أما بعد : فاتقوا الله تعالى أيها الناس واعلموا أن الدعاء أعظم أنواع العبادة، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي قال: ((الدعاء هو العبادة ))، ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [سورة غافر:60]. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم [1]، وقد أمر الله بدعائه في آيات كثيرة، ووعد بالإجابة وأثنى على أنبياءه ورسله، فقال: إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ [سورة الأنبياء:90]. وأخبر سبحانه، أنه قريب، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فقال سبحانه لنبيه : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [سورة البقرة :186]. وأمر سبحانه بدعائه، والتضرع إليه، لا سيما عند الشدائد ،والكربات، وأخبر أنه لا يجيب المضطر، ولا يكشف الضر إلا هو، فقال: أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء [سورة النمل: 62]. وذم الذين يعرضون عن دعائه عند نزول المصائب، وحدوث البأساء، والضراء، فقال: وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [سورة الأعراف:94]. وقال تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ % فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:42،43]. وهذا من رحمته وكرمه سبحانه، فهو مع غناه عن خلقه، يأمرهم بدعائه ،لأنهم هم المحتاجون إليه، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ [سورة فاطر :15]. وقال تعالى : وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء [سورة محمد: 38]. وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاتسغفروني أغفر لكم)) رواه مسلم [2]. فادعوا الله عباد الله، واعلموا أن لاستجابة الدعاء شروطا لابد من توفرها، فقد وعد الله سبحانه أن يستجيب لمن دعاه، والله لا يخلف وعده، ولكن تكون موانع القبول من قبل العبد. فمن موانع إجابة الدعوة: أن يكون العبد مضيعا لفرائض الله، مرتكبا لمحارمه ومعاصيه،تعالى: ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ [سورة يونس:91]. إخوة الإيمان، ومن أعظم موانع الدعاء أكل الحرام وشرب الحرام ولبس الحرام، فقد ذكر النبي : ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)) رواه مسلم [3]، فقد أشار النبي إلى أن التمتع بالحرام أكلا، وشربا، ولبسا، وتغذية أعظم مانع من قبول الدعاء وفي الحديث: ((أطب مطمعك تكن مجاب الدعوة)) [4]، فقد ذكر عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله في كتاب الزهد قال: " أصاب بني إسرائيل برء، فخرجوا مخرجا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إليَّ أكفا قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام الآن إذا اشتد غضبي عليكم لن تزدادوا مني إلا بعدا ". فتنبهوا لأنفسكم أيها الناس وانظروا في مكاسبكم، ومآكلكم، ومشاربكم، وما تغذون به أجسامكم، ليستجيب الله دعاءكم وتضرعكم. ومن موانع قبول الدعاء عدم الإخلاص فيه لله، لأن الله تعالى يقول: فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ [سورة غافر:14]، وقال تعالى: فلا تدعوا مع الله أحدا [سورة الجن:18]. فالذين يدعون معه غيره من الأصنام وأصحاب القبور والأضرحة والأولياء والصالحين، كما يفعل عباد القبور اليوم من الاستغاثة بالأموات، هؤلاء لا يستجيب الله دعاءهم إذا دعوا فهذا قد ابتعد عن الله وقطع الصلة بينه وبينه، فهو حريٌّ إذا وقع في شدة، ودعا أن لا يستجاب له، وفي الحديث أن النبي قال: ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) [5] يعني أن العبد إذا اتقى الله، وحفظ حدوده، ورعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرف بذلك إلى الله، وصار بينه ويبن ربه معرفة خاصة، فيعرفه ربه في الشدة ويراعي له تعرفه إليه بالرخاء فينجيه من الشدائد وفي الحديث: ((وما تقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) رواه البخاري [6]. فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه، عامله الله باللطف والإعانة في حال شدته، كما قال تعالى عن نبيه يونس عليه الصلاة والسلام لما التقمه الحوت : فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون [سورة الصافات: 144]. أي لولا ما تقدم له من العمل الصالح في الرخاء وقيل: لولا أنه كان من المصلين قبل ذلك للبث في بطنه إلى يوم يبعثون [سورة الصافات:144]. أي لصار له بطن الحوت قبرا إلى يوم القيامة، قال بعض السلف: " اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله فلما وقع في بطن الحوت، قال الله تعالى: فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون [سورة الصافات :144]. وإن فرعون كان طاغيا ناسيا لذكر الله حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت [يونس :90]. فقال لأنهم لم يخلصوا، وكذلك الذين يتوسلون في دعائهم بالأموات، فيقولون نسألك بفلان، أو بجاهه، هؤلاء لا يستجاب لهم دعاء عند الله، لأن دعاءهم مبتدع غير مشروع، فالله لم يشرع لنا الدعوات بواسطة أحد ولا بجاهه، وإنما أمرنا أن ندعو مباشرة من غير واسطة أحد، قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [ [سورة البقرة:186]، وقال تعالى :]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [سورة غافر:60]. فاحذروا من الأدعية الشركية والأدعية المبتدعة التي تروج اليوم . 4. ومن موانع قبول الدعاء أن يدعو الإنسان وقلبه غافل، فقد روى الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة ، عن النبي قال: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه )) [7]. 5. ومن موانع قبول الدعاء ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة بن اليمان عن النبي قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث عليكم عذابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)) رواه الترمذي [8]، وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله : ((الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض)) [9] وقال : ((الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء )). رواه الحاكم أيضا وهو حسن [10]. فاتقوا الله عباد الله وألحوا على ربكم في الدعاء فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((إن الله يحب الملحين في الدعاء)) [11]. فالدعاء هو أعظم أنواع العبادة ،لأنه يدل على التواضع لله، والافتقار إلى الله، ولين القلب والرغبة فيما عنده، والخوف منه تعالى، وترك الدعاء يدل على الكبر وقسوة القلب والإعراض عن الله، وهو سبب دخول النار، يقول الله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ،[غافر 60] كما أن دعاء الله سبب لدخول الجنة قال تعالى: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ، فادعوا الله أيها المسلمون وأكثروا من دعائه مخلصين له الدين، وإن الدعاء أكبر ما يكون في أيام الفتن والمحن، التي يفتن فيها عباد الله في دينهم، وعقيدتهم، وعلمائهم، ودعاتهم . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين .[الأعراف55/56] بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا …
[1] صحيح، سنن أبي داود (1479)، سنن الترمذي (3247) وقال: صحيح، مستدرك الحاكم (1/491) وصححه ووافقه الذهبي. [3] المصدر السابق (1015). [4] قال الهيثمي في المجمع (10/291): رواه الطبراني في الصغير، وفيه من لم أعرفهم. قلت: لم أجده في الصغير وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1071). [5] أخرجه أحمد (1/307)، قال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (2804): إسناده صحيح. [7]مستدرك الحاكم (1/493) وقال: حديث مستقيم. وتعقبه الذهبي فقال: صالح متروك. وذكر الألباني أن للحديث شاهدًا يتقوى به، وبهذا فهو حسن. السلسلة الصحيحة (594). وأخرجه الترمذي أيضًا في سننه (3479) وقال: غريب [8] إسناده حسن، سنن الترمذي (2169). [9] المستدرك (1/ 492) وصححه ولم يتعقبه الذهبي ! وفي إسناده محمد بن الحسن التل. ضعفه الذهبي نفسه في ميزان الاعتدال (3/512) وذكر أن الحديث من مناكيره، وفيه انقطاع. على أن محمد بن الحسن هذا ليس محمد بن الحسن التل، وإنما هو محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، وقد ذكره الذهبي في الميزان (3/514)، وذكر في ترجمته هذا الحديث، ونقل عن يحيى بن معين تضعيف محمد هذا. وانظر السلسلة الضعيفة (179). [10] المستدرك (1/492)، وحسنه الألباني لغيره. صحيح الترغيب (1634). [11] أخرجه الطبراني في "الدعاء" رقم (20)، قال المحقق: إسناده ضعيف من أجل تدليس بقية بن الوليد. وكذا قال الحافظ في الفتح (11/95): رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بقية. ولذا ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (637). |