأفكار، ومهما يبلغه فهو متمسك بما عليه من الحق، وبما يعرفه من هذا الشرع، ثابت عليه، يسأل الله أن يثبته وأن لا يزيغ قلبه بعد إذ هداه، هكذا المسلم حقاً. إن هذه الدعايات المضللة ضد الإسلام وأهله من أعداء الإسلام، كلها من حقدهم وبغضهم لهذا الدين، فهم أعداء له بكل ما يملكون من وسيلة، أعداء لهذا الدين، يشكّكون المسلم في عقيدته، يشككونه في قيمه وفضائله، يدعونه إلى التجرد من هذا كله، وصدق الله: وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ ٱلَّذِي جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة:120]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان [145] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [2] هذا اللفظ أخرجه الآجري في صفة الغرباء من المؤمنين (ص19-20) ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وفي سنده أبو إسحاق السبيعي وقد عنعن ، ولكن له شواهد يتقوى بها ، انظر : تخريج بدر البدر لصفة الغرباء. [3] أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق [3231] ، ومسلم في كتاب الجهاد والسير [1795] من حديث عائشة رضي الله عنها بنحوه. [4] أخرجه البخاري في كتاب الفتن [7068]. [5] أخرجه البخاري في كتاب المناقب [3641] ، ومسلم في كتاب الإمارة [1037] من حديث معاوية رضي الله عنه. وورد أيضاً من حديث المغيرة بن شعبة ، وثوبان ، وجابر بن سمرة ، وجابر بن عبد الله ، وعقبة ، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم ، وكلها في الصحيح.
|