عباد الله: أن من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم على أصحاب رسول الله
كما وصفهم الله به في قوله:
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
وطاعة لرسول الله
في قوله: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) فهم يترضون عن الصحابة جميعاً ولا يحملون غلاً في قلوبهم لا حد منهم كما هو حال الذين في قلوبهم مرض، لا يسبون أحد منهم ويكفون عما شجر بينهم من خلاف ويعتقدون أنهم جميعاً مجتهدون، فالمصيب منهم له أجران، والمخطأ له أجر واحد، وذنبه مغفور بفضل سابقته وجهاده مع رسول الله
، فلهم من الحسنات الماحية للسيئات الشيء الكثير قال الله تعالى في فضائلهم
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم أنه بهم رؤوف رحيم
فصرح جل وعلا ها هنا بتوبته على جميع من شارك في جيش العسرة، وهو الذي يقول فيه كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا ولقد رأيتني وما أرى في المدينة أحداً تخلف عن رسول الله
إلا منافق معلوم النفاق أو رجلاً ممن عذر الله عز وجل، فهم الذين ذهبوا مع رسول الله
يوم أن قعد عنه المنافقون وخذلوا عنه قائلين لا تنفروا في الحر، وكانت غزوة تبوك في الصيف الشديد الحرارة حين طابت الثمار وبعدت شقة السفر من المدينة إلى تبوك كما قال تعالى:
ولكن بعدت عليهم الشقة
وقال تعالى في فضائل الصحابة:
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم
فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنه قد رضي على المهاجرين والأنصار وأنه أعد لهم الجنة، ولذلك فأصل السنة والجماعة إذا ذكروا أحداً من أصحاب النبي
ترضوا عليه، وقال تعالى في فضائلهم
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
فأثنى الله عليهم بشدتهم على الكفار وهم في ذلك يمتثلون قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة
وقد أثنى الله جل وعلا على من كان هذا شأنهم بقوله:
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
ثم قال جل وعلا في وصف أصحاب محمد
:
رحماء بينهم
وهم بذلك يمتثلون قوله
: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) وقوله: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك
بين أصابعه)) ثم قال جل وعلا:
تراهم تركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود
وهو السمت الحسن والخشوع والتواضع يبدو على وجوههم.
قال جل وعلا:
ذلك مثلهم في التوراة
أي ما سبق ذكره من صفاتهم هي صفاتهم المذكورة في التوراة ثم قال:
ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره
أخرج شطئه أي أخرج فراخه فآزره أي شده فاستغلظ أي شب وطال،
فاستوى على سوقه يعجب الزراع
أي فكذلك أصحاب محمد
آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطؤ مع الزرع
ليغيظ به الكفار
أي ليغيظ الله بالصحابة الكفار، ومن هنا انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه القول بتكفير من يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال رحمة الله عليه: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر.
قال ابن كثير حمه الله ووافقه كثير من العلماء على ذلك ثم قال جل وعلا:
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً
فذنوبهم مغفورة وحسناتهم جزيلة مبرورة، فرحمهم الله ورضي عنهم، نصروا رسول الله وآمنوا به وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه فهم المفلحون حقا، اللهم أرض عنهم، والعن من لعنهم أو أبغضهم، اللهم اجمعنا بهم في دار كرامتك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.