| موضوع: أسباب ذلة المسلمين الأحد 22 فبراير 2015 - 20:38 | |
| | عنوان الخطبة | أسباب ذلة المسلمين | اسم الخطيب | محمد عبد الكريم | رقم الخطيب | 79 | رقم الخطبة | 1497 | اسم المسجد | غير محدد | تاريخ الخطبة | |
| | | | ملخص الخطبة | 1- أسباب هزيمة أحد كما ذكرها القرآن. 2- الهزيمة سببها الذنب والضعف. 3- تعليق بعض المسلمين هزائمنا وذلنا على مشاجب العدو الخارجي. 4- أهمية القلب ودوره في توجيه الجوارح. 5- الحسد أحد أمراض قلوبنا. 6- ذكر بعض منكرات بيوتنا وتفريطنا فيها. 7- ذكر بعض منكرات المجتمع. | | الخطبة الأولى | | أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد , وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا... اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا... اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بك اللهم من أن نغتال من تحتنا. اللهم أحينا مسلمين وأمتنا على الإسلام يا رب العالمين... اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير ضالين ولا مضلين. أما بعد: يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ـ: أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون. هذه الآيات من سورة آل عمران في الحديث عن غزوة أحد التي خاضها الصحابة مع النبي ضد المشركين, هذه المعركة تحدث الله عنها في هذه السورة كثيرًا, في ثمانين آية من هذه السورة يتكلم الله تعالى عن هذه الغزوة ـ عن غزوة أحد الغزوة الثانية في الإسلام ـ هذه الغزوة كان فيها خير البشر الرسول قائدًا, وكان فيها الصحابة الكرام خير من اصطفاهم الله تعالى لصحبة نبيه كانوا فيها جنودًا أوفياء, مع ذلك كله أصابهم القرح, هزموا فيها بعد أن كانوا قد انتصروا في بدايتها, فلما حدثت الهزيمة في نهايتها تساءل بعض الناس وقالوا: أنّى هذا فأنزل الله تعالى تلك الآية وهو قوله تعالى: أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا أي كيف وقع هذا؟ كيف يكون هذا حالنا وفينا رسول الله ؟ وفينا خاتم الأنبياء والمرسلين؟ كيف يكون هذا حالنا وفينا الصديقون "أنى هذا" فجاء الجواب من الله: أولاً: قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير. ثانيًا: وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين. ثالثًا: وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالو قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا. وأركز في هذه الخطبة وربما في خطب تالية أيضًا عن السبب الأول من أسباب الهزيمة, وهي قوله تعالى: قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم ما المراد بهذه الآية؟ قال بعض المفسرين ـ استنادًا إلى ما أخرجه ابن أبي حاتم في كتاب التفسير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ: أن المسلمين لمّا أخذوا الفداء في غزوة بدر أصابهم الله تعالى في غزوة أحد بهذا المصاب, فكان جزاء ذلك في غزوة أحد أن ذهب سبعون من المسلمين قتلوا في مقابل السبعين الذين افتدوا في غزوة بدر, والله تعالى قال: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة أي: كان المفروض من المسلمين في أول وقعة في الإسلام أن يُعمِلِوا السيف في رقاب المشركين الذين في أيديهم وألا يفتدوا, ليعلم الكفار أن لا هوادة في قلوب المسلمين عليهم ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة هذا قول. القول الآخر في الآية ـ وهو ما ذهب إليه ابن جرير رحمه الله تعالى, ومن قبله الربيع ابن أنس وغيرهما ـ: أن المراد من قوله تعالى: قل هو من عند أنفسكم أي بسبب عصيانكم للرسول لما أمركم أن لا تبرحوا من أماكنكم التي أمركم بها, فأبيتم إلا أن تنزلوا عن مواطنكم فبسبب عصيانكم لرسول الله أصابكم هذا. وما القصة في هذا؟ القصة أن الرسول لمّا قدم إلى أرض أحد جعل الرماة ومعهم النبل على الجبل, هذا الجبل هو عن ميمنة المسلمين حتى لا يقترب المشركون منهم فتكون ظهورهم محمية بجبل أحد وتكون ميمنتهم محمية بهؤلاء الرماة, وقال لهم الرسول : لا تنزلوا ولو رأيتمونا انتصرنا وغنمنا فلا تشركونا, ولو رأيتمونا دخلنا المدينة فلا تنزلوا, فكان هذا أمرًا صارمًا من رسول الله لا ينبغي أن يعصى, فلما احتدم القتال ودارت رحى المعركة انتصر المسلمون في البداية وفر المشركون على أدبارهم, فأخذ بعض المسلمين يلتفون حول الغنائم, فلما رأى الرماة ذلك قالوا: لنشترك مع إخواننا في المغنم, فأرادوا النزول فنصحهم البعض فأبوا إلا أن ينزلوا, فلما نزلوا جاء المشركون فأخذوا مواقع الرماة من المسلمين فدخل المسلمون بعضهم في بعض وقتل بعضهم بعضًا وشج النبي وأدمي وكُسرت رباعيته, وهو خير الخلق عليه الصلاة والسلام, فقال المسلمون: "أنى هذا" كيف حصل هذا؟ فوضع الله أيديهم على السبب, على العلة التي من أجلها هزموا, هذه العلة هي من عند أنفسكم, ويفسر هذه الآية قوله تعالى أيضًا في سورة الشورى في الآية الثلاثين: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير, وبينهما كذلك قوله تعالى: ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يقول الحافظ ابن كثير: يبين الله تعالى في هذه الآية عدله في حكمته بأنه " لا يغير نعمة" فيزيلها عنهم ويحولها إلى غيرهم إلا بعد أن يغيروا ما بأنفسهم, نريد أن نقف عند هذه الجزء من الآية, لأنها هي السبب في مصاب المسلمين وهذا الموضوع له خطورته الكبيرة, فينبغي للمسلمين فرادى وجماعات أن يضعوا أيديهم على هذا السبب؛ لأنه ما من مصيبة تحدث إلا بسبب أنفسنا, وهذه الآية أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم يبين لنا بأن أولى الأسباب للهزيمة في المعارك هو ضعف النفس, نعم هناك أسباب خارجية, هناك مكائد, والمسلمون كثيرًا ما يلقون بأخطائهم وعثراتهم على أعدائهم والأسباب الخارجية, وينسون الأسباب الداخلية التي تؤدي إلى هزيمتهم وقهرهم في المعارك وفي غيرها.. نعم لاشك أن للأسباب الخارجية دورًا كبيرًا في هزيمة المسلمين كالغزو الفكري وكتدبير اليهود والنصارى كمكر الليل والنهار الذي يراد منه أن يكون المسلمون أذلة, نعم لاشك أن لهذا كله دورًا كبيرًا في الهزيمة, ولكنها في الحقيقة لا تؤثر وتُدفع بإذن الله تعالى إذا كانت الأسباب الداخلية منتفية, قال الله سبحانه وتعالى: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا فالله تعالى هنا أثبت أن للكفار كيدًا وللأعداء مكرًا, ومن ثم طمئننا فقال: لا تخافوا لن يضركم كيدهم شيئًا ما دمتم على التقوى, ما دمتم على الخير وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا لأن الله عز وجل بما يعملون محيط؛ لأن الله سبحانه وتعالى يمكر بهم حين يمكرون قال عز وجل: ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. لنقف عند هذه الآية, ولننظر إلى الآفات التي نعاني منها, ومن هنا يكون العلاج بعد تلمس الداء فمن الخطورة أن يحس الإنسان بألم المرض ولا يفطن إلى موضع الداء, نعم الإحساس بألم المصيبة كبير, نعم أن يحس الإنسان بألم الداء مصيبة عظمى, ولكن أعظم منها هو عدم الشعور بمكان الداء فإذا علم البلاء يسهل بعد ذلك العلاج.. واذكر في هذا المجال أمثلة فقط ولا أريد هنا الحصر, لا أريد أن أحصر الأسباب التي هي من أنفسنا. وأبدًا أولاً بمساوئ القلوب: فإن هذه المضغة, فإن هذا العضو هو العنصر الفعال في الفرد وإذا صلح الفرد صلحت الجماعة, والرسول يقول: ((إلا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)), ماذا في القلب؟ القلب إذا صلح صلح البصر فأصبح لا ينظر إلا إلى خير, القلب إذا صلح يصلح السمع فلا يسمع إلا خيرًا, القلب إذا صلح يصلح اليد فلا يأخذ إلا خيرًا, ولا يبطش إلا بحق ولا يكتب إلا حقًا, والقلب إذا صلح يصلح الرجل فلا يمشي إلا إلى خير ولا يمشي إلى شر أبدًا, القلب إذا صلح يصلح البطن فيأبى أن يأكل حرامًا, القلب إذا صلح يصلح اللسان يأبى أن يتكلم باطلاً, يأبى أن يغتاب أو ينم, القلب إذا صلح صلح الجسد كله كما قال . ويدلنا على خطورة ما في النفس, يدلنا على خطورة القلب وعلى مساوئه قوله عند مسلم عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه في الحديث أنه قال: ((فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها, وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)). هذا الحديث قال الشراح فيه: وسبب هذا القلب وما فيه, فلما كان هذا الذي يعمل صالحًا يعمل بعمل أهل الجنة وقلبه على غير ما يظهر عاقبه الله في نهاية الأمر, وأبدى الله عز وجل مساوءه وفضحه فعمل بعمل أهل النار فدخلها, فإذن الدسيسة التي في القلب هي التي تظهر عند الممات فإما أن يختم للإنسان بالخير وإما أن يختم له بالشر, ولذلك قال : ((إنما الأعمال بالخواتيم)) وأوضحه حديث: ((إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار, ويعمل بعمل أهل النار وهو من أهل الجنة, والله تعالى ليس بظلام للعبيد)). ونذكر من أمراض القلب ـ مثلاً ـ الحسد, الذي نستعيذ به فنقول ومن شر حاسد إذا حسد ألا يوجد فينا من يتمنى زوال نعمة أخيه المسلم, ألا يوجد فينا من يكره أن يعطى أخاه المسلم خيرًا أو ينال فضلاً؟ هذا هو الحسد, قال تعالى عن اليهود وهم من أكثر الناس حسدًا: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا, ويقول عن أهل الكتاب: ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم هذا الحسد الذي يضرم في قلوب كثير منا, هذا الحسد الذي هو تمني زوال نعمة الغير, الحسد الذي هو أن يكره الإنسان لأخيه خيرًا تحصل عليه, سواء كان من خير الدنيا أو خير الآخرة, هذا الحسد من أمراض القلوب الفتاكة الذي إذا سيطر على القلب أصبح الإنسان مريضًا مرضًا شديدًا, بل قد يموت في نهاية الأمر قلبه, والقلب إذا مات قسى وإذا قسى لم ينفع فيه ذكر, قال سبحانه وتعالى: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة. فأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينبذ عنّا الحسد وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
| | الخطبة الثانية | الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل, وأفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه, دعا عباده إلى دار السلام حجةً منه عليهم وعدلاً, وخص بالهداية والتوفيق منهم من شاءه منهم مَنّة عليهم وفضلاً, فهذا عدله وحكمته فهو العزيز الحكيم, وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم, والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه. كذلك من الأشياء التي في أنفسنا والتي بها نهزم, والتي بها يسلط علينا الأعداء المنكرات التي في بيوتنا, وكما قدمت فإنني أذكر هنا أمثلة فقط ولا أريد الحصر في هذا المقام. المنكرات التي في بيوتنا هي التي والله تؤدي إلى هزيمتنا, هي والله تؤدي إلى أن نكون في الأرذلين, فليست المشكلة في قرار وليست المشكلة في وجهة نظر, إنما المشكلة في المنكرات التي نحن قائمون عليها, المنكرات التي في بيوتنا, وقد يقول إنسان: وهل في بيوتنا منكرات؟ نعم, يا إخوان في بيوتنا منكرات, نحن مسلمون أي نعم, ولكن المعاصي إذا كثرت بيننا سلط الله علينا أعداءنا, المنكرات التي في بيوتنا أكثر من أن تحصر, أذكر مثلاً على ذلك في بيوتنا الخدم الذين يغدون ويروحون على محارمنا, على أزواجنا على فتياتنا, على أمهاتنا. الخلوة التي تحدث في بيوتنا, النظر إلى الحرام الذي يحدث في بيوتنا ـ سواءًا كان منا أو من أزواجنا, أو من أبنائنا ـ سماع الحرام, سماع الأغاني والفحش. انزل إلى أسواقنا وانظر هل كَفّ الناس عن شراء الأفلام, أفلام الفيديو التي أقل ما فيها ـ كما ذكرت قبل ذلك كثيرًا ـ أن تجد فيها كلمة فاحشة أو قبلة أو نظرة شيطانية, النظرة إلى المرأة الأجنبية لا تجوز من غير أن تتكلم وهي لا تنكسر في مشيتها, فكيف بالنظر إلى الممثلات والممثلين الذين نراهم بأم أعيننا يلقون بالفاحشة من القول والفاحش من النظرات, بالتكسر في المشية, أليس هذا من المنكر؟! بهاذا نعاقب, بهاذا يتسرب الخوف إلى قلوبنا, الأمن يزول؛ لأن الناس يعملون المعاصي, من المنكرات في بيوتنا أن يدخل الحمو البيت في غياب الزوج, أن يحدث التصافح بين الرجال والنساء اللواتي لسن بمحارم, كل هذا من المنكرات, أيضًا من المنكرات أكل الحرام من الربا من الرشوة, هذه من المنكرات التي تتأجج نارًا وإن لم نعاقب في الدنيا فسنعاقب عليها ـ إن لم يغفر لنا ربنا ـ في الدار الآخرة. أذكر أيضًا من الأشياء التي في أنفسنا والتي نعاقب عليها عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إذا أزيل هذا الأمر من بيننا وأصبحنا نلقي بتبعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أفراد معينين على جهة مختصة محدودة فلم لا يصيبنا البلاء؟ لماذا لا يتسرب إلينا الخوف, نعم لو كنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر لما حدث كل هذا الذي نراه, فهذا يا إخواني مثل بسيط من الأشياء التي في أنفسنا وهي كما سبق وقلت أكثر من أن تحصى. فعليكم أن تضعوا أيديكم عليها حتى تصلوا إلى العلاج والله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, والله لو تكلمنا كثيرًا في هذا الموضوع لما أعطيناه حقه وما استوفيناه قدره, فينبغي على كل إنسان أن يلتفت إلى نفسه وأن يلتفت إلى من حوله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. | | |
|
|